محمد مرسي ... رئيس مدني أم مُتشدِّد إسلامي؟

حتى بعد مرور مائة يوم على توليه منصبه، يظلّ الرئيس المصري الجديد لُغْزاً. فأحياناً يَظْهَر كرئيس مدني، وفي أحيان أخرى كإسلامي متشدد. لكن لا بد له قريباً من كشف ما تخفيه أوراقه، كما يوضح ماركوس زومانك في هذه المقالة من القاهرة.

الكاتب، الكاتبة : Markus Symank



حَصَل الرئيس المصري محمد مرسي على نتيجة كان يحلم بتحقيقها: فبحلول اليوم المئة بالضبط على تسلُّمه مقاليد الرئاسة، شَهِدَ له معهد مستقل في القاهرة بتقييم رائع. إذْ أنّ 79 في المئة من المواطنين، الذين شملهم استطلاع للرأي قام به المركز المصري لبحوث الرأي العام، قالوا إنهم راضون عن أداء مرسي. وحظِيَ الرئيس بشعبية كبيرة، وبشكل خاص لدى الرجال وكبار السن. لكن شعبيته في أوساط النساء والشباب كانت أقل إيجابية.

إجمالاً من المطلوب دائماً تَوَخِّي قَدْر كبير من الحذر لدى معرفة نتائج استطلاعات الرأي في العالم العربي. ولكن نتيجة استطلاع الآراء المذكور آنفاً هي نتيجة مُتَّسِقة مع وجهة نظر الكثيرين من الخبراء، كما أن المِزاج العامّ في الشارع المصري يُشير إلى استنتاج مماثل. فحين دعَت المعارضة مؤخراً إلى مظاهرة مناوئة لمرسي ظلّ ميدان التحرير في القاهرة خالياً، إلا من قِلّة قليلة من الناس.

مصر تعود مُجَدَّداً إلى الساحة الدولية

 

مرسي ونظيره الصيني رويتر
اِتجاه جديد في سياسة مصر الخارجية: حصَل مرسي على وَعْد بأكثر من 10 مليارات دولار أمريكى من المساعدات والاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ وهي مِنحة وعَدتْه بها الصين، الدولة التي كانت تتجاهل سلَفَه حسني مبارك على الدوام.

​​
ليست هذه أول مرة يقوم فيها مرسي، أول رئيس مصري مُنْتَخب في انتحابات حُرّة ونزيهة، بتلقين منتقديه درساً. إذْ لم يكُن أي شخص تقريباً يُقِرّ بأن الفرصة ستَسْنَح لُِمرسي، الرجل الثاني في الحزب التابع لجماعة "الإخوان المسلمون" وابن الفلاَّحين سابقاً؛ ولم يكن الكثيرون يعتقدون بأن النجاح سيحالفُه في انتخابات يونيو/حزيران الرئاسية من هذا العام 2012. ولكن الإسلامي "الإخوانيّ"، الذي دخل الانتخابات بحكم الأمر الواقع كمُرَشّح احتياطي وبديل، فجَّرَ مفاجئة من العيار الثقيل بطريقة تعامله مع خصومه، مِن ذوي الخبرة الطويلة والحِنكة السياسية، من أقصى اليسار الليبرالي إلى أقصى اليمين المتشدد.

وكرئيس للبلاد، حقّق مرسي علامات تقييم جيدة في المئة يوم الأولى من حكمه، وعلى وجه التحديد في مهمات السياسة الخارجية؛ وهو مجال كان خصومه قد نَفَوْا عن مرسي أن تكون له أية جدارة فيه. لكن الرئيس الجديد، البالغ مع العمر 61 عاماً، تمكّن من كَسْب ثقة المجتمع الدولي بنجاح في رحلاته التي قام بها حول العالم.

وحصَل مرسي على وَعْد بأكثر من 10 مليارات دولار أمريكى من المساعدات والاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ وهي مِنحة وعَدَتْه بها الصين، الدولة التي كانت تتجاهل سلَفَهُ حسني مبارك على الدوام. كما مثَّلَ مرسي بلاده بجَدارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخَّراً. أما بالنسبة للصراع الدائر في سوريا، فقد حدّد مرسي اتجاهات جديدة مثيرة للدهشة في هذه القضية. "مرسي يُعيد مصر مُجَدّداً إلى الساحة العالمية"، هذا ما عَنْوَنَتْ به صحيفة الأهرام صفحتها الرئيسية على شبكة الإنترنت في الآونة الأخيرة.

"عُدْنا لتكون لنا هويتنا من جديد"

وكَوْن مرسي يعمل وفق سياسة خارجية مستقلة خاصة به، هو أمر يُقيّمه الكثيرون بأنه في حد ذاته نجاح مُحقَّق. وذلك بعكْس حُسني مبارك الذي كان يُعتَبر دمية في يد واشنطن. كما أن "البَيْع" المُكَثَّف لمصالح مصر الذاتية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية على مدى عقود من الزمن، هو أمرٌ كان يعتبره المواطنون المصريون بائساً ومُخجِلاً. وجاءت إثر ذلك أهداف ثورة التغيير المصرية التي قامت في العام الماضي لِتُطالِب، بالإضافة إلى الديمقراطية والانتخابات الحرة، بحرية تقرير المصير وبالعِزّة والكرامة.

وها هو مرسي يُعيد لأكبر دولة عربية كرامتها المفقودة؛ حتى وإنْ كان البلد لا يزال يعتمد اقتصادياً، كما كان مِن قَبْل، على الدول الأجنبية. "لقد عُدْنا لتكون لنا هويتنا من جديد"، هذا ما أصبح يشعر به المواطنون على الضِفّتَين المصريتين لنهر النيل. لكنّ ثمة نقطة سوداء خرجت عن سياق توازنات سياسة مرسي الخارجية. فبعد اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة نتيجةَ نَشْر فيلم "براءة المسلمين" المثير للجدل، أحاط مرسي نفسه بالصمت لمدة ما يقرب من 24 ساعة.

ولم يقرر الاعتذار في النهاية إلا وهو تحت ضغط من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. "مرسي يعاني من صعوبة في إيجاد التوازن بين الضغوطات المحلية والتوقعات الدولية"، كما يقول جمال سلطان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمركية في القاهرة.

فَبِردّة فعله المتردّدة أحدثَ "ضرراً جسيماً" في العلاقات المصرية الأمريكية. وكان احتمال إلغاء المساعدات الأمريكية لمصر، إذْ تمّ البدء فعلاً بمناقشة ذلك في الكونغرس، يمكن أن يكون عاقبة ذلك.

تنفيذ 4 وُعود من أصل 64 وعداً

د ب ا
محمد مرسي، الرئيس المُتَعَدِّد المواقف: هل سيدخل الرئيس مرسي التاريخ على أنه مُنَفِّذ لسياسات وأهداف جماعة "الإخوان المسلمون" غير المُتَحَلِّيَة بالشفافية؟ أم أنه سيدخل التاريخ كرئيس دولة لجميع المصريين؟

​​أما شعبية مرسي الحالية فيعزوها جمال سلطان إلى المهارات السياسية المحدودة للرئيس الجديد. كما أن الكثير من المصريين، المُجْهَدين بسبب تفشّي الفوضى، يشعرون بالسرور لِمُجَرَّد أنه تمّ انتخاب رئيس جديد ولمجرّد عودة الحياة إلى مسارها الطبيعي نوعاً ما، كما يقول جمال سلطان. لكن لن يمكن تقييم الدعم الشعبي الفعلي الذي تحظى به سياسة مرسي إلا في غضون أشهر قليلة إضافيّة. فحينها سيتعيَّن على الرئيس، المُتَعطِّش حالياً للسفر والتجوال، مواجهة المشكلات الداخلية في بلده بشكل متزايِد.

فهو على الصعيد المحليّ قَلَّما أحرز حتى الآن تقدُّماً يُحْمَد عليه في بلده. فمقياس تقييم مُرسي"Mursimeter" مثلاً، وهو موقع على شبكة الإنترنت يديره شباب لتقييم أداء الرئيس، لم يمنح رئيس الدولة إلا علامات تقييم سيّئة. إذْ أنّ مرسي لم يُحقّق إلا 4 أهداف من أصل 64 هدفاً أخَذَ على نفسه تنفيذها في الشهور الثلاثة الأولى منذ بداية استلامه زمام منصبه. فها هي الجرائم في البلاد في تزايُد متواصل؛ ومُشكلات المرور لم يتمّ حلها بعد؛ وجبال النفايات تنمو وتزيد ارتفاعاً؛ كما أن القضايا الرئيسية، مثل بطالة الشباب والضرائب، لم يبدأ مرسي حتى بالتطَرُّق إليها بعد.

"مرسي لا يَمُدّ جسوراً للتواصل مع المعارضة"

كما أن الرئيس لم يلْتَفِت، حتى هذه اللحظة، إلى القضايا الاقتصادية المُلِحَّة ذات الحاجة الماسّة إلى الإصلاحات. وها هي حكومته، تماماً كنظام حسني مبارك، تعيش على المساعدات المالية كذلك. ووفقاً لمجلة The Economist الاقتصادية البريطانية المتخصصة، فإن مصر تُعتَبَر حالياً ثالث أعلى دولة من حيث المديونية في العالم. كما يرى خبراء الاقتصاد أنه لا مفرّ من انخفاض قيمة العملة المصرية ولا مَهْرَب من إلغاء الدولة دعمها للغاز والخبز، وهو دعم يستفيد منه الفقراء، وإلاّ فإن الدولة سيتهدّدها الإفلاس.

مِثْل هذه القرارات التي لا تحظى بتأييد الناس، هو ما ترصدُه الأحزاب الليبرالية واليسارية من أجل أن تكتسب مواقف أكثر قوة في الانتخابات المقبلة. لقد فشل الإسلاميون، بعد انتصارهم الساحق في أول انتخابات حرة تشهدها البلاد، في جَلْب المعارَضة إلى رَكْب التواصُل. وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة انتقامية. "فأكبر خطأ لمرسي هو أنه لا يَمُدّ جسور التواصُل: لا مع خصومه السياسيين ولا مع نسبة الـ 48 في المئة من المصريين الذين لم يُصوّتوا لصالحه"، بحسب انتقادات جمال سلطان.

إداريّ أكثر منه ذو تصوّرات مستقبلية

ومن أجل مواجهة استقطاب المجتمع المصري في الاتجاه الآخر، سيكون على مرسي تحرير نفسه من قيادة جماعة "الإخوان المسلمون". وليس من الواضح ما إذا كان قادراً على فعل ذلك أو على استعداده للقيام بذلك. فأفعاله السابقة، حتى هذه اللحظة، تجعل من الصعب جداً تصنيفه في خانة فئة معينة من الرؤساء.

فهو تارةً رئيس مدني: يُعَيِّن أحد المسيحيين مستشاراً له، ويسمح ببيع الكحول، ويكافح الإرهابيين في سيناء. لكنه في تارةٍ أخرى إسلامي لا يقبل بالحلول الوسط: فيستثني النساء من الحكومة، ويتشدّق بنظام تعليم ديني، ويشجُب القِيَم الغربية.

عدم وجود هدف واضح، والافتقار إلى مشروع وطني: كان هذا أخطر اتهام اُضطُرّ الدكتاتور السابق حسني مبارك إلى الإنصات إليه من شعبه. كما أن مرسي يظهر حتى الآن كإداري في المقام الأول، ونادراً ما يطرح رُؤَى أو تصورات مستقبلية. لكن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد: ليس من الممكن لمرسي تجاهلها أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

لذا، فإن جود جانبين مختلفين لمواقف محمد مرسي لن يكون من الممكن أن يستمر إلى الأبد. فهل سيدخل الرئيس مرسي التاريخ على أنه مُنَفِّذ لسياسات وأهداف جماعة "الإخوان المسلمون" غير المُتَحَلِّيَة بالشفافية؟ أم أنه سيدخل التاريخ كرئيس دولة لجميع المصريين؟ بحلول عام 2016 ستنتهي ولاية مرسي الحالية، وإلى ذلك الحين سيكون لدى مرسي ما يكفي من الوقت لإعطاء شعبه جواباً شافياً على ذلك. إذْ سيكون مرسي مضطراً حينها، وفق ما قرَّرت الجمعية التأسيسية للدستور مؤخراً، إلى خوض معركة انتخابية جديدة.

 

ماركوس زومانك
ترجمة: علي المخلافي
تحرير: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012