رائد ثقافة اللاعنف في الإسلام

في الوقت الذي أحيى فيه العالم مؤخرا ذكرى الأسطورة غاندي، ما تزال قلة تعرف شيئا عن رفيق دربه الباكستاني عبد الغفار خان، الذي سار على دربه في الدعوة إلى المقاومة السلمية. خان أسس حركة "خدام الله" التي آمنت بتوافق الإسلام مع اللاعنف. نسيم صابر يستعرض بعض جوانب هذه الشخصية.

عبد الغفار خان، الصورة: حزب المؤتمر الوطني
آمن عبد الغفار بالمقاومة السلمية كوسيلة لاستعادة الحقوق وتحرير الأوطان

​​وُلد عبد الغفار خان، رفيق درب غاندي لاحقاً، في عام 1890 في بلدة كارسادا بالقرب من مدينة بيشاور في وطنه المحتل من قبل بريطانيا في شمال غرب شبه القارة الهندية. وهو ينتمي إلى عائلة بشتونية مرموقة تعود أصولها إلى قبيلة أولاد محمد، التي حكمت أفغانستان من عام 1826 وبرز من صفوفها آخر ملوك أفغانستان، زاهر شاه.

جعل البريطانيون في عام 1893 من خط دوراند الذي كان موضع نقاش حدا فاصلا بين الهند البريطانية وأفغانستان، حيث قسم هذا الخط إلى يومنا هذا الشعب البشتوني في دولتين. وفي ذاك الوقت أصبح عبد الغفار خان أحد رواد اللاعنف في منطقة أنهكتها الحرب. مثل هذا النهج جعل البشتونيين حتى يومنا هذا يكنون كل محبة لعبد الغفار خان ويطلقون عليه اسم "ملك الزعماء".

عاشق العلم والتعليم

في ربيعه العشرين، بنى عبد الغفار خان، بمبادرة فردية منه، مدرسة بالقرب من عثمانزاي في شمال غرب ما يُعرف اليوم بباكستان. وأسس جميعة إصلاح الأفغان وأصدر مجلة "بشتون"، ليتمكن من الوصول إلى الشرائح التي يُسيطر عليها البريطانيون.

صورة قديمة لأحد شوارع مدينة بيشاور عام 1900، الصورة: ثيودور بينيل
كانت بيشاور مسرحا لمقاومة خان السلمية

​​أثمرت هذه الجهود عن تأسيس حركة "خدام الله" في العشرينيات من القرن الماضي، حيث انضم إليها عشرات الآلاف من المدنيين البشتون الذين آمنوا بالمقاومة السلمية من خلال العصيان المدني سبيلا للتعبير عن مواقفهم. وأطلق عليهم البريطانيون أصحاب "القمصان الحمر"، لتميز لباسهم باللون الأحمر.

في أوج الاحتجاجات ضد السيطرة البريطانية على شمال غرب الهند، أطلقت القوات البريطانية النار على متظاهرين مدنيين في 23 نيسان/أبريل 1930 وقتلوا المئات منهم.

نقطة تحول في حركة الاستقلال الهندية

رفض الجنود البريطانيون الانصياع لأوامر إطلاق النار على المدنيين في بيشاور في بازار قصة خواني، سوق الحكواتي. وعلى إثر ذلك انتشر هذا الخبر كانتشار النار في الهشيم، حيث يُعتبر اليوم نقطة تحول في النضال نحو استقلال الهند.

يؤمن بادشاه خان بأن "العمل واليقين والحب" هم قلب الإسلام. وكونه خادم الله، كان مقتنعاً أن الله ليس بحاجة لخدمات، إنما العمل على خدمة خلقه يعني خدمته. وعند الالتحاق بالحركة كان يُقسم المرء بأن يكون متسامحاً حتى مع هؤلاء الذين اضطهدوا الضعفاء.

علاوة على ذلك كان يتعين على كل عضو أن "يعيش حياة بسيطة" ويقوم بعمل اجتماعي على الأقل ساعتين يومياً. بادشاه خان التزم بكلمته طيلة حياته. وقد وصفه زارين أنزور، أحد أشهر الصحفيين الأفغان، بأنه "رجل مبادئ أخلص لها حتى آخر يوم في حياته".

إضافة إلى الوحدة وحرية البشتون، عمل بادشاه خان جاهداً في سبيل إجراء إصلاحات اجتماعية وثقافية وفكّر "بإرسال البشتون إلى المدرسة ليتعلموا، وذلك بلغتهم الخاصة"، حتى أنه أرسل أبناءه إلى المدرسة ليكون قدوة لغيره.

الحياة في السجن

ما انفك البريطانيون - حتى باكستان نفسها – في وضع بادشاه خان في السجن بسبب قناعاته وقربه لحركة الاستقلال الهندية بقيادة مهاتما غاندي. وبهذا أمضى عبد الغفار خان المعروف باسم بادشاه خان عدة عقود من عمره في السجون البريطانية والباكستانية، حتى إن منظمة العفو الدولية رشحته ليكون "سجين عام 1962".

الأسطورة غاندي، الصورة: أ.ب
غاندي بطل ثقافة اللاعنف

​​مازال بادشاه خان يتمتع بسيرة حسنة في بقاع واسعة من أفغانستان وباكستان والهند حتى يومنا هذا لدرجة أن الشعب منحه لقب "فخر الأفغان". ومنحته الهند في عام 1987، قبل عام واحد من وفاته جائزة بهارات راتنا التي تُعتبر أعلى وسام رسمي هندي. يذكر أن هذه المرة الأولى التي تُمنح فيها هذه الجائزة لشخص غير هندي.

توفي بادشاه خان في 20 كانون الثاني / يناير 1988 في بيشاور في الوقت الذي كان يخضع فيه للإقامة الجبرية. ودُفن بناء على رغبته في مدينة جلال أباد في أفغانستان. وسار للمرة الأخيرة عشرات الآلاف من مؤيديه في جنازة "خيبر" التاريخي من بشاوار حتى جلال اباد.

ذكرى المسلم المسالم

في الذكرى العشرين لرحيله نظم بعض المفكرين الأفغان حفلاً تذكارياً حول قبر بادشاه خان في جنوب شرق أفغانستان. كما يخطط العديد من الجمعيات الثقافية في المنطقة وفي أوروبا تنظيم عدة احتفالات في ذكرى رحيل البشتوني المسالم، عبد الغفار خان. ووصف أستاذ الأدب الهندي، اكناث ايسواران الصديقين الحميمين ورفيقي الدرب، بادشاه خان وغاندي، أنهما "حلفاء في ثورة الفكر البشري ورواد ثقافة السلام". وجدير بالذكر أن اكناث ايسواران كان قد ألّف كتاباً عن مهاتما غاندي وبادشاه خان.

ويقول المستشار الألماني الأسبق، هيلموت شميدت ، في مقدمة الكتاب: "يساهم هذا الكتاب الرائع للكاتب اكناث ايسواران في فهم الإسلام جيداً". ومن الواضح فعلاً أن فلسفة بادشاه خان الإسلامية السلمية لم تفقد بريقها حتى اليوم، ليس فقط في مناطق الحرب على طول خط دوراند، بل في العالم أجمع.

نسيم صابر
ترجمة: منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

بعد مرور سنة على عاصفة الرسوم الكاريكاتورية:
حرية التعبير واحترام مشاعر الآخرين
ضجة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد إنتهت او تكاد تنتهي، ومع ذلك يظل السؤال قائما: كيف يمكن لنا أن نوفق بين حرية التعبير عن الرأي واحترام مشاعر الآخرين؟ في هذا المقال يحاول سكرتير الأمم المتحدة السابق كوفي عنان العثور على الجواب.

العنف في الإسلام:
مشكلة لم تحل بعد!
على الرغم من تركيز الخطباء الراديكاليين منذ بضع سنوات على تجنيد الشباب المسلم للقتال المسلح، إلا أنه حتى الآن لا يوجد حوار في الجاليات الاسلامية ولا بين الفقهاء حول الدوافع الدينية للعنف. بقلم منى نجار

لقاء مع كيران نغاركار:
"لماذا لم يعد أحدٌ اليوم يشغف بغاندي؟"
تُعتبَرُ روايته "المحارب الإلهي الصغير" نداءً حارًا ضد كل أنواع العسكرة؛ بيد أنَّ كيران نغاركار يتصارع خارج إطار عالمه النثري مع التناقضات الكامنة في التخلي الجذري عن العنف. لويس غروب التقى الكاتب الهندي في كولون