الحديث عن الدين بعد مذبحة النرويج

"كيف نتكلم عن الدين بعد النرويج؟" تبحث المؤلفة جولي كلاوسن فيما إذا كانت الهجمات الأخيرة توفر قوة دافعة للتغلب على عدم ارتياحنا عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الدين وللانخراط في هذه الحوارات الهامة.



أصابت المأساة الأخيرة في النرويج، وهي أسوأ هجوم شهدتْه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية، أصابت العالم بالصدمة والألم، وفرضت علينا كمجتمع عالمي أن ننظر عن كثب إلى الدين والهوية وكيف ننظر إلى "الآخر"، إضافة إلى أنفسنا. يعتبر الدين أحياناً موضوعاً غير مريح للبحث في الغرب، وقد أجبرت الهجمات الإرهابية الأخيرة في النرويج العديد منا، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا على إعادة تقييم قضايا الدين والهوية.

كيف نتكلم إذن على الدين بعد النرويج؟

تم إلقاء اللوم بسرعة ضمن ردود الفعل المبكرة على الهجمات الإرهابية، على المسلمين. وبعد الكشف عن أن أنديرس بريفيك الذي ارتكب هذه الأعمال هو في الواقع متطرف يميني معادٍ للإسلام يعرّف نفسه كمسيحي، فجأة اختفت النزعة لإلقاء اللوم بسبب أعماله على التطرف الديني. تسهل الإشارة إلى النفاق، أي مواجهة الناس فيما يتعلق بتوجههم للافتراض بأن الإسلام يشجع العنف، وفي الوقت نفسه الإسراع في غسل الأيدي المسيحية جماعية من أية مؤشرات للقيام بأعمال سيئة. لا يؤدي توجيه أصابع الاتهام إلا إلى التعامل مع الأعراض وليس إلى المشكلة الفعلية في منظور عالمي يختار النظر إلى الآخر من موقع الخوف بدلاً من الحب. وحتى يتسنى التعامل مع هذه المشكلة، بغض النظر عن عدم الارتياح الذي ينطوي عليه ذلك، يجب أن يكون الدين جزءاً من الحوار.

في جوهر الدين

الصورة ا ب
القس الأميركي تيري جونز الذي أثار في العام الماضي موجة من الادانات بشأن خطته لاحراق مجموعة من نسخ القرآن

​​يشكّل ديننا، أو عدم وجوده، كنه كل منا وكيف نعمل في هذا العالم. عندما نؤمن بفكرة أو تعبير عن عقيدة أو نص ديني مقدّس، فإن هذه المعتقدات تشكل جوهر هويتنا، الأمر الذي يؤثر على كل شيء، من سياستنا إلى علاقتنا. بالنسبة للكثيرين منا، توفّر لنا هذه المعتقدات الأمل بأن عالماً أفضل هو أمر ممكن، عالم لا يحكم فيه الخوف، وحيث يدفع التعاطف والخدمة أفعالنا. إلا أن باستطاعة الهوية الدينية كذلك أن تؤثر على الناس لارتكاب أعمال عنف وحقد. فمن الأمور المشتركة بين الأصوليين من أي دين، محاولات أساسها الخوف للسيطرة. من خلال الإصرار على كونهم على حق بغض النظر عن الكلفة، فإنهم يرفضون الانضباط المسيحي المتمثل بالثقة في الله، أو النداء المسلم بالاستسلام لله.

ولكن بالنسبة لهؤلاء الذين يسمحون لأنفسهم بأن يتشكلوا بأساليب تتجاوب مع الآخر بالحب بدلاً من الخوف، يهب الدين الأساليب لبناء عالم أفضل. يقوّي وضع الإنسان ذاته حول احتياجات الآخرين الصالح العام بدلاً من الرغبات الفردية الأنانية. لذا فإن استعادة حب الجار كعمل ديني وليس مجرد مصلحة سياسية يشكّل خطوة ضرورية في التعامل مع إفساد الدين من قبل الأصوليين.

دين التسامح

الصورة د ب ا
مجزرة أوسلو أسوأ مأساة في تاريخ النرويج منذ الحرب العالمية الثانية

​​

أرى كإنسانة ذات عقيدة أن هذه العقيدة التي يعيشها المرء هي مثل رد "هيج دالين" وشريكها "توريل هانسن" على الهجمات. عندما سمعا الصرخات وإطلاق النار من مخيمهما المواجه لجزيرة يوتويان، قفزا فوراً إلى قاربهما وتجنبا الرصاصات لإنقاذ حوالي أربعين شخصاً. لا نستطيع جميعاً أن نكون أبطالاً، ولكن اختيار حياة مكرّسة لمساعدة المحتاجين، بغض النظر عن هويتهم، هو أساس أي دين يفضل البناء على الهدم والتدمير. يمكن للحديث بصوت عالٍ عن القيم الدينية التي تحفزنا على مد يد التواصل، واستعدادنا للإصغاء إلى هؤلاء الذين يفعلون الشيء نفسه ولكنهم يأتون من معتقدات وتقاليد مختلفة، أن يساعد على تغيير الأسلوب الذين تنظر ثقافاتنا من خلاله إلى الدين.

الحديث عن الدين بعد النرويج يعني ألا ندع الخوف يحدد كنه الإيمان والعقيدة. يمكن لفحص معتقداتنا والعيش ضمن إيماننا من خلال أعمال حب لا أنانية أن ينقل الحوار إلى ما وراء سميّة الخوف. يجب أن تشكل محاولات مقصودة لفهم الدين، مهما كان ذلك غير مريح، جزءاً من السبيل إلى الأمام. شارك في حوار، أو اقرأ كتاباً كتبه شخص "آخر" غير نفسك. تشارك مع أناس من معتقدات أخرى حول مشاريع معونة أو تنمية مجتمعية لفهم كيف يمكن لدياناتنا المختلفة أن تحفّز نفس الأعمال الكريمة. شارك في حوارات صادقة حول خلافاتنا لتكتشف ما يمكن أن نتعلمه من بعضنا. لا يعني العيش في مجتمعات علمانية تجاهل دياناتنا. بدلاً من ذلك، نستطيع اختيار ذلك الجزء من هوياتنا لبناء عالم أفضل.

 

جولي كلاوس

 

حققو النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011

 

 جولي كلاوسن (www.julieclawson.com) جولي كلاوس: هي مؤلفة كتاب "عدالة كل يوم: الأثر العالمي لخياراتنا اليومية".