"الكعب العالي"، فرقة مسرحية مغربية جديدة

لم يكن الشاعر الإسباني لوركا يظن أن المسرحية التراجيدية التي كتبها عن جارته الغرناطية بيرناردا ألبا ستتحول ذات يوم إلى كوميديا على الضفة الجنوبية للمتوسط. تقرير ياسين عدنان عن عرض فرقة "الكعب العالي" المغربية في الرباط.

مشهد من المسرحية، الصورة: ياسين عدنان
"لم تكن مسرحية لوركا أكثر من ذريعة. نحن فتيات ويهمنا أن نشتغل على نص يناسب طبيعة العنصر البشري لفرقتنا. "

​​لم يكن الشاعر الإسباني فريديريكو غارسيا لوركا يظن أن المسرحية التراجيدية التي كتبها سنة 1936 عن جارته الغرناطية بيرناردا ألبا ستتحول ذات يوم إلى كوميديا ضاجة بالرقص والألوان على الضفة الجنوبية للمتوسط. تقرير ياسين عدنان عن عرض فرقة "الكعب العالي" المغربية في قاعة "با حنيني" في الرباط.

الأرملة الغريبة الأطوار التي فرضت أجواء الحداد داخل بيتها لمدة ثماني سنوات على كل من خادمتيها وبناتها الخمس في عمل لوركا سترقص الفلامينغو في نهاية مسرحية "بنات لالاّ منّانة" لفرقة "الكعب العالي" الحديثة التأسيس.

أما المتهمات بتحويل هذه التراجيديا إلى فرجة كوميدية راقصة فلسن سوى عصابة صغيرة من نجمات المسرح الشابات اللواتي أرهقتهن الحوارات الخشبية في مسرحيات ثقيلة الدم وأعياهن كيد الرجال، فقررن مواصلة سفرهن المسرحي على مركب جديد. علقن عند إحدى صواريه اللافتة التالية: "خاص بالنساء".

حوارات لذيذة

كنَّ ثمانية بنات: سامية أقريو والسعدية لاديب ورفيقة بن ميمون العائدات من مراكش حيث قضين ثلاثة مواسم داخل محترف تانسيفت إحدى ألمع الفرق المسرحية الجديدة بالمغرب وأكثرها احترافية.

نورا الصقلي التي تركت فرقة المسرح الوطني بنجومها التاريخيين وشُبّاكها المغري وجاءت تبحث لنفسها عن مساحة أكبر للتألق واختبار قدراتها داخل الفرقة الجديدة.

السعدية أزكون، نادية العلمي، ثم هند السعديدي القادمات من فرق مختلفة حيث التحقن بزميلاتهن ليشتغلن بشكل جماعي على مسرحية لوركا.

وطبعا جاءت الحوارات لذيذة بفضل كل البهارات التي تبَّلت بها المبدعة المغربية فاطمة لوكيلي مرتجلة البنات في صياغتها النهائية لها.

التعبير عن الواقع في عهد فرانكو

في "بيت برناردا ألبا" يحكي لوركا قصة حقيقية تابع فصولها عبر استراق السمع لما كان يدور ببيت جارته بيرناردا، الأرملة المتسلطة التي منعت بناتها من الخروج مباشرة بعد وفاة زوجها وفرضت عليهن أجواء الحداد لثماني سنوات.

ورغم أن كبرى بناتها كانت قد تجاوزت سن الزواج، ورغم أن حظها من الجمال كان قليلا، فإن أجمل شباب القرية وأكثرهم وسامة سيتقدم لخطبتها، ببساطة لأنها من زوج بيرناردا الأول الذي كان ثريا وترك لها أراضي شاسعة.

لكن ما إن دخل الخطيب بيت بيرناردا حتى عاث فيه فتنة وحرائق، ليجعل الصغرى، أديلا، تحبل منه. وحين اكتشفت أديلا أن خطيب أختها الكبرى وأب الجنين الذي في بطنها على علاقة بأختها الثالثة لم تحتمل الصدمة فأقدمت على الانتحار.

وبذلك تكون مسرحية لوركا قد مارست وظيفتها الطبيعية في زمن فرانكو الصعب. التعبير عن واقع الحال والاحتجاج عليه: الجيل الجديد ضائع ينتحر يوميا. والسلطة/الأم قاسية لا قلب لها. أما الجيل القديم الذي ترمز إليه الجدة فقد كان بلا دور تقريباً.

مسرحية لوركا كذريعة

في "بنات لالاّ منّانة" لم تكن هناك جدة. كانت هناك فقط الأم وبناتها الأربع وخادمة واحدة. أما الجدة فقد تمّ الاستغناء عنها.

لم تكن الجدة هي العنصر الوحيد المبتور من مسرحية لوركا. ذاك أن عمليات جراحية أخرى ستطال النص الاسباني حتى أن العديدين لم يخفوا استغرابهم لهذا"التشويه" الذي لحق "بيت برناردا ألبا".

لكن بالنسبة لرفيقة بن ميمون التي توفقت في إنجاز سينوغرافيا المسرحية وملابس الممثلات بطريقة جعلت عبور العمل من غرناطة إلى إحدى قرى الشمال المغربي سلساً وحاسماً، فإن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا السجال:

"لم تكن مسرحية لوركا أكثر من ذريعة. نحن فتيات ويهمنا أن نشتغل على نص يناسب طبيعة العنصر البشري لفرقتنا. ولقد وجدنا عمل لوركا مناسباً كأرضية درامية انطلقنا منها باتجاه طموح آخر.

طموح خلق فرجة مغربية أصيلة ومنفتحة في الوقت ذاته على تعبيرات ثقافية خارجية. يهمنا أيضا أن نقدم أعمالا ممتعة في ساحة مسرحية عزَّ فيها الإمتاع. نريد أن نتصالح مع الجمهور الواسع بمسرحيات راقية وبضحك خال من الابتذال. هذا جزء من الرهان الذي يهمنا أن نُحاسَب على مدى نجاحنا أو إخفاقنا في تحقيقه."

قضايا مغربية

في نهاية مسرحية "بنات لا لاّ منانة" لم تنتحر البنت الصغرى ولم ينبت لها جنين في بطنها، ليس فقط لكيلا يحزن الجمهور فتعود المسرحية إلى أصلها التراجيدي، ولكن أساسا لأن هذا الحدث لا يحضر في مغرب الألفية الجديدة بالكارثية التي كان عليها في إسبانيا الثلاثينات من القرن الماضي.

فقد صار لنا اليوم أطباء نساء وعمليات إجهاض، بل وعوازل وحبوب تجعل تفادي الكارثة ممكنا ومتاحاً. سامية أقريو التي لعبت دور البنت الصغرى لم تحبل ولم تنتحر، بل هربت فقط قبل أن تعود لتشارك الممثلات رقصتهن الأخيرة ثم تحيي الجمهور بحرارة خاصة باعتبارها مخرجة العمل ونجمته الأولى.

أيضاً تغيرت ثروة الشقيقة الكبرى في الطبعة المغربية لعمل لوركا. فالشباب المغاربة الذين يحلمون بالهجرة صباح مساء لا يمكن أن تحركهم ثروة تقليدية كهذه. فأغلبهم يحلمون بمغادرة هذه الأرض الطيبة أكثر مما يفكرون في امتلاكها.

لذا صارت ثروة البنت الكبرى هي جنسيتها. فالزوج الأول للأم كان إسبانيا، وبنته إسبانية بالضرورة. لذا فالزواج منها سيجعل دون جوان القرية يطوي البحر الأبيض المتوسط في جيبه ليعبر بيسر إلى ضفته الأخرى دون أن تتبلل ملابسه.

استضافة إسبانيا

طبعا انكشف أمر المحتال الوسيم وفشل في العبور إلى الأندلس التي لم يعده بها أحد. لكن بالمقابل نجح العرض في استضافة إسبانيا عبر الرقص والموسيقى. ولم يبدُ أن التعبيرات الفنية لجارتنا الشمالية قد شكّلت نشازاً في السياق الفُرجوي الشعبي الأصيل لهذا العمل.

بل على العكس أغنته وفتحت خشبته على أكثر من أفق. ويبدو أن نُشدان الهُجنة والاحتفاء بها كان اختياراً مقصوداً بالنسبة لفرقة "الكعب العالي" التي فضلت ممثلاتها الرقص في أحد المشاهد على إيقاع مقطوعة "زرياب" الموسيقية، وهي القطعة التي ألفها الموسيقي الإسباني باكو ديلوتشيا وأهداها لروح زرياب.

والطريف أن الأسبان يعتبرون موسيقى هذه القطعة مغربية فيما يصرّ المغاربة على أنها عمل إسباني خالص. وهكذا تضيع روح الأندلس الهلامية بين الضفتين، لكأننا معاً مغاربة وأسبان نتبرأ من الأندلس رغم تباكينا عليها.

الرقصات التي ضمها العرض كانت إسبانية. ولأن الفلامينغو، أو رقصة "الفلاح المنكوب" التي حملتها رياح الشام إلى إسبانيا، لم تكن غريبة عن أرواح بنات "لالا منانة" وأجسادهن، فإن مصمم الرقصات الإسباني باكو دي ألميريا سينبهر بالطريقة التي كن يرقصن بها.

"رقصات البنات في هذه المسرحية تصلح لأن تقدم كدروس لراقصات الفلامينغو المحترفات. إنهن يرقصن بخشونة. خشونة الغجر والفلاحين الضرورية لتشتعل الأرض تحت أقدام الراقصات. هذه الخشونة بالضبط هي روح الفلامنكو التي وجدتها هنا."

يقول باكو الذي بدا سعيداً لأنه عثر على الفلامينغو في هذا الهنا. لكن لوركا لم يجد من يأخذ رأيه هناك. هل كان سيحافظ ل"بيت برناردا ألبا" على نفس الكآبة والقتامة لو قدّر له أن يكتب هذه المسرحية في زمن ما بعد فرانكو؟ أم أنه سيجد في عمل فرقة "الكعب العالي" الأول أندلساً أخرى غير تلك التي حكمت عليه بالموت غدراً في أحد أزقتها الخلفية؟

بقلم ياسين عدنان
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

فرقة مسرحية ألمانية – سورية تقوم بعرض إحدى مسرحيات سعدالله ونوس
في دمشق تعرض فرقة ألمانية-سورية لأول مرة مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات" للمسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس، والتي لم تعرض من قبل لأسباب رقابية. تقرير كاترين غيسلاين

ناتان الحكيم يوجه رسالة تسامح للجمهور المصري
مسرحية "ناتان الحكيم" للكاتب الالمانى غوتهولد افرايم ليسنغ عرضت على مسرح الجمهورية فى القاهرة لاول مرة وقدمتها فرقة المسرح المتمرد وذلك في إطار المهرجان الألماني.

مسرحية سويسرية ساخرة تثير الجروح العربية
قدمت المخرجة عزة الحسيني معالجة جديدة لعمل المسرحي فريدريش دورينمات، كتبه قبل اكثر من نصف قرن. نيللي يوسف شاهدت المسرحية في غاليري معهد غوته وتحدثت مع بعض من الجمهور ومع المخرجة