هل يفتقر العرب إلى التبصّر التاريخي؟

ما أن يُذكر موضوع النازية في علاقتها بالعالم العربي إلا وينط إلى الأذهان اسم مفتي القدس أمين الحسيني الذي سعى إلى مساندة هتلر في صراعه ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين. دراسة صادرة حديثا تبحث علاقة العرب بالإيديولوجيا القومية الاجتماعية

هتلر
هتلر

​​ما أن يُذكر موضوع النازية في علاقتها بالعالم العربي إلا وينط إلى الأذهان اسم مفتي القدس أمين الحسيني الذي سعى إلى مساندة هتلر في صراعه ضد سلطة الاستعمار البريطاني في فلسطين أو تقع الإحالة على رجل السياسة العراقي رشيد الكيلاني الذي قام بمحاولة تمرد على سلطة الانتداب البريطاني تلقى فيها دعما من قوات طيران ألمانية وإيطالية. دراسة مميزة صادرة حديثا تبحث علاقة العرب بالإيديولوجيا القومية الاجتماعية

لقد انحاز العرب إلى جانب النازييين، كما يزعم رأي يتكرر ذكره غالبا، لأنهم كانوا ضد الاستعماريين البريطانيين والفرنسيين وضد الحركة الصهيونية التي ما فتئت تزداد قوة. ويعتبر هذا الرأي أن ذلك التعاطف المشؤوم مع دولة القومية الاجتماعية ما يزال يمارس تأثيراته إلى يومنا هذا – ويرى أن العرب يفتقرون إلى رؤية تاريخية متبصّرة.

المعادلة ليست بمثل هذه البساطة، وهذا ما يمكن للمرء أن يقرأه الآن في دراسة صادرة أخيرا عن مركز الشرق الحديث ببرلين (ZMO ).

إهمال طويل

لوقت طويل ظلت النازية لا تمثل موضوعة مركزية بالنسبة للباحثين في مجال العلوم الإسلامية، فهي موضوعة لا تتلاءم مع مقتضيات الامتهان في هذا الاختصاص. في حين كان المؤرخون الذين تناولوا هذا الموضوع في أغلبيتهم لا يتقنون اللغة العربية، وبذلك ظلت الوثائق الدبلوماسية التي تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية ممتنعة عليهم. أما الشخصيات العربية التي عايشت تلك الفترة التاريخية والعاملين في الحقل السياسي فإنهم لم ينشروا مذكراتهم إلاّ عند إشرافهم على الموت.

مؤلفوا هذه الدراسة الأخيرة ينحدرون من ألمانيا وإسرائيل والمغرب وهم من المحترفين المعترف بكفاءتهم. عاد هؤلاء إلى البحث في المصادر العربية وأظهروا للوجود وقائع تاريخية منسيّة:

"أنتم تعلمون أن الأشياء دوما أكثر تعقيدا مما يظن المرء"، يقول المختص في العلوم الإسلامية فيرنر إنده، وقد جاءت النتيجة في هيئة تصحيح، ومن يريد دعاية تحريضية، فإنه لن يجد كثيرا مما سيسعده في هذا الكتاب."

سوريا والعراق ومصر

نصوص هذه الدراسة ذات قيمة نوعية ممتازة في جزء منها، ومشوقة للقراءة علاوة على ذلك. تلقي هذه المحاولات الأضواء بصفة واعية على عمل شخصيات فردية وغريبة في بعض الأحيان: فالتاريخ ليس صيرورة نكرة. يشير إسرائيل غرشوني بالاعتماد على منشورات مصرية من الثلاثينات والأربعينات إلى أنه، وإلى جانب الإعجاب بهتلر –إعجاب كان موجودا دون شك في بلاد النيل – كان هناك عدد غير قليل من الناس الذين كانوا يرفضون النظام النازي.

بالمقابل تبنى مؤسسوا أحزاب قومية في سوريا رموزا وهيكلةً حزبية فاشية، لكنهم أزاحوا المكونات العنصرية من الإديولوجية النازية. أما التطورات التي عرفها العراق والتي كانت محور بحوث بيتر فين فإنها تمنح نفسها للقارئ بكل بساطة كتراجيديا: صراع حول المستقبل بين الأجيال، وبين التقليديين والحداثيين قاد إلى الارتماء في أحضان النازيين وما زال يمارس تأثيرات كريهة إلى اليوم. ويلاحظ فيرنر إنده: " الحداثيون والمسلمون التقدميون قد وقعوا في حبائل القومية الاجتماعية، بينما كان الإخوان المسلمون يعاينون النازيين بكثير من التحفظ."

حقل ملغوم

على هذا الصعيد يعد الكتاب شيئا جديدا إلى حد ما. يشير إنده إلى مشكلة وهي: هذا الموضوع يمثل في الشرق الأوسط أيضا بؤرة مشحونة بالانفعالات ويصعب على المهتمين النفاذ إليه:

"ما تزال هناك عائلات تسعى إلى سحب ستار النسيان على واقعة أن أجزاء منها قد تعاملت مع النازيين". بحوث المستشرق غيرهارد هوب الذي توفي خلال السنة الماضية قد كان لها هي أيضا مفعول المفجّر. فقد تابع هوب في بحثه مصائر أفراد عديدين من العرب الذين تعرضوا للملاحقة والإهانات في ألمانيا النازية وتم اغتيالهم داخل المعتقلات.

"لذلك فإنه ليس من المستبعد، حسب إنده، أن يلقى هذا الكتاب ترحيبا من قِبل الطرف غير الملائم أيضا، وانتقادات من قبل الأطراف الأخرى. إن هذا الموضوع عبارة عن حقل ملغوم."
"لا تتمثل مهمة هذا الكتاب في إعادة كتابة لتاريخ الضحايا"، يقول المؤرخ رنيه فيلدأنغل. بل ينبغي أن يكون بالأحرى حافزا يدفع إلى الاهتمام بتاريخ الاستعمار وبالجوانب المنسية والمغمورة. "في هذا المضمار لم يحدث شيء ذا بال في العالم العربي".

وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة يتداول عدد كبير من الأدبيات ذات الطابع العلمي المزيف تعمد من منطلق وجهة نظر سجالية معادية لليهود إلى تمجيد النظام الهتلري. "إن القابلية التي يبديها الناس هناك لقراءة مثل هذه القاذورات لها علاقة كبيرة بالأوضاع الاجتماعية" يفترض فيلدأنغل.

والأدهى وأمرّ، كما يبدو من وثائق غوتز نوردبروخ هو أن الخطابات الفاشية العنصرية متداولة حتى داخل أوساط النخب المثقفة للبلدان العربية. لذلك فإنه سيكون مهما للغاية، حسب رأي فيلدأنغل، أن يترجم هذا الكتاب إلى العربية.

إلى جانب التوضيحات العديدة تثير قراءة هذا الكتاب أسئلة جديدة: لقد قاتل عساكر من العرب في صفوف الجيشين الفرنسي والبريطاني ووقع الكثير منهم في الأسر؛ ماذا كان مصيرهم بعد إطلاق سراحهم؟ كيف كانت علاقة التاريخ الإيراني بالنازية؟ وحول فلسطين يفتقر المرء أيضا إلى كثير من المراجع. إنه إذن كتاب يشجع على المزيد من البحث.

"عماء تاريخي؟ - معايشات عربية للنازية"
بقلم غرهارد هوب ورينه فيلدأنغل وبيتر فين
صادر عن مركز الشرق الحديث

بقلم لينرنرت ليمان، قنطرة 2004
ترجمة علي مصباح

إقرؤوا هنا مقال غوتز نوردبروخ
عن مصير الجنود الأفارقة في صفوف الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية