معركة أردوغان مع مجموعة دوغان

أثارت الغرامة المالية الضخمة التي فُرضت على مجموعة شركات دوغان للإعلام والتي تعد الصوت المعارض لحزب العدالة والتنمية وعلى رأسه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان جدلا كبيرا حول حرية الصحافة والتعبير في تركيا. كارين كروجر تسلط الضوء على هذا الجدل.

صحيفة حريات
صراع على الساحة الإعلامية التركية تملية حسابات سياسية وحزبية

​​ ليس لرئيس الوزراء علاقة مباشرة بالغرامة المالية التي فُرضت على مجموعة شركات دوغان للإعلام البالغة أربعمائة مليون يورو وإنما وزارة المالية هي التي انتبهت من تلقاء نفسها لملف مجموعة دوغان للإعلام. وفي أثناء حملته الانتخابية في شرق تركيا كان رئيس الوزراء التركي متأكدا من ميول الجمهور إليه، أما الصحفيون والمعارضون الأتراك فلا يزالون يشكون في هذا الميول.

هذه الغرامة يُشم منها رائحة عملية ثأر، كما أنها جاءت في اللحظة المناسبة للحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، لأن هناك انتخابات محلية ستعقد في تركيا نهاية مارس / آذار الجاري، وحزب "السلطان" رجب طيب أردوغان – كما أطلقت عليه سابقا صحف مجموعة شركات دوغان للاعلام – يتمنى أن يكون هو الفائز، ويرى أيضا أن الصحفيين النقاد بإمكانهم أن يؤثروا سلبيا على نتائج الانتخابات، خاصة وأنهم يعملون لدى مجموعة دوغان ذات أكبر عدد من الصحف المنشورة في البلاد.

الغرامة المالية قد تقصم ظهر المجموعة

تملك مجموعة دوغان "حرييت" و"ملييت" وخمس جرائد أخرى ما يعادل نسبة 40 في المائة من الجرائد اليومية التركية على وجه التقريب. وفي جرائد هذه المجموعة يستطيع الصحفيون كتابة ما لا يجرؤون عليه في أي مكان آخر، منها على سبيل المثال أن حكومة حزب العدالة والتنمية تهدف إلى أسْلمة المجتمع شيئا فشيئا، وأن أردوغان المسلم المتعصب الذي تحول إلى ديمقراطيا يسير على أجندة غير صريحة.

كما أصبحت جريدة "راديكال" التابعة أيضا لمجموعة دوغان من الصحف التي يواظب المثقفون الأتراك على قراءتها. وفيها تكتب صاحبات الأعمدة الدورية، مثل الكاتبة بريهان ماجدن، التي توجه النقد اللاذع إلى الحكومة. وعلى العكس من ذلك فإن أردوغان يرى أن بريهان تخلط بين "تشويه السمعة والشتائم وإشاعة الأكاذيب وبين حرية الرأي".

إيدين دوغان يقرأ صحيفة ميليت، الصورة: ا.ب
" سمعة حكومة رجب طيب أردوغان غاية في السوء فيما يخص علاقتها مع الإعلام"

​​بهذه الغرامة المالية تريد وزارة المالية معاقبة دوغان رسميا بسبب مخالفة ارتكبها في صفقة بيع أسهم إحدى الشركات إلى الناشر الألماني أكسيل سبرنغ نهاية عام 2006. فبدلا من أن تسجل المجموعة ثمن البيع في حسابات ديسمبر/ كانون الأول سجلته في حسابات يناير/ كانون الثاني، وبهذا شكت هيئة الضرائب في أن المجموعة فعلت ذلك للتهرب من دفع الضرائب. بيد أن قيمة الغرامة تجاوزت الحد المألوف، لدرجة أنها تعني مصادرة المجموعة، بحسب فكرت بيلا، كاتب أحد الأعمدة بجريدة "حرييت". ويرى الكاتب فكرت أن المجموعة إذا لم يُكتب لها النجاح في الاستئناف على الحكم فسوف يؤدي ذلك إلى قصم ظهرها.

العلاقة مع الإعلام ليست جيدة

في تقريرها عن تركيا الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي أشارت مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى أن حرية الصحافة مهددة في تركيا. وفي الواقع فإن سمعة حكومة رجب طيب أردوغان غاية في السوء فيما يخص علاقتها مع الإعلام. ففي السنوات الماضية قامت بتقويض مجموعات إعلامية كثيرة، وتم شراء جرائد وقنوات تلفازية معروفة من قِبل أعضاء في حزب العدالة والتنمية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تغطيتها الإعلامية هادئة جدا. فهكذا صارت قناة التلفاز "صباح" التي تعد ثاني أكبر مجموعة إعلامية في تركيا مملوكة لـ"مجموعة شيليك" الفرعية، الذي يديرها صهر أردوغان. وعلى ما يبدو أن مجموعة دوغان سوف يكون عليها الدور في التقويض، حيث يوجه رئيس الوزراء النقد لجرائدها منذ فترة طويلة.

خطبة حادة في البرلمان

قبل نصف عام استغل أردوغان خطبة في البرلمان لمدة ثلاثين دقيقة ليوجه السب إلى مجموعة دوغان، التي حاولت جرائدها بدون وجه حق انتقاد رفع حظر الحجاب في الجامعات، حسبما يرى رئيس الوزراء. وكانت أكبر مواجهة آنذاك أن رئيس الوزراء وصف جرائد "نيويورك تايمز" و"لو موند" و"واشنطن بوست" بأنها جرائد غير محترمة في مقال نشر في الصفحة الأولى لجريدة "حرييت" - الصوت الناقد لِـ"أردوغان".

أردوغان
أردوغان انتقد في مناسبات عديدة الصحف التركية المعارضة، متمها إياها بالتحريض

​​وبلغ الموقف قمة التعقيد عندما عادت جرائد دوغان في خريف 2008 تنشر تحقيقات صحفية عن تورط حزب العدالة والتنمية في قضية "دنيز فينيري"، المؤسسة الخيرية الإسلامية التركية الألمانية. في هذه القضية أثبتت محكمة فرانكفورت أن المؤسسة الخيرية قامت بتسريب تبرعات جُمعت في ألمانيا قيمتها 14,5 مليون يورو في قنوات قريبة من أردوغان.

وبعدما قامت جرائد، مثل "حرييت"، بالنشر حول ذلك دعا أردوغان مرارا إلى مقاطعة شركات إعلام دوغان، وقال في إحدى كلماته "لا تعطوا هؤلاء نقودا، ولا تستضيفوهم في بيوتكم". وطالب مهددا جرائد دوغان بأن يذكروا الأسباب الحقيقية التي دعتهم إلى النشر عن قضية التبرعات وإلا سوف يقوم هو بذلك.

عصابة شرسة تضرب الصحفيين بعنف

وعندما قام "معهد الصحافة العالمي" بتوجيه اللوم إلى أردوغان منعه رئيس الوزراء من التدخل في الأمر، وقال لا يحق لأحد أن ينتقده في طريقة تعامله مع أكبر مؤسسة إعلامية في البلاد. هذا وليست هذه المؤسسة هي الوحيدة التي تعاني من تصرفات هذا "السلطان" المريب. وقام أردوغان نهاية يناير/ كانون الثاني بسب الصحفيين في محاضرة ألقاها علنا لأن تغطيتهم الإعلامية عن حرب غزة أعطت صورة مشوهة. وفي أثناء هذه المحاضرة انهالت جماعة أردوغان بالضرب على المراسلين والمصورين الحاضرين. وبعد ذلك بأيام قليلة وبينما كان رئيس الوزراء يقوم بافتتاح محطة مترو بمدينة اسطنبول تلقى الصحفيون مرة أخرى ضربا مبرحا من الحضور المملوء غيظا. وفيما قبل قال أردوغان: "إن الصحافة تساند الآخرين أكثر من رئيس وزراء الجمهورية التركية"، وهذا ما لا يستوعبه العقل.

كارين كروجر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: فرانكفورتر ألجماينه/ قنطرة 2009

قنطرة

حرية الصحافة في تركيا:
عقوبات سجن وغرامات مالية تهدد الصحفيّين
على الرغم من تراجع عمليَّات اعتقال الصحفيِّين في تركيا، إلاَّ أنَّ بعض القوانين والفقرات لا تزال تهدِّد حتَّى يومنا هذا حريَّة الصحافة في البلاد. تقرير كتبه أريان فاريبورز.

منتدى "بيانت" من أجل حرية الصحافة في تركيا:
مخاطر تواجه الإعلام المستقل
لا يزال الصحفيون في تركيا يخشون من التعرَّض لأحكام جنائية، ذلك أنَّ القانون الجزائي يعتبر "إهانة كلِّ ما هو تركي" عملاً يعاقب عليه القانون. على الرغم من ذلك هناك صحفيون يتحدثون بصراحة عن مواضيع حسَّاسة مثل العاملين في منتدى الإنترنت الإعلامي "بيانت" Bianet. أنكه هاغدورن وهوليا كويلو زارتا مكتب "بيانت" وأعدَّتا هذا التقرير.

بعد اغتيال الصحفي الأرمني دنك:
حملة القوميين ضد المثقفين في تركيا
بعد اغتيال الصحفي الأرمني هرانت دنك أصبح يشكل القوميون المتطرفون في تركيا خطرا على كثير من المثقفين. بقلم غونار كونه من اسطنبول