"زواج المتعة" بين المال والسلطة- شراكة أم شركة؟

شهد العالم العربي خلال الأعوام القليلة الماضية تنامياً ملحوظاً لوجود رجال الأعمال كفاعلين رئيسيين في المساحات الوسيطة الفاصلة بين المؤسسات الرسمية والمواطنين. الباحث المصري بمؤسسة كارنيغي للسلام في واشنطن عمرو حمزاوي يلقي الضوء على أبعاد هذا التطور وتأثيره على عملية التحول الديمقراطي.

صورة رمزية
أضحى الوجود القوي لأصحاب الأعمال كنواب داخل البرلمانات والمجالس المحلية ظاهرة لافتة في عدد من الدول العربية. فما الحدود الفاصلة بين حدود السياسة والمال؟

​​ خلال الأعوام القليلة الماضية تمثلت أحد أوجه التجديد الرئيسية في الحياة السياسية العربية، على سكونها العام، بتنامي أدوار رجال الأعمال وتصاعد نفوذ الكيانات التنظيمية المعبرة عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.

فمن جهة أولى، أضحى الوجود القوي لأصحاب الأعمال كنواب داخل البرلمانات والمجالس المحلية ظاهرة لافتة في دول كالمغرب ومصر ولبنان والأردن واليمن والكويت والبحرين، تتسم جميعها بدرجة من التعددية السياسية وبانتظام الممارسة الانتخابية على المستويين الوطني والمحلي. على سبيل المثال تزايد عدد رجال الأعمال المنتخبين في مجلس الشعب المصري (يحوي 454 مقعداً منتخباً و10 مقاعد يعين شاغلوها من قبل رئيس الجمهورية) من 37 في طور الانعقاد 1995 - 2000 إلى 77 في 2000 - 2005 واستقر عند 68 في طور الانعقاد الحالي 2005 - 2010. بينما يصل عدد نظرائهم في البرلمان اليمني اليوم (إجمالي عدد مقاعده هو 301) إلى 55 يضاف إليهم بعض نواب القبائل النافذين تقليدياً في الحياة السياسية اليمنية ومالكي الشركات والمصالح التجارية الكبرى.

جمال مبارك
استطاع جمال مبارك أن يقرب حوله عددا من كبار رجال الأعمال المصريين. فهل عالم المال يملي الأجندات السياسية؟

​​ وتواكب مع ذلك تصاعد متسارع الوتيرة لأصحاب الأعمال داخل الأطر القيادية للأحزاب الحاكمة ومن ثم لنخب الحكم في الدولتين (الحزب الوطني الديموقراطي في مصر والمؤتمر الشعبي العام في اليمن)، وهو الأمر الذي تشترك به معهما تونس باتحادها الدستوري الحاكم ويتحول إلى تصعيد سياسي أكثر عمومية يتخطى الحدود الفاصلة بين الحكم والمعارضة كما في المغرب ولبنان والأردن والكويت والبحرين، ويعطي نخب الأعمال مساحة تمثيلية متميزة للتأثير في العملية التشريعية وما يتصل بها.

من جهة ثانية، ومع اتباع معظم الدول العربية سياسات التحرير الاقتصادي والخصخصة وانقلابها على نمط الاقتصاديات المركزية المدارة من قبل المؤسسات الرسمية وتفضيلها التدريجي للقطاع الخاص كقاطرة للنمو، بدأت الكيانات التنظيمية لأصحاب الأعمال تضطلع بأدوار مهمة في صناعة القرار التنفيذي العام المتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية وفي هندسة البيئة القانونية الناظمة لنشاط القطاع الخاص.

تحالف نخبوي سياسي- اقتصادي

هذه الكيانات التنظيمية، على تفاوت مسمياتها من اتحادات عامة لرجال الأعمال في المغرب وتونس وغرف للتجارة والصناعة ومجالس استثمارية في مصر والأردن والكويت وغيرها، ارتقت إلى مصاف الشراكة المؤطرة مؤسسياً مع نخب الحكم والممارسة بصورة دورية بغية تحديد تفضيلات الدولة تجاه قضايا متنوعة تطال إما سوق العمل كهيكل الأجور وسياسات الضمان الاجتماعي والمعاشات وإعانات البطالة، أو ترتبط بالقوانين الضابطة لشروط تحويل ملكيات القطاع العام إلى الخاص وتحرير التجارة والاستثمار والمنافسة والأحمال الضريبية والحماية ضد الاحتكار وتفريعاتها. وأسهم في هذا الإطار النزوع الذي يظهر من جانب نخب الحكم نحو توزير أصحاب الأعمال ووضعهم في مواقع تنفيذية ذات علاقة مباشرة بنواحي نشاط القطاع الخاص ومصالحه في توثيق شراكة الطرفين.

الانتخابات المصرية، الصورة: ا.ب
استطاع عدد من رجال الأعمال في مصر النفوذ إلى داخل أروقة الحكم بمباركة رسمية كما يرى عدد من المراقبين

​​ من جهة ثالثة، شهد العالم العربي خلال الأعوام القليلة الماضية تنامياً ملحوظاً لوجود رجال الأعمال كفاعلين رئيسيين في المساحات الوسيطة الفاصلة بين المؤسسات الرسمية والمواطنين، وهو ما ساهم تدريجيا وجزئيا الى تحريرها من قبضة الدولة السلطوية، وتحديدا في الفضاء الإعلامي ومنظمات المجتمع المدني. اليوم لم تعد ملكية أصحاب الأعمال الفردية والجماعية للصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية قاصرة على لبنان والاستثمارات الإعلامية لرؤوس الأموال الخليجية في بعض الدول العربية وخارجها كما كانت الحال حتى نهاية عقد التسعينيات، بل أضحت ظاهرة إقليمية بحق وأخذت أشكالا مختلفة تراوحت بين استحواذ نخب الأعمال على ملكية مؤسسات صحافية وإعلامية قائمة بالفعل وبين تأسيس الجديد منها وتسييرها للمنافسة في فضاء إعلامي لم يعد بالإمكان خنق تعدديته.

وبالإضافة إلى الدفع نحو تعميق هذه التعددية وتوسيع سياقات ممارستها، لا شك أن الوجود الإعلامي اللافت قد تم توظيفه من جانب نخب الأعمال العربية للتأثير في مجريات ومضامين النقاش العام حول القضايا المهمة لهم وكذلك لصناعة صورة نمطية أقل سلبية عن دورهم في الحياة العامة في مجتمعات ما لبثت الاكثرية فيها تنظر الى رجال الأعمال كمجرد طفيليين يتغذون على دمائها أو مشاريع مستقبلية للصوص تحميهم نخب الحكم ومن ثم تنظر اليهم بريبة شديدة. وانطبق الأمر ذاته على تداعيات مشاركة نخب الأعمال في تكوين وإدارة جمعيات خيرية ومنظمات مدنية تعنى بالشأن الاجتماعي والإنساني على المستويين الوطني والمحلي ولعبت وما زالت تلعب أدوارا متفاوتة في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة ومواجهة الفقر والبطالة وغيرها.

خارطة بالعالم العربي
نفوذ رجال الأعمال يطرح تساؤلا حول إمكانية التحول الديمقراطي في العالم العربي

​​ نحن إذاً أمام واقع جديد استحالت معه نخب الأعمال والكيانات التنظيمية المعبرة عن مصالحها والمؤسسات الإعلامية والمدنية المدارة من قبلها إلى مجموعات ممثلة تشريعيا وتنفيذيا على مستويات عدة ومؤثرة في صياغة السياسات العامة، بخاصة تلك المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية. وبالعودة إلى تجارب التحول الديموقراطي خارج العالم العربي التي ارتبط العديد منها بتنامي الوزن السياسي لرجال الأعمال وانتزاعهم شراكة عامة مع نخب الحكم في إدارة المجتمع والسياسة ودفعهم نحو اعتبار حكم القانون وتداول السلطة والمحاسبة الدورية والشفافية مبادئ حاكمة لممارسة دور الدولة وتحديد تفضيلاتها، يصبح التساؤل المركزي هنا هو إلى أي حد يرفع حضور نخب الأعمال في السياسة العربية من إمكانية إنجاز تحولات ديموقراطية حقيقية تعيد صياغة علاقة الدولة بالمجتمع والمواطنين على نحو يعجل في إنهاء اللحظة السلطوية الراهنة؟

تبلور بيئة أكثر قابلية للتحول الديموقراطي

قناعتي هي أن حضور نخب الأعمال العربية وتنامي وزنها السياسي سيرتبان حتما تبلور بيئة مجتمعية وسياسية أكثر قابلية للتحول الديموقراطي عنها حال غيابهما. هذا مع أن حضور هذه النخب وتنامي وزنها لا يزالان وثيقي الارتباط بالتحالف مع نخب الحكم، فضلاً عن حقيقة الاعتماد العضوي لنخب الأعمال في معظم الدول العربية على هذا التحالف لحماية مصالحها الاقتصادية والاجتماعية ودفاعها المستميت عن نخب الحكم في مواجهة حركات المعارضة (دينية وغير دينية) الراغبة في منازعة سلطتها ديموقراطياً من خلال صناديق الانتخابات وابتعاد أصحاب الأعمال العرب عن صياغة خطاب علني ذي مفردات ديموقراطية.

والخيط الناظم هنا هو المنافسة داخل دوائر نخب الأعمال وبينها وبين المجموعات الأخرى المؤثرة في نخب الحكم وتمايز مصالحها وصراعاتها المستمرة على الموارد المحدودة وأدوات الدولة لتخصيصها على نحو سيؤدي ولا ريب إلى البحث عن ترتيبات سياسية مغايرة تضمن مساحات أوسع من حكم القانون والشفافية ولا تضطلع بها نخب الحكم بمفردها ومن دون إطار قانوني يؤسس لمسؤوليتها في لعب الحكم الأخير في صناعة القرار العام.

عمرو حمزاوي
حقوق الطبع:صحيفة الحياة 2009

عمرو حمزاوي أكاديمي وباحث مصري بمؤسسة كارنيغي للسلام في واشنطن

قنطرة

برهان غليون:
"الديمقراطية العربية المنتظرة لم تولد بعد"
المفكر برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس، يتحدث لقنطرة عن الإصلاحات السياسية، والتطورات الديمقراطية في العالم العربي،ومستقبل الإصلاحات والديمقراطية في سوريا.

الاستبداد السياسي في العالم العربي:
لعنة الدكتاتورية وشبح الديمقراطية
على الرغم من بعض المحاولات الضعيفة لإحداث إصلاحات سياسية في بعض الدول العربية وبعد هذه الدول عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وحقيقة أن القادة العرب في معظمهم من الطاعنين في السن، إلا أنهم استطاعوا أن يبقوا على حكمهم على مدار عقود طويلة. ولكن كيف نجح هؤلاء في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية وما مسوغاتهم لرفض الإصلاح والديمقراطية؟ نور الدين جبنون في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.

العالم العربي: الحركات الاحتجاجية الجديدة وإعادة اكتشاف السياسة
المستقبل مرهون بحدوث انفراجات ديمقراطية حقيقية!
حركات معارضة جديدة مثل كفاية المصرية وكفى الفلسطينية وارحلوا اليمنية وغيرها شديدة الشبه بالحالة الأوروبية الاحتجاجية في أخريات القرن الماضي، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين أنماط نظم الحكم ومستويات النمو المجتمعي. تحليل عمرو حمزاوي

رابط خارجي