أجيال الغضب- راديكالية سياسية بلغة دينية

ماذا يغذي الإسلاموية الراديكالية؟ وما الفوارق بين تياراتها المختلفة؟ فولكر بيرتيس، الخبير المعروف في شؤون الشرق الأوسط يقدم في تحليله المعمق فروقا جذرية بين هذه التيارات ونقاطا محددة للدور البنّاء الذي يمكن لأوروبا أن تضطلع به في العالم الإسلامي.

متظاهرون مؤيدون لحركة حماس، الصورة: أ.ب
"ضرورة معرفة الفوارق بين الحركات الإسلاموية ومنطلقات كل واحدة منها"

​​لقد أدركت السياسة الغربية شيئاً فشيئاً أنه من الضروري تحديد الفوارق بين الجماعات المتطرفة المختلفة التي تسمي نفسها إسلامية. إن من المهم سياسياً التفرقة بين الحركات التي تتبع نهجاً سياسياً محلياً، والتي تشكّل بالتالي قاعدة محلية لها أهداف يمكن التفاوض حولها، وبين تلك الحركات التي تعتقد أنها تمارس نضالاً عولمياً يتعدى الزمان والمكان.

هذه التفرقة ذهبت أدراج الرياح خلال "الحرب العالمية على الإرهاب" التي خاضتها إدارة الرئيس جورج بوش، غير أن الجهات الحكومية الأمريكية قد اكتشفتها الآن من جديد. بالرغم من ذلك علينا ألا نتجاهل أن قطاعات عريضة من العالم العربي والإسلامي تهيئ مناخاً عاماً يتعدى الحدود القومية ويسهّل – على الأقل – حشد وتحريك طاقات العنف باسم الإسلامي الجهادي.

وحتى إذا كانت الأغلبية في مجتمعاتنا تلك البلدان لا يُمكن وصفها بالراديكالية على الإطلاق، كما أنها لا تميل إلى العنف، فإننا نلاحظ في المنطقة الممتدة من المملكة المغربية إلى باكستان، وكذلك بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا، وجود جيلين على الأقل من الرجال الشبّان، وكذلك بعض النساء، يسيطر عليهم الغضب الذي يتحول إلى استعداد لاستخدام العنف أو يقودهم إلى عدم التفرقة بين كافة أشكال العنف.

غضب سياسي ولغة دينية

في حين أن الجيل الذي أفرز مؤسسي القاعدة نشأ على خلفية الجهاد التحريري الذي خاضه الجهاديون الإسلاميون، آنذاك بدعم من الأمريكان، ضد قوات الاحتلال السوفيتية في أفغانستان، فإن الجيل الأصغر قد شبّ وترعرع في ظلال الحرب الأمريكية على الإرهاب التي يفهمها كثيرون على أنها حرب الغرب على الإسلام.

إن غضب هذه الأجيال لم يعد يجد طريقاً له عبر القنوات الثورية التابعة للأنظمة أو عبر حركات التحرر الوطنية. ما يزال الغضب سياسياً، غير أن الغاضبين – لاسيما الرواد المُنظّرون – يستخدمون لغة دينية حتى يمنحوا الشرعية لأكثر درجات المقاومة راديكاليةً.

فولكر بيرتيس، الصورة: د.ب.ا
"ليس هناك صدام حضاري يحرك الغرب" ضد "الإسلام. إن الصدام الحقيقي موجود داخل الحضارة العربية الإسلامية نفسها"

​​ومن الممكن إيضاح هذا الاستناد على الدين عبر ثلاث ظواهر: هناك أولاً الظروف السائدة في بلدان المتطرفين الذين يشعرون أنها ظروف ظالمة؛ أو بكلمات أخرى: الأداء السيئ للحكومات، من فساد وعدم احترام حقوق الإنسان وغياب دولة القانون والخلل الاجتماعي. إن الفقه الإسلامي يعتبر الحكم الظالم غير إسلامي في كثير من الحالات، ولهذا يسهل التوصل إلى الاستنتاج العكسي اليوتوبي، أي أن العودة إلى "الإسلام الصحيح" تضمن رجوع العدالة الغائبة.

فلسطين: جرح لا يندمل

وهناك ثانياً الشعور السائد لدى أهل تلك البلدان بأن القوى الأجنبية غير الإسلامية، وبصورة خاصة قوى الغرب، تضع العوائق أمام تنمية أوطانهم. إن من الواضح أن الحكومات الغربية تدعم الحكام العرب المستبدين، وفي حالة توجيه ضربات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية ضد إيران فسيرى الجميع فيها برهاناً على سعي الغرب لتحجيم الأمم المسلمة.

أما العامل الثالث فهو الصراع الفلسطيني. ليس معنى ذلك أن الإرهاب الإسلاموي أو الحركات المتطرفة في العالم الإسلامي ستختفي إذا قام الفلسطينيون بتأسيس دولتهم. إن هذا الصراع يبقى الجرح الأكبر الذي لا يندمل، والتطرف يقتات على هذا الجرح الذي يمثل أهم رمز لحشد أولئك الذين يرون الإسلام يخوض صراعاً وجودياً مع الغرب.

أحد المنازل المهدمة من القصف الإسرائيلي في غزة، الصورة: أ.ب
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشكل في كثير من الأحيان مظلة لكثير من الحركات الإسلاموية

​​كل هذا يظهر أثره خارج فلسطين على وجه الخصوص، إذ إن الفلسطينيين ينظرون إلى تحقيق تطلعاتهم الوطنية باعتبارها هدفاً محدداً، وليس هدفاً رمزياً، وهذا الهدف يحاولون تحقيقه عبر وسائل سياسية أو دبلوماسية أو عبر العنف، ولكنهم لن يحاولوا تحقيقه عبر "الجهاد المعولم" إلا في حالات نادرة.

إن الصراع مع التطرف ذي الأسباب الإسلاموية هو في المقام الأول صراع حول مستقبل العالم العربي الإسلامي. لن يتم حل البعد الأول للغضب على وجه الخصوص إلا عبر إصلاحات سياسية عميقة وجذرية في تلك البلاد. لكنّ الأنظمة المستبدة التي أعلنها الغرب حليفة له هي في معظم الأحيان غير مستعدة للقيام بتلك الإصلاحات إلا بالكاد.

دولة المؤسسات كشرط للديمقراطية

يمكن للحكومات الأوروبية أن تدعو إلى القيام بإصلاحات ويمكنها أن تساند ذلك. ولكن يجب على السياسة الأوروبية أن تفكر جيداً في كيفية مساهمة سياستها الخاصة في زيادة مخزون الغضب في العالم الإسلامي أو التقليل منه. في هذا الصدد أود أن أقدم هذه النصائح:

يجب على أوروبا أن تقدم الدعم في العالم العربي الإسلامي لأولئك الفاعلين الذين يعملون على تحقيق التغيير في بلدانهم سلمياً، وهو ما يعني أيضاً قبول أن يضم المجتمع المدني القوى الإسلامية المحافظة إلى جانب القوى التي تستخدم خطاباً علمانياً. ومن المؤكد أن العالم العربي لن يشهد إصلاحات سياسية مستديمة مع استبعاد القوى القومية المعتدلة للإسلام السياسي.

صورة رمزية
"دولة المؤسسات هي شرط قيام الديمقراطية الراسخ"

​​إن التحول السياسي لم يكن يوماً خطاً مستقيماً، إنه مفعم دائماً بالمتناقضات والطرق الملتوية والنكسات. من أجل ذلك يُنصح بتفكيك مفهوم الديموقراطية إلى مكوّناتها الأساسية، وهو ما يعني في المقام الأول دولة القانون، وحقوق الإنسان، والنظام القضائي المستقل، والشفافية، وحرية التعبير عن الرأي، والانتخابات الحرة التي هي بلا شك عنصر حاسم، غير أنها بالتأكيد ليست العنصر الأهم أو العنصر الضامن لإجراء إصلاحات سياسية مستديمة. إن الديمقراطية – هذا شيء بدهي – لا يمكن أن تسبق عملية أخرى أشمل بكثير وهي عملية بناء الدولة، بل إن دولة المؤسسات هي بالأحرى شرط قيام الديمقراطية الراسخة.

فيما يخص تطور الدول هناك علاقة وثيقة بين التقدم الاقتصادي ودرجة التعليم ونمو الطبقة الوسطى من ناحية، وبين فرص رسوخ التعددية والعملية الديمقراطية من ناحية أخرى. معنى هذا أن تشجيع نشوء طبقات وسطى جديدة يظل أمراً صحيحاً لوضع حجر الأساس للتغيرات.

إن على الفاعلين الغربيين ألا يغضوا البصر عن أهمية الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك الصراع في العراق الذي تزداد أهميته بالنسبة للتطور السياسي للمنطقة. إن الرأي العام في البلدان العربية يقيس مدى المصداقية الأوروبية، وليس فقط مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لاستعداد بلداننا للمساهمة في إنهاء هذا الصراع أو هذه الصراعات.

أين يسير خط الصراع؟

حتى وإن كانت الهوة قد أصبحت أعمق من قبل: ليس هناك صدام حضاري يحرك "الغرب" ضد "الإسلام". إن الصدام الحقيقي موجود داخل الحضارة العربية الإسلامية نفسها. إنه يحدث بين أولئك الذين يريدون قيادة بلدانهم إلى العولمة، وأولئك الرجعيين الذين يريدون أن يشلوا حركة مجتمعاتهم.

علينا، نحن الأوربيين، أن نختار بين طريقين: هل نضع العوائق أمام شركائنا الحقيقيين أو المحتملين في المنطقة، وذلك إذا استخدمناهم وسيلة للوصول إلى أهدافنا السياسية، أم نقدم لهم الدعم عبر بذل جهد سياسي واقتصادي واجتماعي يتميز بالمصداقية؟

فولكر بيرتيس
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

فولكر بيرتيس مدير مؤسسة العلوم والسياسة SWP في برلين والتي تقدم المشورة للحكومة الألمانية في شؤون السياسة الخارجية. وقد نشر الباحث في علم السياسة عدداً من الدراسات عن الشرق الأوسط والأدنى. وقد صدر له حديثاً كتاب: "إيران – التحدي السياسي: التوازن الحساس بين الثقة والأمن"، دار نشر "زوركامب"، أغسطس 2008
قنطرة

موقع المرأة في أجندة الإسلاميين
مجرد ورقة تجميل
اهتمت الحركات الإسلامية بتوجهاتها المعتدلة والمتشددة بتوظيف المرأة داخل برامجها السياسية، لكنها في الغالب لم تسع لتأهيلهن لتبني المسؤولية والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار، وهو ما انتهى إلى تهميش الوجود النسائي داخل هذه الحركات بحيث لا يتعدى وظيفة التجميل الرمزي. أحمد شهاب في قراءة لموقع المرأة في أجندة الإسلاميين المعاصرين.

حوار مع محمد مجتهد شبستاري:
"الإسلام دين وليس برنامجاً سياسياً"
يعد محمد مجتهد شبستاري واحدا من أهم علماء الدين الشيعة وفلاسفتهم المعاصرين. في الجزء الأول من الحوار الصحفي المسهب، الذي أجرته معه فاطمة صغير تحدث الفيلسوف والفقيه الإيراني المرموق عن العلاقة المعقدة بين الدولة والدين ودور القضايا الدينية في عصر العولمة.

لقاء بين يورغن هابرماس وطارق رمضان:
"لا وجود لأوروبا من دون المسلمين"
لم يعد دمج المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا يشكِّل منذ فترة طويلة مشروعًا، بل واقعًا - حسب رأي طارق رمضان. لكن على الرغم من ذلك يتحتَّم دائمًا على المهاجرين إثبات ولائهم لأوروبا. والآن التقى في مؤتمر عقد مؤخرًا الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مع الشخصية الإشكالية طارق رمضان، الذي يعد أحد أهم ممثلي المسلمين في أوروبا. كيف سيكون في المستقبل شكل العلاقة بين أوروبا والحداثة والإسلام؟