دعوة إلى الحوار حول رابطة الجوار

يري ممثل الجامعة العربية في فرنسا، ناصيف حتي، أن دعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لبلورة سياسة الجوار العربي بغية إقامة منطقة جوار عربي، والبدء بسياسة حوار استراتيجي عربي مع كل من دول الجوار، تطرح تحدي بلورة موقف الحد الأدنى الممكن عربياً للتحاور مع هذه القوى في إطار متعدد الأطراف.

صورة رمزية للعلمين السعودي والإيراني، الصورة دويتشه فيله
"نشأت مع هذه الإقليمية الجديدة أنماط من الديبلوماسية المتعددة الأطراف تندرج في أطر تعاونية متعددة وذات مستويات مختلفة من المأسسة. "

​​ صارت الإقليمية الجديدة التي تعبر عنها صيغ مختلفة من أطر التعاون التي تضم دولاً وأحياناً منظمات إقليمية مع دول، صيغ ذات هندسة مرنة ومفتوحة ومتعددة الأشكال، صارت هذه الإقليمية الجديدة إحدى سمات عصر ما بعد الحرب الباردة. فالعولمة المتسارعة وتداعياتها المختلفة اندماجاً وتفككاً والتحولات التي يشهدها نظام عالمي ما زال يتشكل ولم تستقر بعد هيكليته ونشوء قضايا ومسائل وأنماط جديدة من التفاعلات تستدعي مقاربات مختلفة عما كان سائداً في الماضي وازدياد ضعف الدولة وعدم قدرتها على توفير أجوبة فعالة وحدها للتحديات التي تواجهها، كل هذه العناصر جعلت من الإقليمية الجديدة في إحدى أهم وظائفها بمثابة شبكة أمان وسيطة بين الدولة والقرية الكونية التي نعيش فيها.

ونشأت مع هذه الإقليمية الجديدة أنماط من الديبلوماسية المتعددة الأطراف تندرج في أطر تعاونية متعددة وذات مستويات مختلفة من المأسسة. وإذ تبقى تجربة الاتحاد الأوروبي رائدة في هذا المجال، إلا أنها ليست وحيدة. فالآسيان (منظمة دول جنوب شرقي آسيا) نشطت في بلورة صيغ تعاون مختلفة من نوع «آسيان زائد» كما أن أميركا اللاتينية غنية بأشكال التعاون الإقاليمي. تقوم هذه الإقليمية الجديدة على معايير محددة أهمها من دون شك وجود قضايا مشتركة حيوية والحاجة إلى إيجاد آليات أكثر فعالية للتعامل مع هذه القضايا سواء كانت خلافية أم تعاونية وكذلك الحاجة إلى تنظيم المنفعة المتبادلة والمشتركة تجاه هذه القضايا من جهة والتعامل في شكل أفضل مع المخاطر والتحديات من جهة أخرى. سواء سميت إطاراً أو رابطة أو منتدى أو مؤتمراً... فكلها أسماء لظاهرة الإقليمية الجديدة.

النظام الإقليمي العربي خارج السياق

في ظل هذه السمة الدولية الناشطة والديناميكية يبدو النظام الإقليمي العربي وكأنه خارج هذا السياق. فالعنصر الإقليمي والدولي أياً كانت مواقف هذا الطرف العربي أو ذاك منه أو من بعضه، طاغ ومهمين في صوغ ديبلوماسية الصراع والتهدئة والإدارة والتسوية للنقاط الساخنة المتزايدة في العالم العربي بسبب ضياع البوصلة العربية وتبعثر القدرات العربية وغياب دور القاطرة أياً كان شكل تلك القاطرة لنظام جرى تدويل وأقلمة أجندته وأولوياته واهتماماته وهمومه. ففراغ القوة الذي يعيشه النظام العربي والانفصام الحاد والفاضح بين الخطاب العربي الجماعي من جهة والممارسة من جهة أخرى جعل هذا النظام جاذباً بقوة، بمثابة مغناطيس، لهذه التدخلات المتنافسة والمتنازعة حيناً والمتقاطعة أحيانا في المصالح في ما بينها وفي ما بين كل منها وبعض النظام العربي هنا وهناك.

في هذا المشهد السوداوي جاءت دعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية لبلورة سياسة الجوار العربي بغية إقامة منطقة جوار عربي، والبدء، وقد بدأت مع تركيا، بسياسة حوار استراتيجي عربي مع كل من دول الجوار. جاءت هذه الدعوة لتطرح تحدي بلورة موقف الحد الأدنى الممكن عربياً للتحاور مع هذه القوى فرادى وفي إطار متعدد الأطراف.

الزعيم الليبي معمر القذافي، الرئيس الفلسطيني عباس محمود، الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الصورة بيكتشر أليانس
أطلق عمرو موسى مبادرته في القمة العربية التي استضافتها مدينة سرت الليبية مؤخراً.

​​ انتقادات ثلاثة برزت حول هذا المقترح يفترض التوقف عندها: أولاً انتقاد يقول إن ذلك تمييع للهوية العربية وخطر عليها، وأعتقد أن الخطر يأتي من "الداخل العربي" ودينامياته السياسية والإستراتيجية والثقافية القائمة وليس من الدعوة إلى التفاعل المتوازن مع الخارج القريب الذي يستدعي أساسا استنهاض الحد الأدنى الممكن للبيت العربي. فالفكره تساهم في تحفيز العرب لا في تمييع ما لم يعد قائماً أساساً على صعيد الفعل السياسي الجماعي.

ثانياً انتقاد يقول إن هذه المبادرة تشكل دعوة لاختراق «البيت العربي» واعترافاً بتدخل بعض هذا الخارج وصوابية مصالحه وكأنما هذا التدخل لأي كان من هذا «الخارج»، وهو مادة خلاف بين العرب، وكل له مؤيدوه ومعارضوه، بحاجة إلى «فيزا» عربية جوارية وقد صارت له إقامة دائمة في القضايا العربية بسبب غياب «التدخل العربي» في القضايا العربية، علماً أن في عالم اليوم لم يعد ممكناً الحديث عن غياب التأثر والتأثير، بخاصة على مستوى الجغرافيا الإقليمية، بل السؤال الذي يُطرح يتعلق بسياقات هذا التأثير ووجهاته.

وثالثاً يرى البعض أن المطلوب تسوية الخلافات مع إيران تحديداً وربما مع غيرها من دول الجوار في إفريقيا، مع التذكير والتأكيد دائماً أن إسرائيل خارج هذه الصيغة كلياً، قبل الولوج في رابطة من هذا النوع. وهذا الطرح يسقط احد أهم حوافز إنشاء اطر تعاون إقليمية، إذ يفترض أن يكون في طليعة وظائف هذه الأطر احتواء الخلافات وتنظيمها وتهدئتها والمساهمة في تسويتها، فليس هذا نادياً اجتماعياً بل هو إطار ديبلوماسي لدول لها مصالح مختلفة، متناقضة أو متوافقة ودائما متغيرة.

بلورة سياسة جوار عربي ضرورة حيوية

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ورئيس الوزراء التركي أردوغان، الصورة ف ا ر س
"يرى البعض أن المطلوب تسوية الخلافات مع إيران تحديداً وربما مع غيرها من دول الجوار في إفريقيا، مع التذكير والتأكيد دائماً أن إسرائيل خارج هذه الصيغة كلياً، قبل الولوج في رابطة من هذا النوع."

​​ أسباب خمسة تستدعي بلورة سياسة جوار عربي ومنطقة أو رابطة أو منتدى أو إطار أو مؤتمر قائم، أياً كانت التسمية. أولاً: إنها لا تتعامل مع حالة نظرية أو ما هو مرتجى، بل تتعامل مع واقع قائم وقاتم وتهدف إلى التأثير الايجابي فيه، وعدم التعامل مع هذا الواقع لا يعني بالطبع تغيره. ثانياً، لا تشكل بديلاً لعلاقات ثنائية عربية جوارية، لا بل قد تشكل عنصراً داعماً لعلاقات ايجابية ومساعداً ومسهلاً لتبريد علاقات متوترة. ثالثاً، لا تدعي التعامي عن وجود خلافات أياً كان حجم هذه الخلافات وعمقها وتعقيداتها، بل توفر الإطار والمناخ الضروريين للتعامل مع هذه الخلافات.

رابعاً، إن هنالك قضايا ساخنة ومعقدة وضاغطة وبسبب طبيعتها وموقعها الجغرافي السياسي بحاجة إلى مقاربة متعددة الأطراف ومتعددة السبل للتعامل الناجح والفعال معها وهذا لا يمكن أن توفره إلا هذه الصيغة العربية الجوارية. خامساً، إن هذه العملية الديبلوماسية القائمة في هذا الإطار «العربي زائد» حيث الانضمام إليه تدريجي وعلى أساس قواعد عامة يتفق عليها قادرة، وهذا هو التحدي، ان تبلور عبر التجربة مجموعة من القواعد السلوكية وأنماط التعامل والتفاعل بين الدول الأعضاء وتسمح بإدارة الخلافات في شكل ناجح ومحاصرتها والإسهام أيضاً في تسويتها.

وفي نهاية الأمر، تحاول هذه المبادرة، وهي بحاجة إلى نقاش واسع وصريح وليس إلى الترحيل أو التشويه عن قصد أو غير قصد، توفير بعض الإجابة عن سؤال أساسي مطروح بشدة وحدة على العرب، سؤال يمكن تلافي طرحه ولكن لا يمكن تلافي نتائجه إذا لم تتم الإجابة عليه: هل نبقى مسرحاً لصراع أو تنافس الآخرين، أصدقاء وخصوماً وأعداء، أم نتحول إلى طرف فاعل ومؤثر في السياسات الدولية والإقليمية للنظام العربي، وقبل كل شيء ننجح في بداية صنع سياسات عربية مشتركة ولو بالحد الأدنى الممكن.

ناصيف حتي
حقوق الطبع: صحيفة الحياة اللندنية 2010

قنطرة

حوار مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى
" تفعيل الثقل السياسي لأوروبا بدلاً من دبلوماسية دفع الفواتير"

في حوار خص به موقع قنطرة يدعو الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، إلى تفعيل دور أوروبا السياسي في الشرق الأوسط ودعم التعاون بين ضفتي البحر المتوسط وإعادة إحياء الحوار العربي الأوروبي الشامل. نيلي يوسف حاورت عمرو موسى في القاهرة.

دول الخليج العربي والبرنامج النووي الإيراني:
خشية من جارة كبيرة تمتلك القنبلة النووية

تنظر دول الخليج العربي بقلق وريبة إلى جارتها إيران، وتخشى من أن تكون هذه الدولة المجاورة قد تسعى إلى فرض رغبتها في السيطرة على المنطقة من خلال امتلاكها القنبلة النووية، الأمر الذي لا يمكن للمرء تنبّؤ عواقبه. بتينا ماركس في قراءة لبعض ردود الفعل العربية على البرنامج النووي الإيراني وأبعاده على دول الخليج العربي.

العالم العربي: العولمة وجدل الهوية
من الخصوصية إلى الإعاقة التاريخية؟

يرى الإعلامي والباحث في العلوم السياسية خالد الحروب أن تشدد الخطاب العربي والإسلامي الراهن في مسألة الخصوصية الثقافية يبتعد عن واقع مجتمعاته وعن التجربة التاريخية. كما يرى أن هذه الهواجس الوهمية تحول الخصوصية الثقافية إلى صيغة تبرير لإخفاقات المجتمعات العربية وتضر بفرص تطورها ولحاقها بركب الحضارة.