فيسبوك على كل ظالم ـ الشباب اللبناني والثورات العربية

"فيسبوك على كل ظالم"، هكذا عنون أحد الشبان اللبنانيين صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. الشباب اللبنانيون يتفاعلون بقوة مع الثورات العربية لكنهم منقسمون تبعا للتيارات السياسية التي ينتمون إليها. دارين العمري تسلط الضوء من بيروت على هذه الظاهرة.



أعجب أحد الشباب اللبنانيين بشعار "فيسبوك على كل ظالم"، الذي كان المعتصمون في ميدان التحرير، يرددونه فاتخذ منه عنواناً لصفحته على فيسبوك؛ لكنه لم يستخدمه أيام الثورة المصرية بل خلال الاحتجاجات الشعبية في سوريا. فهذا الشاب يجاهر بتأييده للحركة الاحتجاجية في سوريا لكنه لم يكن متحمسا لثورة الشبان في مصر. وكان له صديق متحمس للثورة المصرية يعيّره بسكوته، لكن هذا الصديق نفسه لاذ بالصمت حين انتقلت الاحتجاجات إلى سوريا وأصبح يروي الشعر وخصوصاً الغزلي منه.

قصة هذين الشابين اللبنانيين وانتقائيتهما في تأييد الثورات العربية هي واحدة من آلاف قصص الشباب اللبنانيين الذين تصارعوا على الثورات عبر صفحات فيسبوك وتويتر. وارتبط كل ذلك بالانقسام السياسي اللبناني بين قوى 8 آذار (حزب الله والتيار العوني وحلفاؤهما) وقوى 14 آذار (تيار المستقبل وحلفاؤه). فمؤيدو 8 آذار وقفوا مع الثورات في دول الاعتدال العربي مثل تونس ومصر، وهللوا لها، وصمتوا حين بدأت الثورات في دول الممانعة كسوريا، فيما وقف مؤيدو 14 آذار مع الثورات في دول الممانعة وكانوا قد صمتوا عن ثورات دول الاعتدال العربي.
غداة اندلاع الشرارة الأولى للثورة التونسية تحول "صلاح" إلى مدمن على فيسبوك. يقول صلاح لدويتشه فيله إنه كلبناني أصيب بعدوى الشارع التونسي، وصارت ساحته الافتراضية صديقه الحميم لمؤازرة الشعب التونسي ولكتابة تعليقات يدعم بها الثورة الخضراء. فكتب في اليوم الأول للثورة "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، و"محمد البوعزيزي حي فينا" مستعيراً في الأولى شعر أبي القاسم الشابي وفي الثانية شعاراً حزبياً لبنانياً. وما زال صلاح يكتب لكل الثورات العربية وكأنها في يومها الأول.

"في دمشق يزهر الربيع كله"

أما "عمر" المناصر لقوى 14 آذار فسكت طويلا ولم يعلق على ثورتي تونس ومصر. وما أن انتقلت الاحتجاجات الشعبية إلى سوريا حتى سارع إلى الكتابة في صفحته على فيسبوك "في لبنان ثورة الأرز، في تونس ثورة الياسمين، في مصر ثورة الجاردينيا، في اليمن ثورة البن، في ليبيا ثورة الكما، وفي دمشق يزهر الربيع كله"....

ومن جهته يرى "ربيع" أن الحماسة المعدية هبت من تونس الخضراء وبلاد الفراعنة إلى بلاد الأرز لتوحد الشباب اللبناني على فيسبوك، وباتت تلوح بوادرها في صفحات المجموعات الشبابية. لقد تحمس ربيع للثورة المصرية ولم يبتدع شعارات لبنانية خاصة به على فيسبوك. فقد أنتجت الثورة المصرية شعارات تفوقت بها على كل الشعارات اللبنانية، فنقل على صفحته ما نادى به المصريون في ميدان التحرير: "الشعب المصري شو أخبارك، قوم فز شيل مبارك" و"ثورة ثورة حتى النصر ثورة تونس ثورة مصر". ولكن ربيع، ومنذ انطلاق الانتفاضة في سوريا، صمت عن إطلاق الشعارات لأنه مؤيد لقوى الثامن من آذار (الموالية لسوريا)، وصار يكتب القصائد الشعرية والغزلية للنساء اللواتي يعرفهن.
أما صديقه "بلال" فكتب بعد توقيف الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وولديه "ما نقشت معهم آل مبارك ..طلعت آخرتهم طرة"، نسبة إلى سجن طرة الذي يسجن فيه نجلا مبارك. ولكن بلال صمت عن الوضع في سوريا أيضا. ولم يستفز هؤلاء الشباب المشهدان التونسي والمصري بقدر ما استفز المشهد الليبي "يارا" المحايدة. يارا كتبت بعد أيام من الثورة الليبية وخطاب القذافي الشهير "البوعزيزي حرق نفسه من أجل مستقبل الشعب التونسي أما القذافي فيحرق شعبه من أجل نفسه". وتستغرب يارا موقف بلال الذي أيد القذافي بعد بدء الحظر الجوي على ليبيا وهجوم طائرات الناتو على كتائب القذافي. وبرأيها أنه كان يجب نجدة الشعب الليبي بأي وسيلة ممكنة. استمر النقاش بين الصديقين الفيسبوكيين لينتهي فما بعد إلى قطيعة بينهما تؤدي إلى مسح أحدهما للآخر من على لائحة أصدقائه في موقع التواصل الاجتماعي.

فيسبوك يؤمن التغطية الكاملة للثورات العربية

ما حصل بين الشباب اللبناني في المثال الليبي احتدم مرة أخرى في المشهد السوري، فعاد الجدل البيزنطي بين الشباب اللبناني المؤيد لـ14 آذار والآخر المؤيد لفريق 8 آذار. فالشاب اليساري "ميشال"، الذي كان والده معتقلا في السجون السورية، امتنع عن الكتابة في الأيام الأولى للمظاهرات الشعبية في سوريا. لقد بقي ميشال أسبوعين على هذه الحال خوفاً من أن يلقى مصير والده. ولكن بعد تطور الأحداث في درعا وسقوط عشرات القتلى، بدأ ميشال كتابة تعليقاته غير آبه بشيء. فكتب في صفحته "قصيريون نحن....سمير قصير حي فينا ونكتشف اليوم انه حي في أبناء درعا وحمص وحماة...وبانياس ...حي في قلوب المظلومين والمقهورين"، نسبة إلى سمير قصير الكاتب الصحافي اللبناني الذي اغتيل عام 2005 واتهمت سوريا باغتياله.

هنا ردّ عليه صديقه "باسم" الذي يعمل في الإمارات بهجوم استعرض فيه ما تمت ترجمته عن وثائق ويكيليكس حول تعاون قوى 14 آذار مع الأميركيين، فيما قال له بلال "الثورة التي انطلقت في تونس ومصر وغيرها كان واضحاً أن خلفها الأميركيين وهدفها الوصول إلى سوريا للقضاء على مبدأ الممانعة". ولم يكتف ميشال بذلك بل حرص على تحميل مقاطع فيديو من المظاهرات السورية، وأضافها على صفحات رفاقه في موقع فيسبوك. وانهالت التعليقات، واكتظت صفحته بالعبارات لتتحول فيما بعد إلى ما يشبه وكالة أنباء.

وكان فيسبوك يؤمن التغطية الكاملة للحدث الجماهيري، وكانت عناوين صور المظاهرات واضحة "الصورة خير دليل لمن لا يعرف العدّ". الصور أيضاً لقيت ترحيباً كبيراً، فأحدهم علق على صورة للحشد في ميدان التحرير في القاهرة "لينظر جماعة الاعتدال العربي في بيروت إلى مصيرهم"، ويقول إن "الصور تكذب كلامهم ومحاولاتهم تقليل أهمية التظاهرات".
فيما كتب "وليد" مقاربة بين النظام الليبي والنظام السوري بعد التظاهرة المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد يقول: "ذكرتني تظاهرة الموظفين في سوريا بما قاله القذافي عند بدء الاحتجاجات في ليبيا: أنا معي الملايين من الصحرا الى الصحرا". ثم ما لبث وليد أن وضع بالخط العريض كلمة "حمصــ....ــراتة" للتشبيه بين ما يحدث في مدينة حمص السورية ومصراتة الليبية.

دارين العمري ـ بيروت
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011