الربيع العربي في الميزان......حذارِ من تسونامي الغضب!

يطالب المدير العام السابق لقناة الجزيرة وضّاح خَنفَر في هذه المقالة الغرب باحترام إرادة الشعوب العربية ودعم الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي، محذرا من أن إجهاض الربيع العربي من شأنه أن يولد تسونامي من الغضب الذي لن يبقي ولن يذر.

الكاتبة ، الكاتب: Wadah Khanfar



كانت الأحداث التي شهدتها مصر وتونس في العام الماضي سبباً في إسدال الستار على نظام قديم متداع، ونقل قسم كبير من العالم العربي إلى عصر جديد طال انتظاره. ولكن الهيئة التي قد يبدو عليها هذا العصر الجديد تظل إلى حد كبير مسألة مفتوحة، نظراً للتحديات العديدة التي لا تزال بلدان المنطقة تواجهها. إن النظام القديم الذي بدأ يتلاشى يمتد إلى ما هو أبعد من الأنظمة السابقة. والواقع أن النظام القيمي في المنطقة بالكامل ــ الثقافة السياسية التي صاغها الاستبداد ــ يشهد الآن تحولاً كبيرا. فقد تخلص الرجال والنساء العرب من عار الذل والدونية الذي فرضه عليهم الاستبداد ــ والذي عزز من مشاعر اليأس والغضب، والعنف، والعزلة.
ورغم بُعد هذا التحول عن الاكتمال ــ فقد يدوم لأعوام في واقع الأمر ـــ فإن ثماره بدأت تؤتي أُكُلها.

ولو لم تحدث انتفاضات 2011، لكنا الآن نشهد عاماً آخر من الاستبداد، فضلاً عن المزيد من الأحاديث عن الخلافة الأسرية. وكان هذا ليعني المزيد من إذلال الناس العاديين، الذين يتحملون وطأة الفساد المتزايد، مع استمرار المسؤولين الحكوميين وأقرانهم من الرأسماليين في استنزاف الأموال العامة. وكانت وسائل الإعلام العربية لتستمر في كيل المديح على نحو لا يتفق على الإطلاق مع مبدأ النزاهة لرؤساء المنطقة وعائلاتهم، في حين كانت برامج التنمية لتظل نهباً لهم. وكان التعليم ليظل على ركوده، وكانت المجتمعات العربية المقسمة عبر خطوط طائفية وقَبَلية وإقليمية لتشهد مستويات مرتفعة من الانتقام والعنف.

الصورة د ب ا
"رأينا وسائل الإعلام العربية تعمل على تعزيز الحوار الناضج حول الديمقراطية والدستورية ودور الإسلام في الدولة الحديثة، بدلاً من نشر التضليل والأكاذيب والدعاية الفجة"

​​

وكانت "قوارب الموت" المشينة التي جازف المئات من شباب شمال أفريقيا على متونها بحياتهم في كل عام بحثاً عن عمل أو حياة أفضل في الخارج لتستمر في تسليم الناجين من هذه الرحلة إلى شواطئ أوروبا غير المرحبة. وكان الغضب العربي ليبلغ مستويات غير مسبوقة قد تؤدي إلى الفوضى والدمار التام. لقد أنقذ الشباب العربي العالم العربي من هذا المصير. فقد أعادوا إلى الناس بإرادتهم القوية واستقامتهم الثقة في الذات. فأظهر معارضو الأنظمة القديمة الشجاعة من دون تهور، والاختلاف في الرأي من غير تعصب.


توحد الجبهات


الواقع أننا رأينا الإسلاميين والليبراليين واليساريين يقفون معاً في تحد. ورأينا المسلمين والأقباط يحمون بعضهم بعضاً في القاهرة. وفي اليمن، رأينا رجال القبائل المحلية يتبعون امرأة، توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في الكفاح من أجل الحرية. ورأينا وسائل الإعلام العربية تعمل على تعزيز الحوار الناضج حول الديمقراطية والدستورية ودور الإسلام في الدولة الحديثة، بدلاً من نشر التضليل والأكاذيب والدعاية الفجة. ولكن لا ينبغي للتغيير أن يتوقف عند هذا الحد. بل يتعين على القوى السياسية الجديدة والقديمة أن تقيم حواراً يهدف إلى خلق الإجماع على قواعد المشاركة السياسية. ومع تحول الناس إلى سادة لمصائرهم فإن هؤلاء الذين يفشلون في الانخراط في هذه العملية سوف يجدون أنفسهم في نهاية المطاف محرومين من أي سلطة سياسية. وينبغي للبلدان الأخرى في المنطقة، وخارجها، أن تحتضن الربيع العربي. ويتعين على البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، أن تتخلى عن ترددها في دعم حكومات ما بعد الثورة. إن التغيرات الطارئة على العالم العربي سوف تسهم في نهاية المطاف في ازدهار المنطقة بالكامل اقتصادياً واستقرارها سياسيا.


اليوم، تعاني تونس ومصر من أزمات اقتصادية حادة. فقبل ثورة تونس على سبيل المثال، كان عدد العاطلين عن العمل بين مواطنيها في سن العمل (3,6 مليون نسمة) نحو 500 ألف شخص، ثم ارتفع العدد إلى 700 ألف منذ ذلك الحين. أما مصر فقد خسرت ما يقرب من 9 مليار دولار أميركي بسبب هروب رؤوس الأموال في الأشهر الأخيرة. ولكن وفقاً لرئيس وزراء مصر كمال الجنزوري، لم تتلق مصر سوى مليار دولار فقط من أصل 10,5 مليار وعد بها "الإخوة" العرب في هيئة مساعدات وقروض. فضلاً عن ذلك، لم تتلق تونس ومصر حتى الآن أي جزء من مبلغ الـ35 مليار دولار التي وعدت بها دول مجموعة الثماني. ونظراً للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، فمن غير المحتمل أن تكون هذه الأموال آتية في المستقبل القريب.

مشروع مارشال عربي

توكل كرماني الصورة د ب ا

​​إن الديمقراطيات الناشئة في المنطقة في حاجة ماسة إلى مبادرة عربية أشبه بخطة مارشال ــ برنامج لاجتذاب الاستثمارات على نطاق واسع في مجالات البنية الأساسية والصناعة والزراعة (وفي الثروات التي تتمتع بها المنطقة من المهارات التقنية غير المستغلة)، وبالتالي دعم فرص العمل. وينبغي لهذا المبادرة أن تشجع أيضاً حرية انتقال السلع والبشر داخل المنطقة، من خلال إلغاء القيود الجمركية والإجراءات المعقدة التي تعرقل التجارة الثنائية والمتعددة الأطراف. ولا شك أن إنشاء بنوك التنمية الإقليمية وتمديد خطوط السكك الحديدية بطول ساحل البحر الأبيض المتوسط من الإسكندرية إلى الرباط من شأنه أن يخدم هذا الهدف.
ولكن الاستثمارات الطويلة الأجل لن تحل الأزمة الحالية. بل إن مصر وتونس في احتياج إلى ودائع نقدية ومنح مباشرة، ولا يجوز بأي حال إرغام القيادات المنتخبة حديثاً في البلدين على اللجوء إلى الاستجداء.

 

في الماضي كانت دول الخليج تدعم مصر وتونس. ومما يصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي الآن أن تبادر إلى دعمهما مرة أخرى بينما تتمان عملية الانتقال إلى الحرية. وفي الوقت نفسه، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يدركا طبيعة وعمق التغيرات الجارية. إن الجماهير العربية على وعي تام بالتحالفات الوثيقة التي كانت قائمة بين الغرب والأنظمة الاستبدادية التي أصبحت في حكم الميت الآن، ولكنها رغم ذلك لم تظهر أي رغبة في الثأر أو الانتقام من الغرب.


لقد آن الأوان لكي يتقبل الغرب إرادة الشعوب العربية ويكف عن المبالغة في تصوير العواقب المترتبة على التغيير. ويتعين على الغرب أن يدعم الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي. فإذا أُجهِض الربيع العربي، فإن النتيجة لن تكون أنظمة دكتاتورية موالية للغرب، بل تسونامي من الغضب الذي لن يبقي ولن يذر. فلا شيء أشد خطورة من الأحلام المجهضة، وخاصة إذا كانت هذه الأحلام ربما تُعَد الفرصة الأخيرة للتغيير.

 

وضّاح خَنفَر
ترجمة: أمين علي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2012

وضّاح خَنفَر المدير العام السابق لقناة الجزيرة، ويشغل حالياً منصب رئيس منتدى الشرق، وهو منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز الإصلاح في مختلف أنحاء العالم العربي.