حكم القانون ضمانة ازدهار الربيع العربي

يشرح ناصر الصرامي، مدير الإعلام بقناة العربية الإخبارية في دبي، في تعليقه التالي لماذا يشكل إرساء قواعد حكم القانون أهم هدف لدول ما بعد الربيع العربي وكيف يمكننا ضمان معايير الحكم الرشيد وتداول مستمر للسلطة بعد إجراء انتخابات ديمقراطية.

في الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال، تبث شاشة قناة "العربية" في مكتبي صوراً لمصريين شجعان يقفون بالدور في مواجهة الترهيب والشك من أجل انتخاب برلمان جديد. مشهد ما كنت لأتصوره قبل أقل من سنة واحدة، إلا أنها صورة متناسق كذلك مع الانتخابات المبهرةو التي لم يسبق لها مثيل في تونس ، اضافة الى الآمال التي أصبحت واقعية بخطوات ديمقراطية مستقبلية في ليبيا وربما في سوريا واليمن.

إلا أنني في الوقت ذاته قلق بسبب المخاوف المنتشرة التي تأتي تزامنا مع هذه التجارب الديمقراطية الجديرة بالثناء. يتساءل المتابعون في كل مكان ما إذا كان حكام مصر العسكريون سوف ينكرون على البرلمان الجديد السلطة التي يستحقها، وما إذا كان حكام تونس المنتخبون حديثاً من حركة إسلامية سياسية، سوف يسعون بعد أن فازوا بحقهم في الحكم، لحرمان الآخرين حق التنافس معهم في مجال مفتوح من الأفكار والآراء.

ورغم أن الناشطين السياسيين على اتساع المنطقة يملكون بأشكال مختلفة التصورات الصحيحة حول هذه القضايا، حيث يرغبون في رؤية هذه التجارب الديمقراطية حقيقية ومستدامة، إلا أن قلة تمكّنوا حتى الآن من صياغة برنامج أو استراتيجية متماسكة يمكن من خلالها الوصول إلى هذه الأهداف.

حكم القانون

الصورة ا ب
هل تشكل الاعتصامات والمظاهرات ضغاطا للتسريع بالانتقال الديمقراطي أم عرقلة لذلك؟

​​

في هذه الأثناء، يتراجع مشهد آخر كان قد جذب اهتمام المنطقة قبل أسابيع فقط، وكان مادة للحوار العام، أعني بذلك محاكمة نخب النظم السابقة، من حسني مبارك وعائلته في مصر إلى حُماة النظام السابق في تونس. هناك رأي عام في المنطقة يتفق على أنه من العدل والحق تحميل النخب الفاسدة مسؤولية سوء استخدامهم للسلطة، ولكن في الوقت نفسه يجب النظر باهتمام الى إعطائهم حق محكمة عادلة ، حتى وإن كنا نعلم أنهم لم يكونوا ليعطوا مواطنيهم محاكمات مشابهه.

وهو مشهد يأتي في سياق بالغ الأهمية يتعلق بالتجربة اجمالاً، وصولاً الى التجربة الانتخابية الجديدة في المنطقة، وتجاربها مع العدالة وحكم القانون، بما يعنيه مفهوم المساواة أمام القانون، وإرساء قواعد القانون والنظام، وتطبيقٍ فاعل وكفء ومتوقَّع للعدالة وحماية لحقوق الإنسان. وتعبير "حكم القانون" هنا يتجه مباشرة إلى نظام يتم من خلاله مساءلة جميع مواطني الدولة وبشكل متساوٍ أمام قوانين عادلة مكتوبة يشرف عليها الشعب أو ممثلوهم المصوت لهم.

هذه الأمور لها علاقة وثيقة بقضية ملحّة وآنية: كيف يمكننا ضمان الحوكمة الجيدة وتداول مستمر للسلطة بعد إجراء الانتخابات؟ في البداية، قد تبدو الانتخابات الحرة تعبيراً أكيداً على الديمقراطية، ولكنها قد تكون رمزاً ليس إلا، ما لم يتم تطبيق حكم القانون لترسيخ وضمان الأسلوب الديمقراطي. وعلى المدى البعيد، يشكّل حكم القانون الإطار المثالي لثقافة ملتزمة بالتسامح ومنفتحة على وجهات النظر المتنوعة. وهو يستطيع منع "البلطجة السياسية" التي تستخدم الإرهاب عند مواجهة المنافسين، بل والأكثر حرجاً في منطقتنا إساءة استخدام الدين كأداة سياسية لقمع حرية التعبير والاختيار.

مبدأ الحكم الرشيد

الصورة د ب ا
المجلس العسكري والإسلاميون ـ من يستفيد من الأخر؟

​​

والحقيقة أنه وأثناء عملية التصويت نفسها، ليس هناك ما يمكن أن يضمن للأحزاب السياسية المختلفة من الإشراف بشكل مشترك على عملية انتخاب عادلة وتاكيد فرز شفاف لعملية التصويت، كما إتاحة الفرصة لمراقبين دوليين لتتبع آليات الانتخاب، سوى مبادئ حكم القانون. وهي مبادئ هدفها الأسمى هو منع الهيمنة غير العادلة على آليات التصويت أو التلاعب بالنتائج. إضافة إلى أنها تستطيع أن تلعب - لاحقاً - دوراً أساسياً بعد إعلان نتائج الانتخاب من حيث تمكين أحزاب المعارضة من لعب دور في انتقاد الحزب الحاكم بشكل علني متى ما أساءوا إدارة شؤون البلاد.

المقلق أن نظرة للحالة الاجتماعية الثقافية العربية، تؤكد أن حكم القانون يبقى ضعيفاً في الواقع حتى الآن. إلا أننا في العالم العربي نملك أكثر من أي وقت مضى فرصة ذهبية للبدء بإعادة تشكيل مستقبلنا، من خلال تقييم المرشحين والأحزاب الحاكمة الجديدة بناءً على التزامهم بهذه المبادئ بل والتبنى لها. والأهم أن ذلك يقفز بنا إلى تكوين أسلوب لمنع الفائزين من إساءة استخدام سلطاتهم الجديدة وإنشاء دكتاتوريات جديدة، وبالتالي وضع حواجز أمام انتخابات حرة مستقبلية، أو التأثير على نتائجها أو المساس بها. ودون السعي لإيجاد وتحقيق حكم القانون سنجد أنفسنا نقوم وبشكل آلي بالعودة إلى نقطة البداية واحتكارات جديدة للسلطة وليس الاحتفال بازدهار ربيعنا العربي.

 

ناصر الصرامي

حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011

ناصر الصرامي هو مدير الإعلام بقناة العربية الإخبارية في دبي