تمكين المقاومة الديمقراطية في مثلث الحرب السورية المستعرة

الأوضاع في سوريا خطيرة ومعقدة. لكن ثمة دراسة ميدانية تحدد فصائل المقاومة المؤمنة بمطالب الحرية والتعددية في سوريا، وتبين ضرورة دعم الغرب لها. خاصة بعد أن ألحق شعار "توحد المعارضة في مواجهة النظام" أضرارا هائلة بصورة الثورة، وبعد استحضار الأسد لشبح التطرف كي يصف كل المعارضين بالإرهابيين، وفق الدراسة التي تعرفنا بها داغمار فولف.

الكاتبة ، الكاتب: Dagmar Wolf

الصراع في سوريا ليس ثورة إسلامية، وإنما انتفاضة للشعب، يتم تمويلها في المقام الأول من قبل مصادر إسلامية، بحسب ما يرى باحثون لدى مبادرة الإصلاح العربي ARI. هذه المبادرة عبارة عن شبكة أبحاث تضم مراكز فكر ومعاهد أبحاث في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية لتعزيز القدرات البحثية، واستخدامها لدفع الإصلاحات الديمقراطية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط نحو الأمام.

في شهر سبتمبر/ أيلول 2013 نشرت مبادرة الإصلاح العربي دراسة لها باللغة الإنكليزية بعنوان "Empowering the democratic resistance in Syria"" وتعني بالعربية "تمكين المقاومة الديمقراطية في سوريا". وتشير الدراسة إلى أن تبعية المتمردين لمصادر تمويلهم تغير ديناميكية الصراع المسلح. وأنه يتحول أكثر وأكثر إلى حرب بالوكالة. ويطالب واضعو هذه الدراسة بوجوب تدخل العالم الغربي لتحويل الدفة لصالح مخرج ديمقراطي.

الدراسة تجري بحثا للظروف والخلفيات التي شكلت المقاومة المسلحة في سوريا وتقيم مختلف جماعات المعارضة. وهنا تم تحديد اتجاهين رئيسيين: الجماعات الإسلامية وأولئك الذين يطمحون إلى الديمقراطية والتعددية. وتشير الدراسة إلى أن الجماعات الإسلامية يتم تمويلها من مصادر إسلامية مختلفة، سواء من قبل أفراد، أو أيضا من قبل حكومات خليجية. أما الجماعات المؤيدة للديمقراطية، فهي (بحسب الدراسة) لا تتلقى غالبا أي دعم وتعتمد على الخدمات اللوجستية لألوية الإسلاميين، الذين يتزايد تسلمهم لدور القيادة في الكفاح ضد النظام.

مثلث حرب مستعرة

شعار "التوحد والتماسك لمواجهة النظام" اعتبر لفترة طويلة ضروريا لنجاح المعارضة، لكن ثبت أن هذا الشعار يأتي بنتائج عكسية، وفقا للدراسة. (بل) وألحق أضرارا هائلة بصورة الثورة. ومنذ أصبحت الجماعات المتطرفة هي صاحبة اليد العليا في المزيد والمزيد من المناطق اندلع فجأة صراع داخل المعارضة بين الديمقراطيين والجهاديين.

مقاتلون ثوار في حلب. Foto: Javier Manzano/AFP/Getty Images
كل واحد ضد الآخر: استراتيجية نظام الأسد لتقسيم النسيج الاجتماعي للبلد، من خلال استحضار شبح الوهابية الأصولية السنية ووصف المعارضة مجتمعة بالإرهابيين، زادت من تحول الانتفاضة الشعبية إلى صراع طائفي، يتقاتل فيه السنة والشيعة وغيرهما من الطوائف الدينية (بحسب الدراسة).

والنتيجة على أرض الواقع هي مثلث حربي. فالأصوليون يرهبون السكان. واستراتيجية نظام الأسد لتقسيم النسيج الاجتماعي للبلد، من خلال استحضار شبح الوهابية الأصولية السنية ووصف المعارضة مجتمعة بالإرهابيين، زادت من تحول الانتفاضة الشعبية إلى صراع طائفي، يتقاتل فيه السنة والشيعة و غيرها من الطوائف الدينية، (بحسب الدراسة).

وتحذر الدراسة التي نشرتها مبادرة الإصلاح العربي من أن الدعم، حتى للجماعات الاسلامية المعتدلة، يعني العمل بشكل غير مقصود لصالح النظام. وفي المقابل ينبغي على الدول الغربية أن تقوي الجماعات التي تؤيد الديمقراطية؛ وبهذا يمكن لها إفشال استراتيجية التقسيم.

تسليط الضوء على المنظمات الديمقراطية

 واستنادا إلى دراسات ميدانية تحدد الدراسة فصائل المقاومة التي لا تزال تعلن إيمانها بالمطالب الأصلية للانتفاضة التي بدأت سلمية وهي الحرية والديمقراطية والتعددية في سوريا. ويصف معدو هذه الدراسة السياق المحلي الذي شكل جماعات المقاومة المختلفة، ويحللون ملامحها الرئيسية، وقدراتها، و نقاط القوة لديها وكذلك التوترات فيما بينها.

وتقترح الدراسة توجها لتقوية الديمقراطيين، تقوم وسائل الإعلام الدولية والعربية بناء عليه بمنحهم المزيد من الاهتمام. فمن الضروري تقوية المؤسسات المدنية كالقضاء والإدارة في سوريا. إضافة إلى ذلك، فإن الجماعات المؤيدة للديمقراطية بحاجة إلى الغذاء والإمدادات الطبية والدعم العسكري، ومن ثم يمكنهم صد الإسلامويين.

 تنتهي الدراسة بقائمة للمجموعات الديمقراطية والمستقلة داخل الجيش السوري الحر FSA، تتضمن أسماء قادتها، وتقديرات لعدد مقاتليها المسلحين والمناطق التي تنشط فيها كل مجموعة. وباعتراف المؤلفين أنفسهم تغيب عن هذه القائمة بعض الأسماء والجماعات. فبعضهم لا يمكن الكشف عنهم لأسباب أمنية، والبعض الآخر لا يزال في حاجة إلى تحديد. وينبغي أن ينظر إلى الدراسة باعتبارها "عملا مستمرا" يجب تحديثه بانتظام، بحسب واضعيها.

 

 

 داغمار فولف

ترجمة: صلاح شرارة

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: مجلة التنمية والتعاون/ قنطرة 2013