الملف الزراعي

الحديث عن إنضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي لا زال حاميا، وإذا ما كانت المسائل الثقافية والدينية وقضية حقوق الانسان قد نوقشت بهذا الشكل او ذاك، فان المسألة الزراعية لم يلق عليها ما يكفي من الضوء. حسن حسين يعرض لنا بعض جوانب هذه المسألة.

تمارس تركيا ضغوطا متواصلة من اجل انضمامها الى الاتحاد الاوربي.بينما سيحسم قادة الاتحاد الاوربي الامر في قمتهم المقبلة في 17 من كانون الاول/ ديسمبر القادم. رفض الطلب التركي سيؤثر على مستقبل العلاقات التركية الاوربية بشكل كبير وسيخلق لتركيا مشاكل داخلية عديدة. اما الموافقة على الطلب فهذا يعني أن تركيا ستصبح اجلا ام عاجلا عضوا كاملا في الاتحاد. وهو امر يحمل بين طياته للجانبين الكثير من المخاطر على حد السواء.

واحدة من تلك المعضلات الاساسية التي تقف حائلا دون إنضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي تتمثل في الملف الزراعي. خبراء كثيرون يقولون إن تركيا بحاجة الى 2،3 مليار يورو سنويا لكي تتمكن من تهيئة فلاحيها للانضمام الى الاتحاد. المعارضون لانضمام تركيا الى الاتحاد يتخذون من الملف الزراعي حجة لتبرير موقفهم الرافض. كما ان هناك اصواتا رافضة للانضمام داخل تركيا نفسها والتي تعتقد أن انضمام تركيا الى الاتحاد دون تحضير متكامل سيكون بمثابة كارثة للاتحاد ولتركيا معا.

والحقيقة أن القاء نظرة سريعة على المناطق الريفية خلف انقرة يعكس حقيقة الواقع الزراعي في الاناضول. زائر الريف التركي يعتقد ان الزمن قد توقف في تلك المناطق منذ عقود. الفلاحون يحرثون الارض بآلات زراعية تجدها في متاحف الدول الاوربية فقط. كما ان الثيران لازالت تجر المحراث الثقيل وراءها. اما الحصاد فيتم باستخدام المنجل القديم، كما كان الحال في اروربا قبل قرن من الزمن.

رأي الخبراء

خبراء وباحثون اتراك قدروا القوة الانتاجية في المجال الزراعي في دول الاتحاد الاوربي بانها تتجاوز القوة الانتاجية التركية بخمس عشرة مرة على الاقل. وفي الشرق من البلاد التركية تتغير الطبيعة فجأة وينخفض مستوى التعليم ايضا. وهناك تشكل الزراعة مصدر العيش الوحيد للسكان. اما قضية انخفاض المستوى التعليمي في تلك المناطق فيتسبب في خلق مشاكل عديدة للفلاحين انفسهم. فمعلوماتهم شحيحة بخصوص الري واستخدام الاسمدة والمواد الكيماوية الزراعية اضافة الى جهلم بالوسائل السليمة لنثر البذور الملائمة لطبيعة اراضيهم.

الكثير من هؤلاء الفلاحين لايتصورن مستقبلا لاطفالهم في تلك المناطق، كما يؤكد ذلك منتج القطون التركي مهمد بيتر والذي يقول: "على أبناء الجيل الجديد ان يتعلموا في المدارس كي يتحولوا الى موظفين في المستقبل".

كما لابد من الاشارة الى ان حوالي 33% من الاتراك يقطنون الريف ويعيشون من الزراعة. الاتحاد الاوربي يطالب تركيا بتخفيض هذا الرقم الى مستوى الاتحاد وهو 6% فقط. ولغرض تحقيق هذا الامر ينبغي اقامة المصانع التي تعتمد على المنتوجات الزراعية اضافة الى توسيع قطاع الخدمات في الريف التركي.

آراء متشائمة

لكن المصانع وقطاع الخدمات تفترض مستوى تعليميا عاليا الى حد ما. وهو امر تفتقر اليه المناطق الريفية التركية عموما. ورغم ذلك يحاول شيخ موسس اكباش، رئيس رابطة الصناعيين في جنوب شرق الاناضول في ديار بكر الى جذب المستثمرين الاجانب بجيش من قوى عاملة غير متعلمة لكنها رخيصة. وهو يعتقد انه من الممكن خلق سنغافورة ثانية في تلك المناطق.

للخبراء رأي في هذا الشأن فهم يعتقدون أن الاصلاحات الجارية في تركيا ستؤدي الى خلق جيش كبير من العاطلين في المجال الزراعي. وهذا مايخشاه الاتحاد الاوروبي حيث سيتوجه هؤلاء الى دول الاتحاد الاخرى كمهاجرين يبحثون عن العمل. هذه الحقيقة تخلق قلقا بالغا في بروكسل وانقرة على السواء. ومهما يكن من أمر فالحكومة التركية تعول كثيرا على الجوانب الايجابية لموقف اوربي ايجابي بشأن ملف الانضمام الى الاتحاد.

انقرة تعتقد أن بدء مفاوضات الانضمام الى الاتحاد سيفتح الابواب امام المستثمرين الاجانب للقدوم اليها والعمل في البلاد. لكن رئيس رابطة الفلاحين الاتراك، ابراهيم يكتين، يعتقد أن المفاوضات مع بركسل ستكون حادة وصعبة. وعلى تركيا، حسب رأيه، ان تجد حلولا لمشاكلها انطلاقا من مصالحها الوطنية وواقعها المرير دون ان تغفل العالم والاتحاد الاوربي. وإلا، والحديث لايزال للمسؤول التركي، فإن انضمام تركيا الى الاتحاد سينتهي بكارثة للأوربيين والاتراك معا.

حسن حسين

© DEUTSCHE WELLE/DW-WORLD.DE 2004