مرآة جنون السلطة وعين غياب العدالة

بالتوازي مع مهرجان برلين السينمائي شهدت ألمانيا العرض الأول لفيلم يوسف شاهين الجديد "هي فوضى؟" الذي يبدأ عرضه الجماهيري نهاية مارس/ آذار. في هذا الفيلم يقدم أستاذ السينما المصرية الكبير كوميديا اجتماعية تنتقد الفساد وتعسف الشرطة. آريانا ميرزه في رصد وتحليل لفيلم "فوضى" شاهين.

​​في عام 1997 كرم مهرجان "كان" الدولي يوسف شاهين عن مجمل أعماله، ولكن الأستاذ الكبير ما زال بعد مرور عشر سنوات مخرجاً نشيطاً. وفي نهاية مارس/آذار سيُعرض فيلمه الجديد في قاعات السينما الألمانية. بسبب مشاكل صحية أخرج شاهين هذا الفيلم بالاشتراك مع تلميذه خالد يوسف. ورغم أن المخرج الشاب ترك بصماته الأسلوبية على الفيلم، فإن شاهين يؤكد في أحد أحاديثه الصحفية أن خالد يوسف "كان يلتقط المشاهد كما كنت أريدها تماماً."

هل سيجذب "هي فوضى" الجمهور في أوروبا؟ لا بد من التريث قليلاً حتى نجيب عن هذا السؤال. "هي فوضى" يبدو للوهلة الأولى فيلماً مسلياً كوميدياً في بعض أجزائه، فيلماً يصلح للعائلة كلها. بعد متاهات عديدة تتلاقى طرق وكيل نيابة مستقيم مع عروسه والمعلمة الذكية. غير أن امرأة فاسدة أخلاقياً تنافس العروس، وتقف مع رجل شرطة شرير طوال 90 دقيقة في طريق سعادة العاشقين. كل هذه الأحداث تُقدم في إطار مرح وسلس.

وكما هو الحال في معظم أفلام يوسف شاهين فإن النساء القويات هن اللاتي يمسكن بزمام الأمور، ويصلن بها إلى النهاية السعيدة. غير أن هذه القصة التقليدية تبدو على السطح فقط عادية وغير نقدية.

اختراق شجاع للمحرمات

يوسف شاهين مخرج شجاع وإنسان يحب وطنه دون أن يغض البصر عن الجوانب السلبية في المجتمع المصري. في فيلم "هي فوضى" ينتقد المخرج القمع الذي تمارسه الشرطة في كل مكان بسبب الفساد وعدم تطبيق القانون. في فيلم شاهين نشاهد المتظاهرين المسالمين يُحبسون ويُعذبون في قبو أقسام الشرطة، وأمين شرطة يرهب حياً سكنياً بأكملة، أما رؤساؤه فيتفرجون دون أن يفعلوا شيئاً.

المخرج يوسف شاهين،الصورة:  www.cohas-der-film.de
المخرج يوسف شاهين، أحد أعمدة الإخراج السينمائي في العالم العربي

​​ولكن، ليس هذا هو الموضوع الوحيد الذي يتعرض إليه "هي فوضى". الفيلم يسلط الضوء أيضا على النظام التعليمي المتدهور. "عندما لا تستطيع مدرسة لغة إنجليزية التحدث بإنجليزية صحيحة، كيف ستعلم تلاميذها إذن؟"، يقول المفتش التعليمي العجوز في أحد مشاهد الفيلم. هذا المفتش، إلى جانب مديرة المدرسة القوية والمعلمة الشابة، وأخيراً وكيل النيابة العادل، يمثلون في فيلم شاهين الجانب "الخيّر" من مصر.

شاهين يتعاطف دوماً مع المواطنين الشرفاء في مصر، لاسيما النساء القويات من كل الطبقات، وكذلك المثقفين الملتزمين. كل هؤلاء يدافعون بشجاعة في "هي فوضى" عن الحق في التعليم والحرية الشخصية. إنهم يقومون بدورهم كقدوة ومثال في المجتمع، ويرفضون التعسف ويطالبون بدولة القانون. ولكن الفيلم يبين بوضوح أن أبطاله يقفون في طريق مسدود. إن مستقبل مصر – كما نراه في "هي فوضى" – مهدد من جانبين. شاهين لا ينتقد الإهمال والفساد واستغلال السلطة من قبل المصالح الحكومية وحسب، بل يهاجم بعنف الطبقة العليا المنحلة في بلاده.

بين الإسلاموية وإشباع الرغبات الدنيوية

​​الطبقة الثرية في العاصمة المصرية، الغربية التوجه، هي التي تخذل الشعب في "هي فوضى". فبدلاً من أن تعمل على نيل الحرية وتحقيق التقدم، نجد أن هذه الطبقة البوهيمية في المدن الكبرى لا هم لها سوى الإفراط في الملذات واللهاث وراء أحد صيحات الموضة الغربية.

لفترة ما ينقاد بطل شاهين، وكيل النيابة الشاب، وراء إغواء "الحياة الجميلة" الخالية من المعنى، وهو الإغواء المنتشر بين أبناء طبقته. ولكنه يدرك مسؤوليته الاجتماعية ويختار طريقه في الحياة. دون تدين كاذب أو تخلف، ولكن أيضاً بعيداً عن السعي الغربي لإشباع الملذات والرغبات.

بالمقارنة فإن الفيلم يعالج بهدوء قضية اشتداد عود الأصولية الإسلامية التي لا تلعب دوراً مركزياً في "هي فوضى"، فشاهين لا يرى في الدين الخطر المهدد لمستقبل مصر. الخطر يكمن في انعدام المساواة بين أغلبية الشعب، وهي المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم. إذا انسقنا وراء منطق يوسف شاهين فإن الظلم هو الذي يوفر التربة الخصبة لكل شكل من أشكال العنف، ومنها الأصولية الدينية.

آريانا ميرزه
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2008
قنطرة

المخرج المصري يوسف شاهين في مقابلة ملتهبة:
"أن تظل في مصر يعني أن تصبح فاسدا!"
بلغ الفنان الشهير والمشاكس الأول في السينما العربية، المخرج يوسف شاهين عامه الثمانين. موريتس بيريندت وكريستيان ماير التقياه في القاهرة وأجريا معه هذه المقابلة الملتهبة التي يصب فيها جام غضبه على السياسة الأميركية الداعمة للدكتاتورية والرقابة المفروضة على الفنانين في مصر.

الفساد في مصر:
مكافحة الرشوة تخدم المصالح الفردية قبل كل شيء!
الرشوة متفشية في مصر في كافة المجالات بحيث لا يسع لأحد أن يتجنبها. وهي جزء متمم للاقتصاد والحياة اليومية. بالتالي فالجميع مشاركون، والكثيرون مستفيدون. هل هناك إذن مصلحة لأي طرف في محاربة الرشوة؟ تقرير فريدريك ريشتر.

السينما العربية:
هل ستحدد سينما المؤلف مستقبل السينما العربية؟
في السينما العربية بدأ يترسخ شكل جديد هو ما يسمى ب(سينما المؤلفين العربية). وتمتاز أفلامهم بطابعها الشخصي وبالأصالة، سواء من حيث اختيار موضوعاتها أو من حيث الأسلوب. فهل ستحدد هذه الأفلام مستقبل الفيلم العربي؟. تقرير ستيفاني سورِن.