الهيب هوب في الأراضي الفلسطينية.... نافذة غنائية برؤية اجتماعية

في مبادرة شبابية فنية أنشأ شبان فلسطينيون فرقة فنية لأغاني الهيب هوب والراب، حملت اسم "استريت مافيا" لكون الانطلاقة من الشارع والرسالة موجهة إلى الشارع أيضا. هذه الفرقة التي حملت رسالة الفن المعاصر الممزوج بالأمل والحب والسلام واجهت انتقادات وعقبات كبيرة من قبل المجتمع المحلي الفلسطيني. مهند حامد التقى فرقة "استريت مافيا" في مدينة نابلس وأعد هذا التقرير.



سبعة شبان فلسطينيون من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية شكلوا فرقة " استريت مافيا" لأغاني "الهيب هوب والراب". هؤلاء الشباب جمعهم الحرمان المجتمعي، كما جمعتهم الموهبة. يرقصون ويؤدون عروضا بهلوانية ويلبسون الأزياء التنكرية والأقنعة المرعبة التي تعكس التناقضات الاجتماعية والاقتصادية وصعوبة الأوضاع في مدينة نابلس، كما يقول أعضاء الفرقة .

حسن دويكات 21عاما من مدينة نابلس منسق الفرقة، أنهى دراسته الثانوية وتعلم مهنة الحلاقة، إلا أن موهبته في الرقص غير التقليدي، والقائم على تحريك أجزاء جسده بطريقة يخيل للمشاهد أنه "رجل آلي" يقول: "انطلاقنا كان في عام 2008م، وجاءت نتيجة الصداقة التي جمعت أفراد الفرقة، ومع مرور الوقت اكتشفت أن لكل فرد من أفراد الفرقة موهبة يستطيع من خلالها أن يكون شيئاً مميزا في حياته. اقترحت عليهم تشكيل فرقة فنية، نستطيع من خلالها إيصال رسالة الشارع والشعب الفلسطيني السلمية، وتفريغ الكبد والمعاناة التي نمر بها. فبدأت الفكره بشيء جديد ومميز من خلال الغناء وأداء العروض الفنية، ولرسم الابتسامة على وجوه الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة ". ويضيف دويكات، "كانت التسمية عفوية لـفرقة "ستريت مافيا"، كون معظم تدريباتنا كانت في الشارع، إذ لا يوجد لنا مكان خاص لتدريب الفرقة، ومن الشارع انطلاقنا بالمشاركة في العروض الفنية المحلية إلى مسارح الدولية.

الفن الجديد بين الانتقاد والترحيب

الصورة مهند حامد
الفرقة لجأت إلى الغرابة والطرافة للتعبير عن رسالتهم الفنية

​​ويواجه الفن الجديد انتقادا من قبل الكثيرين لإدخاله مفهوما جديدا للفن الفلسطيني الذي اعتاد على الدبكات الفلكلورية الشعبية والشبابة الفلسطينية التي استبدلوها بالموسيقى الغربية الصاخبة والرقص المعاصر الذي أصبح ينافس الفلكلور الفلسطيني من حيث اتساع انتشاره وإقبال الشبان الفلسطينيين من كلا الجنسين عليه. غير أن القائمين على الفرقة يؤكدون أن هذا الفن هو امتداد للثقافة الغنائية العالمية للشارع الفلسطيني وهو يضفي التنوع والحداثة على الفن الفلسطيني، ويتمتع بجمهور شبابي كبير وهذا ما نلاحظه من خلال حجم الجمهور الذي يحضر عروضنا في المدن الفلسطينية المختلفة.

ويضيف دويكات تعرضت الفرقة لانتقادات واسعة في مدينة نابلس لإدخالها مفهوما ثقافيا وفنا جديد غير معروف للكثيرين في بداية عروضهم الفنية، إلا أن تمردهم وانتقادهم لأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تناولتها كلمات أغانيهم السريعة التي لامست هموم الشارع أثارت حماسة الجمهور، واستطاعوا من خلالها اكتساب ثقة المجتمع المحلي خصوصا الجمهور الشبابي".
"الفرقة ساهمت في فتح نافذة جديدة لنقد سلبيات المجتمع وتبديد صورة النمطية وأتاحت لهم التعبير عن هموم المجتمع وتطلعاته ورغبتهم في التحرر والانفتاح الثقافي والاجتماعي وإيصال صوت الشارع بطريقة حضرية فنية تعكس مدى رغبتنا في الحياة والفرح" كما يشير دويكات.


وتشهد الأراضي الفلسطينية حضورا كبير لحفلات "الهيب هوب" والرقص المعاصر في مشهد يعكس مدى انفتاح الثقافة الفلسطينية مؤخرا، حيث تستقبل مسارح مدن الضفة الغربية العديد من الفرق الراقصة ومغني" الهيب هوب والراب" من فرق أمريكية وأوروبية ، حيث استضاف مؤخرا مسرح وسينما القصبة في مدينة رام الله فرقة (Rennie Harris Puremovement) الأمريكية، التي قدمت عرضا فنيا راقصا على خشبة مسرح القصبة، بدعم ورعاية القنصلية الأميركية في مدينة القدس ضمن برنامج يستمر لمدة خمسة أيام، يتضمن مخيما مكثفا لمدة ثلاثة أيام للهيب هوب، بتعاون مع 60 راقصا فلسطينيا بإدارة مؤسسة الفنون المحلية 'دار الفنون'، عبر برنامج التبادل الثقافي الأميركي . وعبر القنصل الإعلامي والثقافي في القنصلية الأميركية فرانك فنفر عن "أن فن الهيب هوب يعتبر فنا ممزوجا أميركيا إفريقيا لاتينيا، ومن المثير أنه فن مشهور جدا في فلسطين" . وأضاف أن الفن يعتبر أفضل الطرق لإيصال الثقافة لجميع العالم.

رسالة المحبة ورغبة الفلسطينيين بالحياة

الصورة مهند حامد
اتخذت الفرقة من القناع وسيلة في إشارة منها إلى رفض المجتمع لهذا الفن ورفض الفرقة أيضا للكثير من التناقضات الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية

​​ويبيّن دويكات، أن فرقة "ستريت مافيا" فكرت بتقديم حفلات وعروض في داخل إسرائيل وخصوصا في المناطق التي يتواجد بها عرب 48، على الرغم من معارضة الكثيرين لنا، بينما الفرقة مصممة على رأيها في عمل هذه العروض، من أجل التوضيح للإسرائيليين أننا شعب حضاري، يحب الحياة ونكره الموت والقتل. وأضاف منسق الفرقة أنه كان لديها عرض فني في مدينة تل أبيب قبل عدة أسابيع، إلا أن الحفل قد ألغي نتيجة التصعيد العسكري الذي شهده قطاع غزة مؤخرا.


ويضيف معتز الهندي، الشاب في العشرين من العمر أحد أعضاء الفرقة، والذي يبرع في تقديم عروض الرقص البهلواني، أن الفرقة تحاول ترجمة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدائرة على الساحة الفلسطينية، ففي أحد العروض بيّنا حالة البطالة والفقر والظلم التي يعيشها شعبنا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.وكانت الفرقة قد بدأت عروضها من شوارع مدينة نابلس، كما نقلت تجربتها للمسارح الأوروبية، حيث قدمت عروضها في العديد من الدول الأوروبية منها ألمانيا، والسويد، وهناك عرض سيتم تنظيمه في الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى تلقيها دعوات للمشاركة في عروض في دول عربية منها مصر والأردن.

صعوبات مادية

الصورة مهند حامد

​​ويواجه الفن الجديد مشاكل مالية قد تنهي آمال هؤلاء الشبان في الرقص والغناء، حيث "لم تحتضن أي من المؤسسات أفراد الفرقة، ولم تتلق أي دعم سواء معنوي أو مادي، بل على العكس جوبهت بانتقادات واسعة في بداية عملها بحجة أن هذا الفن ثقافة دخيلة على مجتمعنا الفلسطيني"، كما يوضح دويكات. ويؤكد أعضاء الفرقة أنهم يمولون فرقتهم بجهودهم الذاتية، حيث تصل تكلفة الملابس التي يحتاجها كل عرض إلى أكثر من 400$، كما يتدربون حاليا في منازلهم، ويقومون بتسجيل الأغاني على "اللاب توب" على "مايك" صغير، مؤكدين حاجتهم الماسة إلى استديو تسجيل خاص لتقديم عروض وأغان أفضل لإيصال رسالتهم الفنية الممزوجة بالحب والأمل والسلام.

 

مهند حامد- نابلس

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012