الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في ذكرى تأسيسها الى أين؟

ثلاثون عاماً مرت على اعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بيد أن شعب هذه اللادولة ما زال يتطلع للاستقلال السلمي ويتوقع الحرب. سعيد تاجي فاروقي شارك باحتفالات الذكرى السنوية المشحونة بالغضب.

الصحراء وعلم الصحراويين، الصورة: مايكة شولس، دويتشه فيلله

​​

نحن موجودون في تفاريتي، مجموعة من الأبنية في أقصى غرب الصحراء الغربية التي تبعد مئات الكيلومترات عن أقرب مدينة. من المفترض ان نحتفل هنا بالذكرى السنوية لاعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الذي دعت اليه جبهة البوليساريو مئات الصحافيين الأجانب وعمال الاغاثة والفنانين للمشاركة بهذه المناسبة. الا ان الجو العام لا يوحي بالفرح والاحتفال.

ثلاثة عقود مرت على اعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وما زالت تعتبر لادولة من نواح عدة. انتهت حرب العصابات مع المغرب بوقف لاطلاق النار عام 1991، إلا ان الجهود الدبلوماسية لتحديد الوضع النهائي توقفت. احرزت المغرب تقدماً طفيفاً باتجاه الاستفتاء العام الذي طلبته الأمم المتحدة، إلا أن الاحباط الآن واضح اجمالاً.

محمد علي من جنود قوات البوليساريو المسلحة. قال بحذر شديد إن المعركة لم تكن ضد الشعب المغربي، بل ضد الحكومة المغربية. وشدد على انه اهون عليه ان يموت من ان يعيش تحت حكم مغربي.

"دولة" من خيام اللاجئين

هذا الرأي قد يُسمع أيضاً في كواليس الاحتفالات وبين سطور خطابات التضامن حول التاريخ االحاسم، 27 شباط/فبراير. الشعب الصحراوي يتملكه الرعب عندما يرى جهود المجتمع الدولي تتلاشى ويشعر ان الوقت يمر.

دولته عبارة عن كيان غريب، فمن الشرق تحدها الجزائر وموريتانيا بينما يمتد في الغرب سور رملي ضخم على طول 2500 كلم شيده المغرب خلال الحرب. تم الاعتراف بهذه الدولة من قبل سبعين دولة الى جانب الاتحاد الافريقي برغم عدم اعتراف الأمم المتحدة بها.

لها رئيس منتخب ورئيس وزراء وممثلون محليون ولكن شرعيتهم تنحصر فقط في الاطار الذي يسمح به مجلس الأمن. أما على أرض الواقع فهذه الدولة تعتبر أكثر قليلا من مجرد مجموعة مخيمات لاجئين، تعتمد على مساعدات الاغذية من الامم المتحدة ورحمة المناخ الصحراوي القاسي.

قلق وترقب

عبر الرئيس محمد عبد العزيز في خطابه بمناسبة الاحتفالات السنوية عن الوضع النفسي السائد في المخيمات مشيراً الى أنه "اصبح واضحاً بعد خمسة عشر عاماً من مساعي السلام ان المغرب يرفض الالتزام بتعهداته.وهذا هو السبب الرئيس لوصول عملية التسوية الى طريق مسدود، نريد ان نحذر من تعقيد الوضع وخطورته".

ليس هناك أدنى شك أن المغرب كان دائم المماطلة في قضية الاستفتاء العام، ولكن هناك أمور أخرى ذات صلة أكثر من مجرد توتر بين البوليساريو والمغرب.

يؤكد نهج البوليسارو السياسي - الموسوم من قبل السلطات المغربية بالارهاب – التزامه بالأساليب الدبلوماسية. وقد أوضح الرئيس في خطابه ان "خيار الشعب الصحراوي في اتباع النهج السلمي ينبع من طبيعة هذا الشعب السلمية وقناعاته السياسية التي تشكل ركيزة دولته".

ذهب ممثلو البوليساريو الى حد الاقتناع بفكرة ان المستوطنين المغاربة قد يصوتون في استفتاء عام حول الاستقلال. وأضاف محمد لمان، "نحن على ثقة ان المستوطنين المغاربة يؤيدون اقامة دولة صحراوية. إذ بإمكانهم التمييز بين دولة ديمقراطية وأخرى ديكتاتورية".

مصالح اقتصادية

وهناك أيضاً مشكلة البترول في مناطق بحرية يدعي المغرب ملكيته لها بينما تعتبرها الأمم المتحدة منطقة حكم غير ذاتي. منحت المغرب في الماضي عدة شركات أوروبية وأميركية رخصاً للبحث عن البترول ولكن هذه الشركات انصاعت للضغط الدولي ما عدا واحدة.

شركة "كير ماكجي" ومقرها أوكلاهوما سيتي وشركاؤها شركة "بيونير" و"كوسموس" يستشهدون في دفاعهم باستنتاجات الأمين العام المساعد للشؤون القضائية، هانس كوريل، بأن "العقود ليست غير قانونية بحد ذاتها". ويقول كوريل ان اي عملية بحث او استغلال "سيكون انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي".

انه هذا الخيط الرفيع الذي تخطو عليه شركة "كير ماكجي" رغم تزايد الضغط من قبل مجموعة من المحامين الصحراويين. وقد ذكر متحدث باسم الشركة انهم مستمرون بتقييم المعلومات ولا يستطيعون التفكير في مشاريع مستقبلية.

ما زالت شركة البترول والغاز المغربية الحكومية تسمح بالبحث عن البترول فيما يسميه المغاربة اراضيهم الجنوبية قائلين ان ممثلي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية "ليس لهم سلطة شرعية طالما ان الحل السياسي لا يزال معلقاً".

بالمقابل ومن وجهة نظر البوليساريو فان البحث والتنقيب على حد سواء يعتبران انتهاكاً للقانون الدولي، وقد منحوا رخصاً خاصة بهم تعتمد شرعيتها على تسوية الصراع السياسي.

أما فيما يتعلق بمسألة التنقيب الفعلي برخص مغربية فإن البوليساريو تحذر من العواقب التي قد تنجم من جراء ذلك. يقول محمد لمان "اننا لسنا ارهابيين ولكننا نفضل ان ننبههم إلى أننا لا نستطيع ضمان أمنهم".

أمل في الضغط الدولي

لمحت البوليساريو مؤخراً برغبتها في استئناف الخصومة اذا لم يتم التوصل الى حل دبلوماسي قريباً. من الواضح ان الحكومة والشعب مستعدان لهذا، ولكن ليس جلياً ان كانت الجزائر سوف تسمح بالعودة الى أعمال العنف. والسؤال هو ان كانت البوليساريو قادرة على تكبد عواقب حرب شاملة.

انتقلت مطالبها تدريجياً من المغرب الى الأمم المتحدة ومؤخراً الى شبكة دولية من نشطاء المنظمات غير الحكومية. "تصلب المغرب المتجدد يبقى لسوء الحظ بدون أية عقوبات من المجتمع الدولي". ولا تكل البوليساريو من دفع قضية الاستقلال الى الصدارة آملة ان تكسر الضغوطات الدولية الجمود السائد.

في عام 2004 تلقت دعماً غير متوقع عندما خرجت الولايات المتحدة عن صمتها خلال اعدادها اتفاقية تجارة حرة مع المغرب. أقر ممثل التجارة الأميركي، زوليك، في الاتفاقية ان "الولايات المتحدة وغيرها من الدول لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وكانت تحث الأطراف المتنازعة دوماً على التعاون مع الأمم المتحدة لتسوية الخلاف بطرق سلمية. وتم استثناء الصحراء العربية من هذه الاتفاقية".

حتى اذا استمرت البوليساريو بالالتزام بالدبلوماسية الباردة ومبادئ خطة "بيكر"، فليس هناك ما يضمن تأييد الشعب الصحراوي لذلك. ثمة تخوف من ظهور جناح متطرف في البوليساريو نفسها يتحدى الجهود الدبلوماسية، وهذا يكفي لجر المنطقة الى الحرب من جديد.

"يشعر الشباب الصحراوي بالاحباط، فقد طفح الكيل. من سنة 1991، منذ وقف اطلاق النار الذي نحترمه حتى اليوم ونحن نتعاون مع الأمم المتحدة يوماً بعد يوم بعد يوم، ماذا ننتظر اذن؟"

بقلم سعيد تاجي فاروقي
ترجمة منال عبد الحفيظ-شريده
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
صدر المقال في موقع أوبن ديموكراسي

www

opendemocracy