الأفغان بعد قهر طالبان انتخابياً...حنين للتوافق والاستقرار

ينظر المواطنون في أفغانستان بحنين إلى حامد كرزاي قبيل انتهاء ولايته الرئاسية. ويخشون في الوقت نفسه من المستقبل المجهول الذي من الممكن أن يكون في انتظارهم مع الرئيس الجديد. عمران فيروز يسلط الضوء لموقع قنطرة على الوضع في أفغانستان قبيل انتهاء ولاية كرزاي.

الكاتبة ، الكاتب: Emran Feroz

في الأشهر والأسابيع الأخيرة ذهب المواطنون الأفغان مرتين إلى صناديق الاقتراع، على الرغم من تهديدات حركة طالبان العديدة. ولكن ما سيحدث لهم الآن، لا يزال في ظهر الغيب. فبعدما تم الإعلان عن نتائج الانتخابات الأولية في شهر حزيران/ يونيو الماضي 2014، بات الوضع مهدَّدًا بالتصعيد. وبعد الاقتراع الأول، تم إجراء جولة ثانية لإعادة الانتخابات، وذلك بسبب عدم تمكّن أي مرشَّح من تحقيق الأغلبية المطلقة.

من جانبه لا يريد مرشَّح الائتلاف الوطني، عبد الله عبد الله القبول بنتائج الانتخابات بعد أن بات ترتيبه الآن وبكلّ وضوح خلف منافسه المستقل، أشرف غاني أحمد زاي، وذلك بعد إجراء جولة الإعادة. وحتى في الأسابيع السابقة لهذا الإعلان، كان هذان المرشَّحان الرئاسيان يتبادلان الكثير من الاتّهامات. وفي هذه الأثناء كان العديد من المواطنين الأفغان ينظرون بحنين إلى الماضي. وكانت أنظارهم موجَّهة قبل كلّ شيء إلى رجل مُعيَّن: أي إلى الرئيس الأفغاني المنتهية ولايته، حامد كرزاي.

وفي هذا السياق يقول سليم الذي يعمل سائق سيارة أجرة: "لقد كان هذا الشارع لفترة طويلة مُكسَّرًا. والآن أصبحت قيادة السيارة فيه جيدة جدًا مثل الشوارع في أوروبا". وفي أثناء سيره يحب الإكثار من الشتائم، بالإضافة إلى أنَّه يسير بصورة همجية - وقيادته همجية للغاية حتى بالنسبة للأوضاع الأفغانية، وكأنَّنا نجلس تقريبًا داخل السفينة الدوارة في مدينة ألعاب. ثم يدوس فجأة على الفرامل، بعدما لفت انتباهه المشاة في الشارع إلى أنَّه يقود سيارته بجنون.

وهذا الشارع الذي تحدَّث عنه سليم هو الطريق الواصل من كابول إلى باغمان. في الحقيقة هو شارع معبّد لا توجد فيه أية عيوب. يضيف سليم مؤكدًا: "لقد مضى بنا كرزاي نحو النهضة والتقدّم، وأنا ألاحظ ذلك كلّ يوم". ولذلك فهو لا يفهم كثيرًا لماذا يشكو بعض المواطنين الأفغان من رئيسهم. وهو متأكد من أنَّ: "الأشخاص الذين يشتمون كرزاي، سوف يندمون قريبًا على ذلك".

"كرزاي - باني أفغانستان الحديثة"

Studentinnen an der Universität von Herat; Foto: DW/Hoshang Hashemi
Obwohl der Staat in der Ära Karzai vor allem im Bereich Frauen- und Menschenrechte versagt hat, wünscht sich ein Teil der Afghanen Präsident Karzai zurück.

بقدر ما يمكن لهذه الفكرة أن تبدو فكرة سخيفة، تبدو أنَّها في الوقت الراهن هي الفكرة الأكثر انتشارًا في أفغانستان. وهذه الفكرة هي السائدة بين أبناء الشعب البسطاء الذين لا يعرفون ماذا سيحل بهم الآن من بعد كرزاي.

ولهذا السبب يفضّل الأفغان لفت الانتباه وعلى نحو متزايد إلى "إنجازات" حكومة كرزاي. تختلف آراء المواطنين الأفغان بحسب المهن التي يزاولونها. ففي حين أنَّ سليم سائق سيارة الأجرة يجد الشارع الجديد أمرًا رائعًا، يُشيد في المقابل عبد الله الذي يملك مقهى إنترنت يقع في الحي الدبلوماسي المعروف باسم "وزير أكبر خان" في داخل العاصمة كابول بخدمة الإنترنت من الجيل الثالث في أفغانستان. ويقول رجل الأعمال الشاب هذا بنشوة وسرور: "يمكن للجميع هنا ومن دون أية مشكلات استخدام موقع تويتر أو مراجعة رسائلهم على الفيسبوك وبالهاتف المحمول. وعلاوة على ذلك توجد لدينا أيضًا خدمة الواي فاي. وقبل بضعة أعوام لم يكن من الممكن تصوّر ذلك".

يقول عبد الله: "يوجد هنا أشخاص يعبّرون من خلال الفيسبوك عن غضبهم من كرزاي، في حين أنَّ بإمكانهم الجلوس في منازلهم أمام جهاز الكمبيوتر المحمول والبقاء متصلين باستمرار على الإنترنت. وهذه مفارقة وتناقض، فمن دون كرزاي لم تكن ستتوفّر لديهم بكلّ تأكيد أية إمكانية للاتصال بشبكة الإنترنت".

المجد المتأخر

هكذا وقبل فترة قصيرة من تنحيه صار حامد كرزاي يحصل على مجد وشهرة. وصار يُنظر إليه على أنَّه مجدّد. وكذلك صارت قدراته السياسية تجد فجأة قدرًا من الاهتمام. وفي الواقع يعود سبب ذلك أيضًا إلى الرجال الذين سيرثونه في رئاسة البلاد.

ففي حين أنَّ كرزاي كان يظهر دائمًا خلال فترة ولايته الممتدة اثني عشر عامًا كرئيس يتقبّل الانتقادات، أثبت قبل مدة غير بعيدة مرشّحا الرئاسة المتبقيان أنَّهما لا يتمتّعان بهذه الصفات بالذات. إذ لم يكن من النادر شتم هذين المرشَّحين للصحفيين أو تكميم أفواههم بسبب أسئلتهم الناقدة، بالإضافة إلى أنَّهما لا يتمتعان بأية مهارات خطابية.

وعلاوة على ذلك فإنَّ حامد كرزاي كان ينجح مرارًا وتكرارًا في جعل جميع أطراف النزاع - سواءً كانوا من مقاتلي طالبان السابقين أو من الشيوعيين أو من أمراء الحرب في تحالف الشمال - يجلسون حول طاولة المفاوضات.

والآن بات ذلك مهدَّدًا بالانكسار. ولهذا السبب يفضّل الكثيرون من الأفغان - وخاصة في المدن الكبيرة مثل العاصمة كابول - بقاء الوضع الراهن المستقر على ما هو عليه، بدلاً من النظر إلى مستقبل مجهول. ولكن كثيرًا ما يتم هنا تجاهل الأخطاء التي ارتكبتها حكومة كرزاي. فمنذ تولي هذا الرجل ذو القبعة الصوفية مقاليد السلطة، ازداد قبل كلّ شيء الفساد وزراعة الأفيون في البلاد.

الخوف من مرحلة ما بعد كرزاي

US-Außenminister John Kerry vermittelt zwischen den beiden afghanischen Präsidentschaftskandidaten Abdullah und Ahmadzai; Foto: AFP/Getty Images
US-Außenminister John Kerry reiste eigens nach Kabul ein, um die beiden zerstrittenen Präsidentschaftskandidaten miteinender zu versöhnen.

ومنذ فترة طويلة لم يعد يخفى على أحد أنَّ الأشخاص المقرَّبين جدًا من كرزاي - وخاصة إخوته - كانوا وما زالوا متورِّطين إلى حدّ عميق في تجارة المخدرات. وفي عهد حامد كرزاي الذي كثيرًا ما كان في الماضي موضع سخرية بسبب سلطته المحدودة باعتباره مجرّد "رئيس لبلدية كابول"، فشلت الحكومة الأفغانية وكذلك معظم مؤسَّساتها - وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وحقوق الإنسان.

ولكن ألم يكن الفساد سيدخل أيضًا مع مرشَّح آخر إلى القصر الرئاسي؟ وفي هذا الصدد يقول بائع الفاكهة زمان: "إنَّ الجميع هنا فاسدون على أية حال. وفي نهاية المطاف يبقى السؤال الحاسم هو إن كان ثمة شيء سيتغيَّر بالنسبة للناس البسطاء. هنا في كابول لدينا على الأقل قدر معيَّن من السلام والأمان. والجميع خائفون من أنَّ هذا الوضع لن يكون كذلك من بعد كرزاي".

وهذا الخوف المنتشر لدى الكثيرين لا يأتي من العدم. ولكنه ليس خوفًا من المتطرِّفين مثل حركة طالبان، بل من تلك الأطراف التي ستحل محل كرزاي.

أبطال مشكوك في بطولتهم

انتظر المواطنون في كابول وهم في أعلى حالات التوتّر النتيجة النهائية لجولة الإعادة التي تم إجراؤها في منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي 2014. وفي الأيَّام والأسابيع الماضية انتشرت بصورة متواصلة ومتزايدة اتهامات تزوير الانتخابات. وبعد أن تم الإعلان رسميًا عن فوز أشرف غاني أحمد زاي، بدأت الاضطرابات الأولى في البلاد.

وفي حين أنَّ المرشَّح عبد الله عبد الله قد رفض الاعتراف بهذه نتيجة، قام بعض من أنصاره بأعمال شغب في الشوارع والأماكن العامة وأطلقوا لغضبهم العنان. وبما أنَّ كلاً من أحمد زاي وعبد الله عبد الله قد حشدا من حولهما أمراء حرب دمويين، فهناك خطر يهدّد بأنَّ الميليشيات المتعادية ستدخل فجأة في اشتباكات ومعارك - وحتى في وسط كابول.

وفي هذه الأثناء "تصالح" هذان المرشَّحان - بعد أن سافر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري شخصيًا من أجل تسوية هذا النزاع. ولكن من غير المعروف إلى متى سيبقى الوضع على هذا النحو. إذ إنَّ المستفيد من هذا الوضع في المقام الأوّل هي حركة طالبان. وبما أنَّ هذه الحركة ترفض كلا المرشَّحين، فعلى الأرجح أنَّها تتمنى أن يستمران في محاربة بعضهما البعض.

ولكن مع ذلك لا تغلب في هذا الوقت على شوارع كابول الملصقات الانتخابية المغطاة بالغبار فقط، بل تغلب عليها أيضًا وجوه أخرى من الزمن الماضي. حيث يحظى في المقام الأوّل كلّ من رئيس أفغانستان السابق محمد نجيب الله أحمد زاي وكذلك زعيم تحالف الشمال السابق أحمد شاه مسعود بشعبية في داخل العاصمة كابول.

لقد تم اغتيالهما كما أنَّ فئات الشعب المختلفة لا تزال تشيد بهما حتى يومنا هذا. وعلاوة على ذلك فقد بات يتم نسيان أخطائهما وجرائمهما. وفي المقابل صار المرء يشعر في كابول بأنَّ وجهيهما حاضران في كلّ مكان، خاصة على السيارات وجدران المنازل.

سيظهر في الأشهر القادمة، إنْ كان هناك رجل ثالث لديه ما يؤهله من أجل ضمّه إلى هذه الجوقة من الأبطال المشكوك في بطولتهم. وفي مدينة قندهار بالذات، أي في مسقط رأس حامد كرزاي، لم يعد يوجد الآن أي ركن لا يرى فيه المرء صورًا لهذا الرجل بقبعته الصوفية ونظرته النبيلة.

 

عمران فيروز

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014