حرية التعبير واحترام مشاعر الآخرين

ضجة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد إنتهت او تكاد تنتهي، ومع ذلك يظل السؤال قائما: كيف يمكن لنا أن نوفق بين حرية التعبير عن الرأي واحترام مشاعر الآخرين؟ في هذا المقال يحاول سكرتير الأمم المتحدة السابق كوفي عنان العثور على الجواب.

مسلمون يحتجون أمام السفارة الدانماركية في بانكوك/تايلاند على الكاريكاتور في 6 شباط/فبراير 2006، الصورة: أ ب
مسلمون يحتجون أمام السفارة الدانماركية في بانكوك/تايلاند على الكاريكاتور في 6 شباط/فبراير 2006

​​

لقد كنت على يقين دائما بأنَّ الرسوم الكاريكاتورية تحتل موقعًا مهما في وسائل الإعلام المطبوعة، إذ أنها تلعب دورًا خاصًا في تكوين الرأي العام، فغالبًا ما يكون الأثر الذي تتركه الصور أعمق بكثير من الكلام.

إنَّ معظم الناس يميلون أكثر إلى مشاهدة رسم من قراءة مقالة. عندما يتوقَّف المرء أثناء تصفُّحه مجلة ما عند مقالة فإنَّ ذلك يتطلَّب منه أن يقرِّر القراءة. لكن في المقابل لا يمكن تقريبًا المرور على رسم من دون مشاهدته.

دور الكاريكاتور

لذا فإنَّ الكاريكاتوريين يمارسون تأثيرًا كبيرًا في كيفية إدراك الناس لبعضهم. فهم يمكن أن يشجِّعوا على النقد الذاتي ويقوّوا الشعور بالآخر. وكذلك يمكنهم أن يحقِّقوا تمامًا عكس ذلك. باختصار: هم يتحمَّلون مسؤولية كبيرة. الرسوم الكاريكاتورية تجعلنا نضحك. فمن دونها ستكون حياتنا أسوأ وأكثر قتامتة.

لكن الرسوم الكاريكاتورية لا تفعل هذا فقط: فهي تُقدم معلومات وتجرح. يمكن باستثناء الألم النفسي فقط لقليل من الأمور أن توقع بنا أَلمًا مباشرا كبيرا برسم كاريكاتوري مرسوم عنا بالذات، عن جماعة ننتمي لها أو - ربما بشكل أسوأ - عن شخص نكنّ له أعمق الاحترام.

لنقل على نحو آخر: من الممكن للرسوم الكاريكاتورية أن تصوِّر وتنمِّي التعصُّب في نفس الوقت - وحتَّى أنَّها يمكن أن تثير التعصُّب وعدم التسامح. والحقيقة المؤلمة هي أنَّ الرسوم الكاريكاتورية كثيرًا ما تقوم بهذه الأمور الثلاثة في نفس الوقت. فإذا ما حاولنا أن "ننسى" التعصُّب وعدم التسامح، فعندها يجب علينا أن نبدأ بالتحاور مع الكاريكاتوريين.

بعيدا عن الكليشيهات السائدة

من الممكن أن يساعدونا في النظر إلى رسوماتهم وردود أفعالنا بشفافية أكثر. ربما يمكن لنا في المقابل أن نساعدهم على التفكير بالشكل والأسلوب اللذين يستخدمونهما من أجل التأثير - ليس من أجل توطيد وتعزيز الكليشيهات أو تقييد العواطف، بل من أجل دعم السلام والتفاهم المتبادل.

السكرتير العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، الصورة: أ ب
السكرتير العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان

​​يحمل الكاريكاتوري الفرنسي بلانتو هذه الفكرة منذ فترة طويلة. عندما تحدَّث معي في شهر كانون الثاني/يناير 2006 حول هذا الموضوع، لم نكن نتوقَّع أنَّه سيكون هناك بعد فترة وجيزة الكثير من الهيجان والغضب على مستوى عالمي من خلال الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد.

لكن أظهرت هذه المسألة وردود الفعل التي أثارتها الرسومات الكاريكاتورية مدى أهمية وضرورة عقد مثل هذه اللقاءات المشتركة مثل مؤتمر "كاريكاتور من أجل السلام" Cartooning for Peace الذي عقد في خريف عام 2006 في نيويورك.

رفض الرقابة الحكومية

نعم إنَّ الرسوم الكاريكاتورية يمكن أن تكون مسيئة، وهذا هو دورها أيضًا. إذا ما تمّ منع كلِّ الرسومات المزعجة فعندئذ سوف تصبح جرائدنا وصفحاتنا على الإنترنت مملَّة جدًا، وسوف نجرُّ أنفسنا إلى شكل من الرقابة الاجتماعية والسياسية. أنا لا أعتقد بأنَّ هذه المشاكل تحل من خلال فرض قواعد. كذلك لا يفترض بالعالم أن يستغيث بأي شكلّ كان بالسلطات الحكومية.

عندما نتخذ قرارًا يقضي بمنع فقط تلك الرسومات التي تسيء إساءة عميقة، فعندها سوف نحصل من الدول على تقديرات منحازة جدًا وسوف نتورَّط في آلية الرقابة. أنا مع أن يُترك القرار لرؤساء التحرير وللكاريكاتوريين أنفسهم فيما يجوز نشره. كذلك يجب عليهم أن يكونوا واعين بمسؤوليَّتهم وأن يفكِّروا على الأقل كيف يمكن أن تُفهم وتفسَّر أعمالهم من قبل جماعات وفئات مختلفة.

تجنب الصراع الكاريكاتوري

هل سيكون ذلك بمثابة "رقابة ذاتية؟" نعم، هذا صحيح إلى حدٍّ ما، لكنَّني آمل في أن تكون هذه الرقابة الذاتية صادرة من موقف يراعي ويحترم مشاعر الآخرين. وأن لا تكون مفروضة بفعل الخوف. لكن هل يتضمَّن ذلك سلوكًا "صحيحًا سياسيًا"؟

لا، فأنا لا آمل في أن يصبح هذا السلوك مملاً ومنافقًا. لكنَّني أتمنَّى على الرغم من كلّ شيء أن يعني هذا السلوك فهمًا لمشاعر الآخرين. أمَّا أن ينهال البعض على جزء من المجتمع يشعر بالخوف وبالإساءة إليه بكم من الشتائم والإهانات، فإنَّ هذا لا يستحق شيئًا من الإعجاب وبالمناسبة لا يوجد فيه كذلك أي شيء فكاهي.

إنَّني أتمنَّى أيضًا أن نستطيع تجنُّب توريط أنفسنا في نوع من "صراع كاريكاتوري"، تحاول فيه فئة ما الردّ على إهانة - أكانت إهانة حقيقة أو مجرَّد أنَّها فُهمت كذلك - وذلك من خلال نشرها لإهانة أخرى تعتقد أنَّها يمكن أن تكون الأهانة الأشدّ إساءةً بالنسبة للفئة الأخرى.

إنَّ هذا سيكون بمثابة تقليد الأخذ بالثأر. وعليه لن يكون هناك منتصر، لقد تعلَّمنا ذلك من المهاتما غاندي. إنَّ ذلك بالتأكيد ليس الوسيلة الأفضل، من أجل دفع التفاهم المتبادل والاحترام ما بين أناس ينتمون لأديان وثقافات مختلفة إلى الأمام.

مقاربة القيم

لا توجد حلول بسيطة وواضحة لهذه المشكلة. لكن توجد أحيانًا بعض الاحتكاكات إن لم تكن حتَّى بعض التناقضات ما بين قيم مختلفة تعتبر كلَّها مجتمعة متساوية في القيمة. عندما يتعلَّق الأمر بالأمن أو إعادة إحلال السلام فعدئذ كثيرًا ما تمكن ملاحظة مثل هذه الاحتكاكات ما بين الرغبة في إحلال السلام والرغبة في العدالة.

في الجدل حول الرسومات الكاريكاتورية احتكَّت حرية التعبير عن الرأي بمراعاة احترام معتقد ومشاعر الآخرين. عندما يحدث شيء مثل هذا فإنَّ الأمر لا يتعلَّق بتقديم قيم على قيم أخرى، بل إنَّ الأمر يتعلَّق أكثر من ذلك بإيجاد وسيلة وطرق بحيث يكون ثمَّة مجال للمحافظة على هذه القيم وتلك القيم الأخرى ولمقاربتها من بعضها.

بقلم كوفي عنان
عن الألمانية ترجمة رائد الباش
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007

شغل كوفي عنان من عام 1997 حتَّى عام 2007 منصب الأمين العام لمنظمة لأمم المتحدة.

قنطرة

في انتهاك المقدس؟
"نعم لنا الحق في رسم الله كاريكاتيريا" كان هذا عنوان مقالة نشرت في صحيفة "فرانس سوار" الفرنسية، وهي إحدى الصحف الأوروبية الأولى التي حذت حذو الدنماركيين فطبعت بعض الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد. ومع ذلك فان مثل هذا الحق لم يتم الحصول عليه الا قبل فترة قصيرة

ردود الفعل الكاريكاتوريّة على الرّسوم الكاريكاتوريّة
من يسيء حقّا إلى الإسلام: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي

قنبلة في عمامة
ثمة سؤال يستدعي الإجابة بعد أن نشرت إحدى الصحف الدانماركية كاريكاتورا يطال النبي محمد: هل يجوز أن تبقى حقوق من نوع حرية الصحافة والتعبير بلا قيود وأن لا تعامل بالمثل على غرار حريات أخرى التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين؟ تعليق بقلم بيتر فيليب