ثورة "شهرزاد" على "شهريار"....رقصة الذئب والحمل

مع نهاية المساء تبدأ شهرزاد في قصّ حكايتها على شهريار حتى لا يقتلها مثلما كان يقتل نساءه من قبله. وبينما قصص شهرزاد في الحكايات القديمة تتركز حول حكايات التسلية والمتعة، أما شهرزاد الألفية الثالثة فحكايتها موجعة، حيث تسرد في فيلم "احكي يا شهرزاد"، الذي يعرض حاليا بنجاح كبير في دور العرض المصرية نماذج لأساليب القهر الذي يمارسها بعض الرجال على النساء.

مع نهاية المساء تبدأ شهرزاد في قصّ حكايتها على شهريار حتى لا يقتلها مثلما كان يقتل نساءه من قبله. وبينما قصص شهرزاد في الحكايات القديمة تتركز حول حكايات التسلية والمتعة، أما شهرزاد الألفية الثالثة فحكايتها موجعة، حيث تسرد في فيلم "احكي يا شهرزاد"، الذي يعرض حاليا بنجاح كبير في دور العرض المصرية نماذج لأساليب القهر الذي يمارسها بعض الرجال على النساء.

غلاف دعائي
يتناول الفيلم قضايا حساسة تتعلق بالقهر الجسدي والنفسي و الفكري للرجال على النساء

​​ ما بين مشهد البداية الذي تستيقظ فيه بطلة الفيلم على كابوس بأن شقتها، التي تقطنها مع زوجها بلا أبواب ومشهد النهاية، الذي تظهر فيه في برنامجها التليفزيونى وهى متورمة الوجه والعينين من "علقة الموت"، التي تناولتها من زوجها، يكشف فيلم "احكي يا شهرزاد" العديد من الأزمات والمشاكل التي تتعرض لها المرأة المصرية.

هذا الفيلم، الذي أثار جدلا كبيرا قبل بدء عرضه ومنذ بدء إعلاناته بالتليفزيونات، حيث تضمن الإعلان مشهدا لبطلة الفيلم منى زكي ترتدي فيه قميص نوم في مشهد يقبلها فيه البطل على رقبتها، مشهد أيقظ الجميع لدرجة أن البعض انشأ جماعات على "الفيس بوك" بعنوان "يا خسارتك يا منى"، كونها تحولت عن مسارها بعد أن كانت احدى الممثلات اللاتي رفعن شعار "السينما النظيفة " من قبل وهي السينما التي تخلو من قبلات أو مشاهد ساخنة.

الهجوم ازداد لأن الفيلم يتناول قضايا حساسة تتعلق بالقهر الجسدي والنفسي و الفكري للرجال على النساء، فالفيلم الذي كتبه المؤلف وحيد حامد وأخرجه يسري نصر الله يدور حول المذيعة هبة يونس، التي تقدم برنامجاً يتناول قضايا سياسية شائكة، مما يغضب زوجها الصحفي المرشح لمنصب رئيس التحرير، والذي يتعرض لضغوط قوية كي يحث زوجته على الكف عن إثارة الموضوعات المحرجة للحكومة في برنامجها حتى لا يؤثر ذلك على حلمه في المنصب.

قضايا المرأة في جوهرها قضايا سياسية

"تؤكد بعض النساء بعد مشاهدتهم الفيلم أنه يحكي قصص من الواقع وأنهن يعشن هذه الحياة وأصدقائهن"

​​ وفي محاولة لإنقاذ حياتها الزوجية من الانهيار وخاصة أنها زيجتها الثانية، تستجيب هبة وتبدأ سلسلة من الحلقات عن قضايا المرأة. وبالرغم من إدراكها أن قضايا المرأة في جوهرها قضايا سياسية، إلا أنها لم تتصور أنها "سياسية إلى هذه الدرجة"، كما قال لها زوجها في أحد المشاهد بأن "كل حاجة سياسة"، ولم تكن تتخيل إلى أي مدى يمكن أن تتقاطع أزمتها الخاصة مع أزمة ضيفات برنامجها مثل "أماني" العانس نزيلة المصحة النفسية المتباهية بعذريتها لعدم عثورها على حب حقيقي بل دائما يأتي الرجل اليها بقائمة شروط مختلفة منها ارتداء الحجاب أو الحصول على مرتبها، أو "صفاء" التي قضت عقوبة طويلة في السجن لارتكابها جريمة قتل عشيقها الذي خدعها وأقام علاقة جنسية معها ومع أخواتها الاثنتين بعد وفاة والدهن. أو الدكتورة "ناهد" – التي أجهضت نفسها واعتقلت في مظاهرة فردية أرادت فيها فضح الرجل الذي خدعها بعد أن تولى منصب وزير بالدولة، أو "سلمي"، التي تعيش منقسمة بين شخصيتين حيث تعمل في الصباح بائعة سافرة في متجر لأدوات التجميل وفي المساء ترتدي الحجاب وتذهب إلي منزلها في إحدى المناطق العشوائية.

فالنافذة، الذي تجسدها المذيعة وبرنامجها والتي تطرح من خلالها التشريح المجتمعي للسنوات الأخيرة هي نفسها نافذة مشروخة تشعر بالقهر من زوجها، الذي يضربها لعدم حصوله على المنصب حيث حملها السبب وراء ذلك.

طيور الظلام تعصف بالفيلم

مؤلف الفيلم وحيد حامد يروي في حوار مع قنطرة أن الفيلم يثير النقد "لأن طيور الظلام بالمجتمع المصري تريد أن تظل الأمور كما هي فيما يتعلق بنظرة المجتمع المصري الدونية إلى المرأة، وخاصة لجرأة الفيلم من خلال قصص وعلاقات صيغت بشكل جديد وبطريقة معاصرة تشرح ازدواجية المجتمع والحجاب الذي أسدل على عقله.

ويدعو حامد في فيلمه كل شهرزاد للثورة على شهريار الذي يتلاعب بها من خلال ذكورته فقط، لأن الرجل لابد أن يتمتع بالأمانة والشرف والأخلاق وليس كما هي العادات بالمجتمع المصري التي تربط بين الرجل وذكورته وتحكماته.

مشهد من الفيلم
"البوح طريقة شهرزاد المثلى لتتحرّر وتغيّر واقعها، أو على الأقل تستعيد نفسها"

​​

وحول موضوع الحجاب، الذي عالجه الفيلم بوضوح من خلال ارتداء المذيعة الحجاب في المترو، رغم أنها غير محجبة في حياتها اليومية، لتتكيف وتتأقلم مع من حولها، يرى حامد أن "الحجاب انتشر بصورة كبيرة جدا في الشارع المصري مؤخرا لدرجة أن هناك نوع من الضغوط على غير المحجبات"، مشيرا إلى أنه "ليس ضد حرية من تريد الحجاب" ولكنه يرى أنه" ليس من حق محجبة أن تنظر لغير محجبة بشكل فظ، والمتاجرة بالدين مرفوضة تماما، وخاصة أن نصف الفتيات العاملات مثل سلمى في الفيلم لا يرتدين الحجاب في عملهن ثم يرتدنه في المناطق التي يعشن فيها".

وعن عنوان الفيلم عبر حامد أنه اختاره بهدف الربط بين قصص الفيلم وحكايات شهرزاد ورسالة الفيلم بالبوح، فدائما في نهاية حكايات شهرزاد تتردد جملة "وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح" ، بينما يرغب المؤلف في أن تظل شهرزاد أو المرأة التي تجيد فن القصّ والرواية، فالبوح هو طريقتها المثلى لتتحرّر وتغيّر واقعها، أو على الأقل تستعيد نفسها، وخاصة في هذا الزمن الذي يطلب من المرأة الصمت خوفا من العادات والتقاليد.

المقاومة بعد الانكسار

ويروى المخرج يسري نصر الله أن أكثر ما أدهشه في السيناريو أنه وجد نفسه أمام عوالم وشخصيات تعيش مرحلة انكسار ثم تقف وتعيد نفسها مرة أخرى ولا تفرض نفسها كضحية لأنها شخصيات مقاومة، بالإضافة إلى أن السيناريو غير كئيب برغم انه يسرد حكايات مؤلمة وقاسية وخاصة في مشاهد الإجهاض وقتل المرأة لعشيقها وضرب زوج البطلة لها.

ويفسر التناقض في المجتمع بمنطق ناتج عن أن "غالبية الناس تعيش بطريقة وتتكلم بطريقة ثانية، مثلما يجد الفرد في الشارع المصري فتاة محجبة ترتدي قميص مكتوب عليه «I love sex». إذن هناك تناقض في الشخصية ناتج عن ضغوط في المجتمع، أي أن الفتاة ترتدي الآن الحجاب حتى تريح بالها من الضغوط ولا يتحدث أحد في سيرتها و لا يثار الاعتقاد بأنها صيد سهل". كما يؤكد أن الفيلم ليس ضد الرجل ،بل إنه يظهر الرجل مقهورا من عمله و طموحاته ومطالب المجتمع ولذلك فهو يقهر بدوره المرأة، أي أنها سلسلة من القهر يمارسها الجميع على بعضهم بعضا.

غياب وعي النساء في التعامل مع قوانين المرأة

أما البطلة منى زكي فتؤكد أن "هناك قوانين عديدة حاليا لصالح المرأة وهناك قانون الكوتة الجديد لتمثيل أكبر للمرأة في البرلمان، ولكن هناك سيدات لا وعي لديهن بالتعامل مع هذه القوانين، وعندما نقدم فيلما للمرأة ونطلب منها أن تواجه مشاكلها وتتحدث عنها أعتقد أن ذلك سيكون في صالحها ويعد استكمالا لخطط المجتمع في النهوض بها".

مشهد من الفيلم
"غالبية الناس تعيش بطريقة وتتكلم بطريقة ثانية، مثلما يجد الفرد في الشارع المصري فتاة محجبة ترتدي قميص مكتوب عليه «I love sex»"

​​ وحول الانتقادات، التي وجهت إلى تركيز الفيلم على الجنس، يرى الناقد علاء توفيق أن الفيلم "اختزل المرأة إلى كائن جنسي، لأن شخصيات الفيلم وقعت تحت دائرة الظلم لاندفاعهن وراء الخديعة وممارسة الجنس مع الرجل باسم الحب"، وأن الفيلم هو الذي "يظلم المرأة ولا ينصفها وأن عبارات حرية المرأة والدفاع عنها ما هي سوى عبارات تتكرر دون معالجة حقيقية".

كما يؤكد أن سيطرة المجتمع الذكوري والجنس هما "التوليفة المفضلة لمخرجي السينما المصرية هذه الأيام وذلك لأنها الأسهل ولأنها لا تغضب الحكومة، بل أن الحكومة المصرية تفضل هذا النوع من الأفلام الذي يعطيها صبغة التقدم لدي الغرب".

إعجاب النساء بالفيلم

والنقيض من ذلك يرى الناقد السينمائي حازم الحديدي أن "الفيلم عبر بحق عن مشكلات المرأة وازدواجية المجتمع التي ظهرت أيضا في كيفية التعاطي مع الفيلم حيث تزداد الانتقادات الموجه إليه والإقبال عليه في نفس الوقت بدليل تحقيقه اعلي إيرادات خلال أسبوعين فقط من عرضه.

كما تؤكد بعض النساء بعد مشاهدتهم الفيلم انه يحكي قصص من الواقع وأنهن يعشن هذه الحياة وأصدقائهن، فالمرأة "بالفعل في المجتمع الشرقي تعيش وفقا لرغبة الأب في البداية ثم الزوج بعد ذلك وإذا حاولت التحرر من هذا أو ذاك تصطدم بالمجتمع وعاداته وتقاليده أو لتفسيرات الخاطئة باسم الدين، ثم تنجرف باسم الحب إلى الرجل الذي يتلاعب بها وبمشاعرها لمجرد أن يحصل على متعته الجنسية معها مثلما ظهر بالفيلم أو يحملها مسؤولية فشله في تحقيق طموحه مثل زوج البطلة بالفيلم.

نيللي يوسف
حقوق الطبع: قتطرة 2009

قنطرة

مكافحة العنف والتحرش الجنسي ضد المرأة العربية في ميدان العمل:
المرأة هي المذنبة دوما!
ستضافت منظمة العمل العربية بالقاهرة المؤتمر الأول حول ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء العاملات، التي ما زالت بمثابة الطابو في المجتمعات العربية. حوار مع مدير منظمة العمل العربية إبراهيم قويدر والصحفية الأردنية لانا مامكغ حول أسباب التحرش الجنسي وكيفية القضاء عليها وكسر حاجز الصمت حولها.

تقرير منظمة العفو الدولية:
وضع النساء في دول مجلس التعاون الخليجي
زواج قسري، عنف منزلي أو تمييز في مجال العمل، هذا ما تعيشه الآلاف من المواطنات والأجنبيات في دول مجلس التعاون الخليجي. تقرير أعدته منظمة العفو الدولية، تسلط فيه الضوء على واقع الحياة النسائية في تلك الدول الغنية. تقرير بيترا تابلينغ

حوار مع الناشطة النسوية نهاد أبو القمصان:
"انتشار التحرش الجنسي نتاج تغليب الأمن السياسي على أمن البشر"
تعتبر نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، وإحدى أبرز ناشطات الدفاع عن حقوق المرأة، أن أهم تحدي يواجه المرأة المصرية حاليا يتمثل في سن قانون يجرم التحرش الجنسي ضدها، خاصة بعد أن تفشت هذه الظاهرة في الشوارع المصرية مؤخرا وصدور حكمين بسجن شبان شاركوا في أحداث تحرش جماعي. نيللي يوسف حاورت نهاد أبو القمصان حول خلفيات هذه الظاهرة وسبل مواجهتها اجتماعيا وقانونيا