حجر عثرة في طريق السلام

يعتبر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي منذ بدايته أكثر من مجرَّد نزاع إقليمي عادي، إذ يلعب الدين فيه لدى الإسرائيليين وكذلك لدى الفلسطينيين دورًا كبيرًا. كما أنَّ المتعصِّبين المتديِّنين على كلا الجانبين يعرقلون المفاوضات الدائرة من أجل التوصّل أخيرًا إلى حلّ سلمي لهذا النزاع، مثلما يرى كيرستن كنيبّ في التقرير التالي.

الحرم الشريف، الصورة د ب أ
يلعب الدين في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي دورًا كبيرًا - ويشكِّل ذلك مشكلة عندما يتم ربطه مع السياسة.

​​ "الآن نحن نستولي على أرض آبائنا وأجدادنا. وبعد آلاف السنين تسنى لنا أن نشاهد كيف تتحوَّل وعود التوراة والعهد القديم إلى حقيقة. ولهذا السبب يجب الاستمرار في بناء المستوطنات. إن إيقاف بناء المستوطنات يناقض وصايا الدين". هكذا أو بصيغة مشابهة ترد تعليقات الكثير من المستوطنين اليهود الذين يعد معظمهم من المتزمِّتين في الأراضي المحتلة، والتي تمكن قراءتها على سبيل المثال في تقارير تنشر في صحيفة جيروزاليم بوست.

والكثير من اليهود المتزمِّتين ينظرون قبل كلِّ شيء إلى إسرائيل والإسرائيليين بمفهوم ديني، وهم يأخذون آراءهم ووجهات نظرهم من الكتاب المقدَّس. وفيما يتعلَّق بالمصالح الخاصة لا يمكن الاعتراض بأي شيء على مثل هذا الموقف الذي يشكِّل مشكلة عندما يتم من خلاله أيضًا تعليل مطالبهم السياسية المعاصرة.

مواقف مطلقة

ومثل هذا الرأي يجعل حسب المؤرِّخة التي تدرِّس في نيويورك، رقيفة زلشيك Rakefet Zalashik مفاوضات السلام صعبة للغاية. وعندما يتم ربط السياسة بالدين، يصبح لهما تأثير أقوى، مثلما توضِّح زلشيك؛ وفيما بعد يكون ميلهما قليل نحو التسويات والحلول السياسية والدبلوماسية. وبالتالي يتمحور الصراع فجأة حول مواقف مطلقة لا تسمح بالتوصّل إلى أي حلول وسط. وهذا يجعل الأوضاع صعبة جدًا بالنسبة للمفاوضات.

ولكن أيضًا من جانب الفلسطينيين تظهر مواقف متزمِّتة لدى المتديِّنين. فحركة حماس التي تحكم قطاع غزة تربط المطالب السياسية مع المطالب الدينية؛ إذ لم يعد من الممكن تقريبًا التمييز بوضوح بين السياسة والدين.

حنان عشراوي، الصورة أ ب
حنان عشراوي: إنَّ جوهر النزاع يكمن في السياسة؛ ويجب أن يتم الفصل بوضوح ما بين الحجج الدينية والسياسية.

​​ وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ حركة حماس - حسب قول وزيرة التعليم السابقة في السلطة الوطنية الفلسطينية، حنان عشراوي، تقود قوة تنفيذية دينية متشدِّدة. وصحيح أنَّ حركة حماس تستمد شرعيتها من خلال الانتخابات، حسب قول عشراوي التي ترأس الآن "المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية - مفتاح"؛ ولكن رغم ذلك يتم تجاهل أنَّ الشعب الفلسطيني لا يستحسن الرقابة والتحكّم بالأفكار والتعسّف وحظر الكتب. وكذلك إنَّ معظم الفلسطينيين يعارضون - حسب قولها - إغلاق مقاهي الإنترنت لأسباب دينية. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ حركة حماس ترعب المواطنين وتمنع الناس من عقد اجتماعات والقيام بمظاهرات. وهكذا ينشأ بسهولة، مثلما تقول، انطباع إلى الخارج يفيد بأنَّ سكَّان قطاع غزة لديهم جميعًا آراء مصبوغة بصبغة دينية.

خيبات أمل

ولكن في الحقيقة هناك بعض الأمور التي تشير إلى أنَّ التشدّد الديني يعبِّر أيضًا عن خيبات أمل محدَّدة؛ إذ إنَّ الآمال التي عقدها الطرفان على عملية السلام التي بدأت قبل خمسة عشر عامًا واتفاقات أوسلو قد انتهت إلى خيبة أمل. وكذلك ليس هناك دلائل كثيرة تشير إلى أنَّه من الممكن الآن التوصل إلى فهم عميق.

وخيبة الأمل هذه تفسِّر - مثلما توضح رقيفة زلشيك - لماذا توجد في هذا النزاع تركيبة دينية قوية. وعلى الرغم من أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يتفاوض مع الأمريكيين على أساس ديني، وعلى الرغم من أنَّه يهتم بالسياسة؛ ولكن حتى لو أنَّه كان يعتبر بعض هذه الحجج الدينية صحيحة، فهو يهتم أساسًا بشيء آخر - وتحديدًا بكون الكثيرين من الإسرائيليين لم يعودوا يثقون بعملية السلام.

ومنذ أن باءت اتفاقية أوسلو بالفشل ومنذ أن استولت حماس على السلطة في قطاع غزة وأصبح موقف محمود عباس أضعف مما كان عليه، لم يعد الكثيرون من الإسرائيليين يتوقَّعون التوصّل إلى تسوية سلمية. وحتى الذين لم تكن لديهم وجهات نظر يمينية متشدِّدة، أصبحوا يبدون مصابين بخيبة أمل من عملية السلام؛ وهم ينظرون كذلك إلى احتمال التوصّل في المستقبل إلى حلّ الدولتين ببعض الشكّ. وكذلك لقد تغيَّر الوضع كثيرًا بالمقارنة مع فترة التسعينيات - إبَّان البدء بعملية السلام، حسب قول رقيفة زلشيك.

آراء دينية هدَّامة

فلسطينيون غاضبون يلقون بأحذيتهم على صورة للرئيس محمود عباس، الصورة أ ب
أصبح موقف محمود عباس أضعف مما كان عليه - وفي هذه الصورة يقوم بعض الفلسطينيين برمي ملصقات للرئيس الفلسطيني بأحذيتهم.

​​ وإذن ما هي فرص نجاح المفاوضات التي بدأت الآن من جديد؟ تقول حنان عشراوي من الممكن أن تزيد فرص نجاح هذه المفاوضات إذا تم الفصل بوضوح ما بين الحجج الدينية والسياسية؛ وذلك لأنَّ جوهر النزاع يكمن في السياسة - وعمليات خلطه مع المطالب الدينية لم تكن جيدة قطّ. ومن يحاول وصف هذا النزاع بأنَّه ديني، يعيق بذلك عملية حله. فالدين يؤثِّر دائمًا بشكل هدَّام عندما يتم استغلاله لأهداف سياسية.

وتقول عشراوي إنَّ هذا ينطبق على جميع الأديان؛ على الرابطة المسيحية في الولايات المتَّحدة الأمريكية، وعلى الحركات الأصولية في العالم العربي الإسلامي وكذلك أيضًا على المستوطنين المتطرِّفين الذين يعلِّلون مواقفهم السياسية بالتوارة وأسفار العهد القديم.

وبقدر ما تبدو مواقف الإسرائيليين والفلسطينيين متناقضة، يعتبر المعتدلون على الجانبين متفقين على ضرورة تحديد النزاع ضمن القضايا السياسية والقانونية. فالحجج الدينية ليس لها أي مكان في جميع المفاوضات. وإذا تمكَّن ممثِّلو طرفي النزاع من الاتِّفاق على ذلك وإذا استطاعوا الحيلولة دون إدخال الدين في مفاوضاتهم، فعندئذ من الممكن أن يصبح الأمل في التوصّل آخيرًا إلى تسوية سلمية أكبر على الأقل مما هو عليه الآن.

كيرستن كنيبّ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله/قنطرة 2009

يعمل كيرستن كنيبّ صحفيًا لصالح إذاعة دوتشلاندفونك والتلفزيون الألماني الغربي WDR وصحيفة نويه تسورشر تسايتونغ، ويركِّز في كتاباته على العلاقات الثقافية الدولية.

قنطرة
كتاب عن حركة "حماس" لجوزيف كرواتورو:
الكفاح الإسلامي حول فلسطين

صدر الآن في ألمانيا كتاب جديد بعنوان "الكفاح الإسلامي حول فلسطين" للكاتب والصحفي جوزيف كرواتورو. إنه كتاب زاخر بالمعلومات والمتعة ويقدم فهما أفضل لحركة "حماس". يورغن إندريس قرأ الكتاب وراجعه نقديا.

المواجهة العسكرية في قطاع غزة
طريق السلام يمر عبر القدس

يرى الخبير المعروف في الشؤون الشرق أوسطية البروفيسور فولكر بيرتيس أن المواجهة العسكرية في قطاع غزة تؤكد مرة أخرى أنه لا يمكن إضعاف حركة حماس وتقليل نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة تملك مقومات الحياة.

سياسة الاستيطان الإسرائيلية:
"المشاريع الاستيطانية خدمة مجانية لمصالح المتطرفين"

أثار إعلان إسرائيل الأخير عزمها المضي قدمًا في بناء المستوطنات في الضفة الغربية انتقادات دولية. وتشكّل هذه السياسة التي تنتهجها إسرائيل سببًا مهمًا لتجميد مفاوضات السلام المتعثِّرة في الوقت الراهن - حسب رأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط والصحفي فولك هارد فيندفور في حوار مع خولة صالح.