ماضي عريق، وحاضر بائس!

"الإسلام لا يعني الإرهاب" - من هذا المنطلق اعتمدت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار كلَّ عام ثلاث عواصم ثقافية في العالم الإسلامي. منى نجار زارت حلب، عاصمة الثقافة الإسلامية العربية وأعدَّت هذا التقرير

كرة معدنية في ساحة سعد الله الجابري في حلب، الصورة: منى نجار
كرة معدنية في ساحة سعد الله الجابري: تثير جدلا لدى المواطنين والمثقفين في حلب

​​"الإسلام لا يعني الإرهاب" - من هذا المنطلق اعتمدت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار كلَّ عام ثلاث عواصم ثقافية في العالم الإسلامي؛ حيث يفترض لهذه العواصم أن تعرض صورًا إيجابية عن الحضارة الإسلامية. منى نجار زارت حلب، عاصمة الثقافة الإسلامية العربية وأعدَّت هذا التقرير

تدور الأحاديث في مدينة حلب منذ عدَّة أشهر حول كرة معدنية، تمّ تركيبها في ساحة سعد الله الجابري المركزية. يقال عن هذه الكرة إنَّها أكبر كرة معدنية في الشرق الأوسط وتستخدم كمسرح في الهواء الطلق لمختلف الفعاليَّات.

لم تحظى هذه الكرة المعدنية بقبول واعجاب كبيرين لدى الكثيرين من سكّان حلب. وكذلك كانت الحال بالنسبة للإنارة والأضواء التي نصبت حول الساحة، والتي أثارت استياء الكثيرين نظرًا لنقص الكهرباء في المدينة.

يعود الفضل في التجديدات التي أجريت في ساحة سعد الله الجابري إلى اختيار حلب لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006. لقد اتَّخذت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار ثلاث مدن من العالم الإسلامي في كلَّ عام لتكون عواصم للثقافة الإسلامية؛ وذلك بهدف إبراز وتقديم هذه المدن للعالم باعتبارها أمثلة نموذجية عن الحضارة الإسلامية.

اختيرت مكة في عام 2005 كأوَّل عاصمة ثقافية إسلامية وذلك لكونها مهد الإسلام. وفي عام 2006 منحت المنظَّمة لقب "عواصم الثقافة الإسلامية" لكلٍّ من حلب وأصفهان وتنبكتو.

من أقدم المدن المأهولة في العالم

يفتخر السيد محمد قجة رئيس جمعية العاديّات ومدير الأمانة العامة لاحتفالات حلب بمدينته، التي توفَّرت فيها الشروط التي وضعها مؤتمر وزراء الثقافة في الدول الإسلامية لتكون واحدة من العواصم الثقافية الإسلامية، قبل أن تتوفَّر هذه الشروط في دمشق وإسطنبول والقاهرة.

محمد قجة، الصورة: منى نجار
محمد قجة: مدير جمعية العاديات ومدير الأمانة العامة للاحتفالية

​​كان بوسعه أن يتحدَّث في مكتبه الذي يقع مباشرة بالقرب من القلعة طيلة ساعات عن "حلب"، التي حملت هذا الاسم في القرن الثاني قبل الميلاد. تعتبر هذه المدينة التي تقع في شمال سوريا واحدة من أقدم المدن في العالم التي لا تزال مأهولة. تمّ في عام 1986 إدراج مدينة حلب القديمة في لائحة اليونسكو للتراث العالمي.

تعكس القلعة والمساجد والكنائس والخانات والحمَّامات والأسواق المسقوفة والبيمارستانات الموجودة في حلب جميع العهود التي شهدها التاريخ الإسلامي. عاشت حلب عصرها الذهبي في ظل حكم أكبر أمراء الحمدانيين، سيف الدولة الحمداني، في القرن الـ10 الميلادي. لقد دعم سيف الدولة الأدباء والعلماء الذين نبغوا في بلاطه مثل المتنبّي وعالم الرياضيات الخوارزمي.

كانت حلب طيلة قرون من الزمن مركزًا تجاريًا هامًا. وحتَّى يومنا هذا لا تزال حلب معروفة بتنوّع سكَّانها العرقي والديني. كذلك يرتبط اسم حلب بأسماء لامعة من عصر النهضة العربية، مثل الصحافي والأديب عبد الرحمن الكواكبي أو عائلة الأدباء آل مرّاش.

تمويل ضعيف

كان من المفروض أن يتمّ عكس هذا الثراء الثقافي في برنامج الاحتفالات. بيد أنَّ ذلك بمثابة مغامرة معدومة الأمل على حدّ تعبير محمد قجة: "هذا النوع من النشاط يحتاج إلى سنوات من التحضير. أما نحن فكان أمامنا أشهر فقط. أعلمنا في منتصف 2005 باختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية. ومن المخجل أن أقول أن ميزانيتنا لكل السنة تبلغ مليوني دولار فقط". ولم تُظهر منظَّمة المؤتمر الإسلامي ولا جامعة الدول العربية استعدادهما لتقديم المساعدات المالية للمدينة.

من الممكن للمهتمين الاطلاع على برنامج الاحتفالات الشهري في الموقع الذي تمّ تخصيصه على الانترنت من أجل هذا الحدث؛ أمَّا البرنامج فهو عبارة عن مزيج من المحاضرات والندوات والقراءات والمعارض والحفلات الموسيقية.

يحتل ماضي مدينة حلب المجيد مكان الصدارة في هذه الاحتفالية. ولا يتطرَّق الحديث في هذه الاحتفالية إلى التحدِّيات والمشاكل، التي تواجهها منذ عدَّة عقود مدينة حلب التي أصبح عدد سكَّانها حوالي أربعة ملايين نسمة.

ومن بين هذه المشاكل والتحدِّيات إيجاد تخطيط للمدينة بغية التغلُّب على ازدياد عدد السكَّان وتحسين نوعية المعيشة والمحافظة على هوية المدينة الأصلية أو عدم تهميشها من خلال العاصمة دمشق ذات السلطة الوسعة.

اهتمام المواطنين

إنَّ ردود فعل المواطنين على الاحتفالات متحفِّظة. إذ لم يُخفِ البعض ارتيابهم وشكوكهم وقد تناقلوا الإشاعات المنتشرة في هذه الفترة: لن يفعل الناشطون والقائمون على الاحتفالات شيئًا سوى أنَّهم عادوا ليملأوا جيوبهم"! في حين لا يأبه الكثير من المواطنين الآخرين بهذا الحدث.

قلعة حلب مع شعار: حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، الصورة: منى نجار
قلعة حلب مع شعار: حلب عاصمة الثقافة الإسلامية

​​يوجِّه الموسيقار الفنان ظافر جسري انتقاده إلى المواطنين الحلبيين قائلاً: "نحن غير معتادين على الثقافة. فالكلّ يجلسون أمام التلفاز ولا يتحرَّكون من مكانهم. لا أعتقد أنَّ المسؤولين اقترفوا خطأً. لكنَّنا هنا في حلب نُبرز دائمًا الجوانب السلبية. نحن لا ننظر إلاَّ إلى العيوب".

وفي المقابل أعرب المثقَّف الناقد عبد الرزاق عيد الذي أقرَّ بأنَّه لم يقم بزيارة أيّ نشاط أو فعالية ضمن هذه الاحتفالات عن تفهّمه لأبناء مدينته. إنَّ كلَّ النشاطات والفعاليَّات التي تمّ تنظيمها من قبل الدولة تعتبر مشبوهة بالنسبة للمواطنين، على حدّ قول عبد الرزاق عيد. فهي تحمل - حسب وصفه - توقيع حزب البعث وأجهزة المخابرات ولذلك لا يبالي بها الحلبيّون. تعتبر النشاطات الثقافية المستقلة غير مرغوبة لدى القائمين على السلطة، ويتمّ إدراجها ضمن النشاطات الخطرة أمنيًا؛ تشرف الحياة الثقافية في حلب على النهاية، حسب وصف عبد الرزاق عيد.

أصحاب الغالريهات الخاصة

وقاطع المصوِّر الفوتوغرافي الذي يدير غاليري "الجسر" في حلب، عيسى توما، النشاطات والفعاليات الرسمية. إذ أنَّه امتنع عن وضع معرض التصوير الفوتوغرافي الدولي الذي يجري عرضه منذ شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر الماضي في صالته تحت رعاية العاصمة الثقافية الإسلامية:

"أنا لا أعارض فكرة العاصمة الثقافية الإسلامية، لكنَّني أمتنع عن التعاون في العمل مع أشخاص غير محترفين". يتحدَّث عيسى توما الذي لا يخشى من الدخول في مواجهة مع المسؤولين في المدينة بكلِّ صراحة عن موازين القوى في المدينة: "منذ عدَّة أعوام نشتكي لوزير الثقافة من الأوضاع الثقافية في حلب. إنَّ أحوالنا سيِّئة جدًا، تمّ في الأعوام الماضية إغلاق الكثير من الغالريهات. يكمن سبب ذلك في الرقابة الشديدة التي يفرضها جهاز الأمن السياسي على كلِّ النشاطات والفعاليَّات التي تقام في المدينة. يتمّ الحصول على التراخيص في دمشق بصورة مباشرة عن طريق وزارة الثقافة". تحتاج كلُّ فعالية تقام في حلب إلى الحصول على موافقة دائرة مخابرات الأمن السياسي.

إنَّ كلَّ المبدعين الثقافيين في حلب وعلى اختلاف توجُّهاتهم السياسية متَّفقون على أنَّ اختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية كان بمثابة الفرصة الأكبر التي أُتيحت لمدينة حلب منذ عدَّة عقود، لكي تقدِّم معالمها الثقافية على مستوًى دولي.

لا يتحدَّث النقَّاد وحدهم عن خيبة أملهم. فكذلك أيضًا كانت الحال بالنسبة للكاتب وليد إخلاصي الموالي للنظام الحاكم ومدير اللجنة الثقافية للإحتفالات، الذي يتحدَّث عن ضياع هذه الفرصة. ومع أنَّ منظِّمي الفعاليات بذلوا ميدانيًا أقصى جهودهم، لكن في جو تسود فيه الرقابة السياسية التامة تفرض على الثقافة حدود ضيِّقة. وهذا ينطبق أيضًا على مدن ذات ماضٍ رائع مجيد تمتد جذوره إلى آلاف السنين.

بقلم منى نجار
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

فندق بارون في حلب
"فندق بارون" في حلب يقف شاهدا على التاريخ الأوروبي المتعلق بالشرق الأوسط وتاريخ سوريا معا. كريستين هيلبيرغ ذهبت الى حيث أقام الملوك والرؤساء والكتّاب والجواسيس ذات يوم وعاشت تجربة الرغد الحديث في أجواء تلك الأيام الخوالي.

www

برنامج حلب عاصمة الثقافة الإسلامية