هل سيسلم المغرب مستقبلا من رياح التغيير؟

فقدت الحركة الاحتجاجية في المغرب نسبة كبيرةً من حماسها النضالي نظراً للاستراتيجية الذكية للقصر الملكي في التعامل معها عبر التنازلات السياسية والقمع وكذا غياب حلفاء سياسيين للمتظاهرين، وساهمت ذلك في إضعاف الحركة الاحتجاجية، لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أن المملكة المغربية آمنة من احتجاجات جديدة في المستقبل، بحسب استطلاع الصحفي السويسري بيات شتاوفر حول آفاق الحركة الاحتجاجية بالمغرب.

الكاتبة ، الكاتب: Beat Stauffer

بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2012 اندلعت في حي سيدي يوسف بن في ضواحي مدينة مراكش احتجاجات عنيفة بعد أن خرج إلى الشوارع حوالي ثلاثة آلاف شخص للتنديد بارتفاع فواتير الكهرباء والماء.

بالنسبة لنشطاء الحركة الاحتجاجية "20 فبراير/شباط"، الذين ينتمون في الغالب إلى أحزاب يسارية صغيرة أو إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسانية المستقلة، فإن مظاهرات سيدي يوسف بن علي بمراكش هي دليل على أن الحركة لا تزال قادرة على توعية وتعبئة المواطنين رغم أن الإعلام يعلن وباستمرار عن موتها.

الاحتجاجات، التي تم قمعها بقسوة نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 في العديد من مدن المغرب، وهي احتجاجات ضد ميزانية القصر الملكي البالغة حوالي 230 مليون يورو سنويا، تُعتبر في عيون نشطاء حركة "20 فبراير" مؤشراً على أن الحركة لا تزال تمتلك الشجاعة والحيوية ولديها القدرة على إثارة مواضيع تؤرق المواطنين.

حركة احتجاجية في موقع دفاعي

مع ذلك تسجل الأغلبية أن هنالك تراجعاً كبيراً لحركة "20 فبراير" التي ظهرت قبل عامين ونجحت في إنزال المواطنين إلى الشوارع للاحتجاج في أكثر من 50 مدينة مغربية، وحظيت بدعم شخصيات مغربية بارزة من مجالات مختلفة ومارست ببراعة ضغطا على الملك محمد السادس.

يقول محمد مدني الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية في العاصمة المغربية الرباط إن " الملك كان في مارس/ آذار 2011 في موقع الدفاع وهو الموقع الذي أصبحت حركة 20 فبراير تتواجد فيه الآن". فالحركة ـ بحسب محمد مدني ـ فقدت بدون شك الكثير من حماسها وقوتها وتخلى العديدُ من نشطائها عن أنشطتهم النضالية داخل الحركة.

فلماذا تراجعت هذه الحركة الشعبية التي كانت قبل عامين تتمتع بالقوة والعفوية وبالدعم الكبير من طرف شباب الطبقات الوسطى؟

احتجاجات لحركة 20 فبراير في مراكش.  أ ب.
تراجع للحراك الاحتجاجي: "ترى الأغلبية أن هنالك تراجعاً كبيراً لحركة "20 فبراير" التي ظهرت قبل عامين ونجحت في إنزال المواطنين إلى الشوارع للاحتجاج في أكثر من 50 مدينة مغربية. وحظيت الحركة بدعم شخصيات مغربية بارزة من مجالات مختلفة ومارست ببراعة ضغطاً على الملك محمد السادس"، وفق ما يذكر بيات شتاوفر.

​​يرى الباحث محمد مدني أن تراجع حركة " 20 فبراير" يعود بالأساس إلى ثلاثة أسباب. ففي المقام الأول لم يكن للحركة منذ بدايتها أي شريك يدعمها. ومطالبها لم تحظَ بدعم أي حزب من الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد. وحتى النقابات أخذت مسافةً بينها وبين الحركة.

أما جماعة "العدل والإحسان" ذات التوجه الإسلامي وغير المعترف بها من لدنّ السلطات المغربية فلم يكن بمقدورها لعب دور حليف سياسي للحركة لعدم شرعيتها. وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول 2012 انسحبت هذه الجماعة كليةً من حركة " 20 فبراير".

وفي المقام الثاني يأتي سبب يعتبره محمد مدني مهما جدا وهو استجابة المؤسسة الملكية، ولو بشكل جزئي، لمطالب الحركة كالمطالبة بدستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وهو ما حدث فعلاً.

صحيح أن حركة " 20 فبراير" ليست راضيةً إطلاقا بتلك النتائج لكن الحديث عن عدم الرضا أمر ٌوهو ما حدث فعلاً. لكن الحديث عن عدم الرضا أمر صعب كما يرى محمد مدني الذي يقول إن "المطالبة بدستور جديد أسهل بكثير من انتقاده عند المصادقة عليه".

الترغيب والترهيب

لعبت سياسة القمع الذي تعرض له نشطاء حركة "20 فبراير" في تراجعها، في نهاية المطاف. لكن الأمر ليس شبيهاً بحدة الإرهاب والعنف الذين تعرض لهما النشطاء في دول عربية أخرى. فتعامل السلطات المغربية مع نشطاء "20 فبراير" كان يتراوح ما بين التساهل والقسوة، وهذا جعل الأعضاء الجدد المفترضين يشعرون بعدم الأمان وبالخوف.

الملك المغربي محمد الخامس. أ ب
المؤسسة الملكية تنتهج سياسة "فرِّق تسُد" لسحب البساط تحت الإسلاميين وتتخذ استراتيجيات مختلفة لتحييد خصومها السياسيين.

​​بالموازاة مع ذلك تم ـ بإشارة غير مباشرة من الملك ـ تحذيرُ التلاميذ والطلاب من انعكاسات المشاركة في المظاهرات التي تنتقد القصر الملكي على مستقبلهم المهني.

وذكَر أحد النشطاء لموقع قنطرة أنه لهذا السبب تخلى العديدون عن مشاركتهم في التظاهرات الشهرية التي تنظمها حركة "20 فبراير"، كما لا يمكن تجاهل تأثير التطورات في بعض الدول العربية على مستقبل الحركة الاحتجاجية في المغرب.

"فالناس خائفون من حالات الفوضى التي وقعت في ليبيا أو من الحرب الأهلية كما هو الحال في سوريا" على حد قول مصدر موثوق لموقع قنطرة. وتعمل السلطات المغربية على تأجيج تلك المخاوف بشكل ممنهج عبر تخصيص حيز زمني كبير للتغطيات التلفزيونية للاضطرابات التي عرفتها الدول العربية بعد الثورة.

وفي الوقت ذاته تلوذ السلطات المغربية بالصمت تجاه المحاولات المهمة على درب التحول الديمقراطي، كما هو الحال في المجلس الدستوري التونسي.

حكومة الإسلاميين

حصيلة الحكومة، التي يقودها عبد الإله بن كيران من حزب العدالة والتنمية الإسلامي منذ قرابة سنة إلى جانب حزب يساري وحزبين من اليمين، تتراوح بين الإيجابي والسلبي.

لكن رجل الأعمال المغربي كريم التازي، الذي أعلن دعمه لحركة 20 فبراير منذ بدايتها ولفت إليه الأنظار، يتحدث عن حصيلة سلبية للحكومة. ففي حديث مع موقع قنطرة يقول: " بعد مرور عام على تشكيل الحكومة الجديدة لا يوجد في المغرب إلا الخاسرون".

فالمواطنون في نظر التازي فقدوا الآمال في حدوث تغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد بعد انتخاب حكومة جديدة. ويضيف التازي أن الإسلاميين الذين يتولون الحكم فشلوا حتى الآن في تحقيق الأهداف التي أعلنوا عنها من قبل.

و بحسب رجل الإعمال المغربي فالخاسر ليس الإسلاميين وحدهم بل القصر كذلك. فالقصر يخاطر بفقدان " خطة الأمن عند الطوارئ"، التي لا يملكها حاليا إلا حزب العدالة والتنمية الإسلامي، تجاه المواطنين المحبطين والمؤسسات السياسية وخصوصا تجاه القصر.

لكن الجميع لا ينظر إلى حصيلة الحكومة نظرةً سلبيةً. وقد عبر أحد الأساتذة الجامعيين من مدينة مراكش أن حزب العدالة والتنمية لا يزال يحظى بثقة كبيرة من طرف المواطنين، وبدوره يعتقد محمد مدني أن غالبية المواطنين المنتمين إلى أفراد الطبقة الوسطى يواصلون دعم حكومة بن كيران، لأنهم واعون أن الحكومة ليس لديها في الوقت الحالي غير مجال صغير للعمل.

يشير محمد مدني إلى أن رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران قام بزيادة في ثمن الوقود بطريقة فنية دون حصول احتجاجات ضد تلك الزيادة. وهو شبيه بمعجزة صغيرة كما يرى محمد مدني.

رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران. دويتشه فيله
رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران الذي يعقد عليه المواطنون البسطاء آملا كبيراً. بعد توليه رئاسة الحكومة فقدت حركة "20 فبراير" دعم ومساندة الكثيرين.

​​انتفاضة الفقراء

هل سيسلم المغرب مستقبلا من رياح التغيير التي جاء بها الربيع العربي؟ يرى الخبراء أن ذلك مستبعد جدا. فمحمد مدني يشير إلى أن الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة اتخذت أشكالا أخرى إذ لم يعد التظاهر يقتصر على النخبة المتعلمة في المدن الكبرى، فقد انتقل إلى الطبقات الاجتماعية التي تعيش على عتبة الفقر التي أصبحت تنزل باستمرار إلى الشوارع للاحتجاج ضد غلاء المعيشة.

وغالبا ما تتم هذه المظاهرات في المدن المعروفة بالتمرد كصفرو شمال البلاد أو سيدي إفني في الجنوب أو أسفي التي تقع في الوسط. فبالنسبة لأفراد هذه الطبقة الاجتماعية غير الراضية على الوضع، فهي بالكاد تستوعب التغيرات الدستورية الجديدة. فالمعيشة بالنسبة لهم ازدادت صعوبة بعد الربيع العربي.

وإلي الآن فالتنسيق والربط غائبان في الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية على الصعيد الوطني. وإذا نجح المحتجون والمتظاهرون في التنسيق بينهم على الصعيد الوطني فإن ذلك سيربك راحة حكومة بن كيران والقصر الملكي. وبحسب محمد مدني فإنه "سيكون من الصعب جدا مراقبة الاحتجاجات والفاعلين الاجتماعيين الجدد".

 

بيات شتاوفر
ترجمة: عبد الرحمان عمار
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013