هلع إعلامي عوضًا عن التوعية

يخيل للمرء أن الإعلام الغربي يهتم بعد اعتداءات سبتمبر أكثر من أي وقت مضى بنشرالمعلومات عن الإسلام والمسلمين. معهد التحليل الإعلامي في بون يتوصل إلى نتيجة مفاجئة

هلع إعلامي عوضًا عن التوعية

دراسة التغطية الإعلاميّة حول الإرهاب العالمي والإسلام من 11 سبتمبر 2001 إلى20 آب/أغسطس قام بها معهد Medien Tenor في بون

دون كلل أو ملل ظلّت القنوات التلفزيونيّة لما وراء الأطلنطي وما دونه تبثّ مقاطع صور الرعب لمشهد انفجار المركز العالمي للتجارة. والأكثر دهاء في الأمر هو أنّ البارعين الموهوبين من بينهم تخلّوا خلال الليلة التي لحقت عمليّات التفجير عن النصّ واستعاضوا عنه بخلفيّة موسيقيّة في حين كان الشريط المتواصل لا يتوقّف عن رشق أعين المشاهدين بصورة الطائرتين وهما تقعان على ناطحتي السحاب. لم تكن العناصر الواعية فقط من بين مستهلكي الإعلام هي التي راحت تتساءل آنذاك عن مدى قيمة الأخبار. وبات من غير الممكن إذًا الحفاظ على المعدّلات العالية لسحب الصحف ولا على النسب الكبيرة للمتفرّجين، بل إنّ الناس فضّلوا التوجّه إلى المكتبات بحثًا عن معلومات أكثر حول الإرهاب العالمي المنظّم وسعيًا إلى فهم الأسباب التي تكمن وراء نشأة فروع عنيفة داخل مجموعات دينيّة محدّدة.

إنّه من السهل دومًا بعد حصول الأمر أن يحتجّ المرء على المسؤولين السياسيّين الذين لم يأخذوا مأخذ الجدّ هذه أو تلك من التهديدات -الجدّية منها أو المضلِّلة. "هناك أمر ثابت على أيّة حال وهو أنّ المحرّرين الصحفيّين في ما وراء المحيط وما دونه لم يولوا خطر الإرهاب الدولي أيّة أهمّية، وعلى هذا الأساس فإنّه كان من الصعب جدًّا على السياسيّين الذين حذّروا بالفعل من الخطر أن يجدوا منبرًا لهم على شاشات التلفزيون. وفي حين واصلت الـ ABC وCBS و NBC والنيوزويك NEWSWEEK أو التايم TIME تناول الموضوع خلال الأشهر اللاحقة على الحدث قرّرت زميلاتهنّ الألمانيّة وبسرعة مدهشة إسقاط موضوعة الإرهاب من رزنامة برامجها." هكذا يعلّق رولاند شاتز المختصّ في الدراسات الإعلاميّة من بون على الدراسة الحاليّة التي قام بها معهد الدراسات الإعلاميّة حول عمل المؤسّسات الإعلاميّة Medien Tenor.

عدم الاكتراث بالمسلمين

لكنّ الأمر المحيّر حقًّا هو عدم الاكتراث الذي يبديه الإعلاميّون تجاه الجاليات الإسلاميّة عامّة ومسائل المضامين التي تتأسّس عليها هذه المجموعات بصفة أخصّ. إذ أنّ التقارير والمقالات التي تعرّضت لهذا الموضوع خلال ثمانية أشهر لم يبلغ عددها الخمسين وذلك لدى 24 مؤسسة إعلاميّة من ذات التأثير على الرأي العام والممسكة بزمام الريادة الإعلاميّة في مسائل السياسة والاقتصاد على مستوى وطنيّ، بما يعني معدّل مساهمتين لكلّ مؤسّسة خلال 240 يومًا وذلك بخصوص مجموعة عقائديّة تكوّن جزءً من مسار الحياة اليوميّة في ألمانيا ذاتها كما في العديد من البلدان الأجنبيّة الأخرى، بل وبصفة أكثر قوّة هناك. إنّ مؤشّر الاتجاهات لا يُبرز فقط تدهورًا في النشاط الإعلامي منذ سنة الحادثة الإرهابيّة الكبرى، بل وكذلك تصاعدًا في الاتجاهات السلبيّة. هذه الاتجاهات هي المادّة التي تصاغ منها الكليشيهات التي لا يبخل أولئك المحرّرون ذاتهم بالتوسّع في تطويرها على مساحة أعمدة طويلة لمجرّد أن يقوم أحمق ما بتعنيف ومضايقة متساكنين أجانب من ذوي الانتساب الإسلامي.

مواضيع مركزيّة مضلِّلة

ليست البرمجة الشحيحة وحدها هي التي تقود إلى تدعيم سوء فهم هذه المجموعة العقائديّة. إن نظرة على بنية الموضوعات النمطيّة التي تقود الصحافيّين الألمان في اهتمامهم بالمسلمين ومنحهم ما يستحقّون من تغطية إعلاميّة تكشف عن سوء الفهم الجسيم الذي يغمر هذا الموضوع. إنّ وسائل الإعلام الوطنيّة ذات التأثير على الذهنيّات والآراء، وهي تعتقد أنّ السلوكات الاجتماعيّة اليوميّة لهذه المجموعة العقائديّة أو نسب الإجرام داخلها هي المفتاح الذي يمكّن من فهمها، تؤدّي عملها الإعلامي منزلقة على سطح الأشياء عوضًا عن الانخراط في عمل متواصل لمقاربة التحدّيات الذهنيّة التي تستدعيها هذه الموضوعة. ومع ذلك فإنّ هذا هو ما يجد قرّاؤها أنفسهم مجبرين على القيام به يوميًّا وهم يأخذون أطفالهم من المدارس التي يتواجد بها أيضًا تلامذة من المسلمين، أو وهم يمرّون في طريقهم إلى المخبزة بأناس تعلن هيآتهم ومظهرهم الخارجي بصفة جليّة عن اختلافهم.

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانت المعلومات المستعرضة عن الإرهاب من جهة وعن أصول ومنشأ الإسلام ومظاهر تأثيراته من جهة أخرى من ذلك الصنف الذي من شأنه أن يخدم كلّ شيء عدا تحقيق تفهّم أفضل. وهو مطلوب أكثر من أي وقت مضى.
وبالنهاية أليس المواطنون هم من يعود إليهم القرار داخل مجتمع ديمقراطي بخصوص ما يمكنهم أن يمنحوه من حقوق إلى متساكنيهم الأجانب - وليس محرّروا وسائل الإعلام الوطنيّة الذين سيجدون لهم في أسوأ الحالات ملجأ في أجزاء أخرى من المدينة غير تلك تمثّل مناطق التوتّرات الاجتماعيّة الحادّة.

مراجع:
وسائل إعلام : "التايم"، "نيوزويك"، ِABC, CBS,NBC، 14 مؤسسة إعلاميّة ألمانيّة كبرى.
الظرف الزمني : من 1-4 – 2002 إلى 15-8-2003
الموادّ المدروسة : 424502 مادّة إعلاميّة ( منها 3304 حول الإرهاب العالمي) في وسائل الإعلام الألمانيّة.
63549 مادّة إعلاميّة في الإعلام الأميركي ( منها 646 حول الإرهاب العالمي ).

موقع معهد التحليل الإعلامي:
www.medien-tenor.de

ترجمة : علي مصباح