من يحق له تدريس التربية الاسلامية في ألمانيا؟

شرع منذ بضعة أسابيع في ولاية شمال الراين وستفاليا في تدريس حصة التربية الإسلامية ، إذ تم إطلاق هذه المادة الدراسية اعتمادا على آليات مؤقتة لم يتم بعد تثبيت أسسها، كما توضح إلين هوفرس في هذا التقرير.

الكاتبة ، الكاتب: Ellen Hoffers

تبدو أيا في لحظة تفكير أما أيمن فيتغنى مرددا "شلوم، سلام، شلوم". للتو وضح بريند رضوان باوكنيش زويفتست للتلاميذ في الفصل الرابع التقارب بين التحية الإسلامية "السلام عليكم" والعبرية "شلوم إليشم"، وكلاهما يعنيان السلام. "هل تعلمون شيئا؟" ـ يقول باوكنيشت ـ "المسيحيون في الكنيسة يمسكون بأيدي بعضهم البعض قبل وجبة العشاء ويقولون “السلام عليك“. مثلنا". آيا تبدو عليها ملامح ذات بعد نقدي وتساءلت "وماذا يقول الكاثوليك؟". "الكاثوليك" غير بعيدين من هنا، فهم يجلسون في القسم المجاور.


منذ بداية الموسم الدراسي الحالي يتلقى 2.500 تلميذ مسلم من أصل 320.000 في ولاية شمال الراين وستفاليا "دروس الدين الإسلامي" على منهاج المذاهب الإسلامية، وهي مادة جديدة في المجال التعليمي الألماني. فالمدارس الابتدائية الكاثوليكية في "دومهوف" في "باد غوديس بيرغ"، التي يدرس فيها باوكنيشت، هي من بين ثلاثة وثلاثين مدرسة التي انطلقت فيها العملية. ففي شهر شتنبر/أيلول من عام 2011 تمت المصادقة على القانون المنظم لتلك المادة بفضل أصوات التحالف الحكومي للحزب ألاشتراكي وحزب الخضر الحاكم في ولاية شمال الراين وستفاليا وبأصوات الحزب المسيحي الديموقراطي.

ويحظى هذا التقدم بقبول واسع، لكن نموذج المجلس الاستشاري المُحدث من طرف حكومة الولاية أثار مشاعر الغضب خصوصا من في صفوف الأشخاص الذين تعبئوا منذ سنوات من أجل برمجة مادة "دروس الدين الإسلامي" في المدارس.

عقلية محافظة

لمياء قدور الصورة زويز
لمياء قدور، باحثة في علوم الإسلام مربية وكاتبة ألفت ثلاثة كتب مدرسية حول مادة التربية الإسلامية في المدارس الألمانية. تشغل منصب رئيسة الاتحاد الإسلامي الليبرالي وحصلت عام 2011 على ميدالية الإندماج مقر المستشارية.

​​

ومن بين الأشخاص الغاضبين لمياء قدور، وهي باحثة في العلوم الإسلامية ومربية وكاتبة ألفت ثلاثة كتب مدرسية حول مادة التربية الإسلامية في المدارس الألمانية. كما تشغل منصب منصب رئيسة الاتحاد الإسلامي الليبرالي وحصلت عام 2011 على ميدالية الإندماج مقر المستشارية. وقبل ذلك بعام اختيرت في مدريد من بين أكبر النساء المسلمات الأكثر تأثيرا في أوروبا. وقتها سلمت عليها شيري بلير، زوجة توني بلير. أما اليوم فهي تخاف أن تصبح عاطلة عن العمل.

وتشغل لمياء قدور منصب رئيسة الاتحاد الإسلامي الليبرالي وترى أن المساواة بين المرأة والرجل حق مكفول في الإسلام. وتصف فكرة القائلين بأن أبواب الجنة هي مفتوحة فقط في وجه المؤمنين الملتزمين ب"عقلية دينية لحارس العمارة". كما ترفض قدور منع شريط الفيديو المسيء للرسول محمد، والذي جيش مشاعر الشارع العربي. وترى أن المسلمين في ألمانيا ليسوا في حاجة إلى معاملة تفضيلية. 

مثل هذه التصورات ليس مرحبا بها في صفوف المسلمين التقليديين المحافظين، وأيضا في صفوف الاتحادات الأربع الكبرى لمسلمي ألمانيا. لكن هذه الاتحادات الأربع، التي تمثل 15 بالمائة من مسلمي ألمانيا، ستتشاور قريبا فيما بينها بخصوص قضية "الإجماع الديني" بأحقية لمياء قدور بمواصلة التدريس في المدارس. وتقول قدور أن الوضع بالسخيف وتتساءل: "ماذا سأقول عندما يسألونني لماذا لا أرتدي الحجاب؟ وماذا سيحصل عندما يلاحظون أنني نشرت مقالا حول الموضوع؟ هل سيرفضونني؟".

اللغة الألمانية

تم تدريس “مادة الدين الإسلامي باللغة الألمانية” لمدة اثني عشر عاما في إطار تجريبي في مدارس شمال الراين وستفاليا وحتى ذلك الحين لم يكن تحقيق أكثر من ذلك ممكنا. وكان الأمر يتطلب وجود جماعة دينية معترف بها، لإطلاق مادة للتدريس مرتبطة بطائفة دينية. ولأن الإسلام لا يتوفر على بنيات شبيهة بالكنيسة، تم اللجوء إلى تركيبة مُساعدة وهي شعبة رسيمة لعلوم الإسلام. لكن على مستوى الممارسة فالوضع كان في الماضي مختلفا:


فالوزارة رخصت فقط للمدرسين المتمسكين بتعاليم الدين الإسلامي، وتقول دروتيا باشين، مسيرة مدرسة أندريا في باد غوديس بيرغ، أنه" أصبح واضحا للجميع أن هدف هذا المشروع هو تدريس مادة لتدريس الإسلام ذات توجه مذهبي ". "لكن ما كان ينقص هو تحقيق المساواة القانونية مع مواد تعليمية للطوائف الدينية الأخرى.".ولتحويل هذه المادة أخيرا من وضعها المؤقت إلى مادة تتساوى مع مثيلاتها، تطلب الأمر من وزارة المدرسة والتربية في ولاية شمال الراين وستفاليا أيجاد مخرج قانوني. فباتفاق مع مجلس تنسيق المسلمين بألمانيا تم إحداث مجلس إستشاري يتخذ بعد الطائفة الدينية. وعلى مستوى الممارسة سيتكفل المجلس بإخضاع المعلمين إلى „إمتحان الإجماع الديني“ـ الأهلية الدينيةـ والمصادقة على الكتب المدرسية. هدف هذا المشروع النموذجي هو الحفاض على حيادية الدولة، عن طريق ترك الاختيار للمجموعات الإسلامية لتحديد ما يدخل في صلب التعاليم الإسلامية وما ليس كذلك، كما هو الحال مع تدريس الديانة المسيحية.

مسألة التمثيل

د ب ا
الإسلام على خطة تدريس المواد المدرسة: كأول ولاية ألمانية، أدمجت ولاية شمال الراين وستفاليا هذه المادة بشكل تدريجي. ولأن المنظمات الإسلامية لم يعترف بها إلى حدود الآن كطائفة دينية، تم اللجوء إلى المجلس الاستشاري للمسلمين كبديل لوضع برامج التدريس والكتب المدرسية والمشاركة في اختيار المربيين البيداغوجيين.

​​

ويبقى المشكل المطروح هو: من يستطيع تمثيل الطوائف الإسلامية؟ فالمجلس الإستشاري الذي تم احداثه حاليا يتكون من أربعة نواب: أربعة يتم اختيارهم من طرف وزارة التعليم بتوافق مع المجلس الإستشاري الإسلامي. كما تقترح المجالس الإسلامية عضوا لكل منها. وهي الاتحاد التركي الإسلامي، المجلس الاستشاري الإسلامي ورابطة المراكز الثقافية الإسلامية.


ويتحدث خصوم هدا النموذج الذي وضعته الهيئة الاستشارية عن "محاولة مأسسة فاشلة للإسلام". لكن سيلفيا لورمان، وزيرة التعليم في ولاية شمال الراين وفستفاليا، تنظر إلى ذلك ببرغماتية وتقول "يلزمنا مأسسة الإسلام كماهو الحال بالنسبة للطوئف الدينية الأخرى، وإلا فلن نتقدم إلى الأمام. فأن يغيب الإجماع بين جميع المسلمين أمر واضح“.


كل هذه العصب لديها توجه تقليدي محافظ. ف” التيار الليبرالي تم تهميشه في هذا اللقاء” على حد تعبير لمياء قدور. وقبل تأسيس المجلس الإستشاري نبهت العصبة الليبرالية الإسلامية وعصبة المسلمات الديموقراطيات الأوربية وزيرة التعليم لورمان إلى التحكم الأحادي في المشروع. وفاوضت السيدة لورمان مع تنسيقية المجلس الإستشاري إمكانية حل الهيئة الاستشارية، والتي تتوفر على أغلب الأعضاء في المجلس.


ويعتبر على كسيلكايا المتحدث باسم المجلس الاستشاري وأحد مناضليه. جاء علي كيسيلكايا عام 1973 إلى ألمانيا قادما من تركيا وكان عضوا نشيطا في الإدارة المركزية لمنظمة إيميلي غوروز. وأصبح لاحقا المدير والمتحدث الرسمي ل اللجنة التنسيقية للمسلمين. وفي عام 2006 شد إليه الأنظار بأقواله المتعلقة بارتداء الحجاب الذي اعتبره “واجبا دينيا، لا يخضع للنسبية قياسا بالدولة أو بالمكان”.


شرط التدريس: اجتياز امتحان الإجماع على الأهلية الدينية

تحيل أقوال كيسيلكايا على صراع التنظيمات الإسلامية، والذي امتد لسنوت، من أجل كسب الاعتراف. فالاتفاق الحالي، حسب كيسيلكايا ـ هو مجرد تراض بين التنظيمات الإسلامية والوزارة، لأن التنظيمات الإسلامية هي “الوحيدة التي لها الكفاءة” لاتخاذ القرارات حول الإجماع على الأهلية الدينية للمدرسين.


ويضيف كيسيلكايا أن مادة تدريس الإسلام في صيغتها السابقة تم التعامل معها ب “ تساهل” وتم وبوعي أخذ مسافة مع النقد. هذه المرحلة أصبحت في خبر كان، إذ يرى كيسيلكايا أنه من الطبيعي أن “اختبار عقيدة والسيرة الشخصية للمدرسين” هو من “ واجب وحق “ المنظمات الإسلامية، فالكنائس تفعل ذلك أيضا مع مادة الديانة المسيحية، ويقول كيسيلكايا أن “الجميع سيصبح ملزما بالتعود على ذلك”.


بالنسبة برندت رضوان باوكنيشت فقد اجتاز “اختبار الإجماع على الأهلية الدينية” وهو مصدوم قليلا. فخلال المقابلة التي دامت عشرين دقيقة طرحت عليه بالخصوص أسئلة حول مدى ولائه للمنظمات الإسلامية. وتمت مواجهته بحكم مفاده أنه “ليس مؤمنا بما فيه الكفاية”. وبعد أسبوعين على مرور ذلك الاختبار توصل برسالة من أحد أعضاء المجلس الاستشاري تطلب منه الالتحاق بأحد المنظمات الأربع. يقول رضوان باوكنيشت: ”يجب على المرء أن يتصور ذلك: كألماني اعتنق الديانة المسيحية ومختص في علوم الإسلام ومجاهر بإسلامه، لماذا يُطلب مني الدخول في تنظيم يتم إدارته انطلاقا من تركيا؟ أو الانضمام إلى جمعية ثقافية عربية؟ أو أن أصبح عضوا في المجلس الإستشاري الإسلامي الذي تسيطر عليه منظمة ميلي كوروز؟ إنه شيء لا زال يُضحك”.


وحسب إحدى الرسائل التي توصل بها برندت رضوان باوكنيشت، ففي حالة عدم رغبته في الانضمام إلى إحدى المنظمات الإسلامية، يلزمه أن يحصل على إثبات من أحد الأئمة بكونه في علاقة مواظبة بالجالية الإسلامية، والأفضل أن تكون تلك الشهادة ممنوحة من طرف إحدى التجمعات التي تنتمي لأحد التنظيمات الإسلامية الأربعة. بالنسبة لعلي كيسيلكاي، من المجلس الاستشاري الإسلامي، فذلك لا يطرح أي مشكل: “ففي الكنيسة أيضا يجب أن يكون المرء

الصورة دويتشه فيله
اعتنق الباحث الألماين في علوم الإسلام رضوان باوكنيشت فيلت الدين الإسلام ويدرس منذ تسع سنوات مادة الإسلام في باد غوديس برغرضوان باوكنيشت فيلت وينظر إلى دروسه” ك حصن ضد أشكال الإسلام الجدري.

​​ عضوا فيها”. فالمرء يريد تكوين أئمة وظيفتهم منح شواهد للمعلمين بخصوص سيرتهم السيرة وأنشطتهم داخل الجالية الإسلامية. فالدراسة، حسب كيسيلكاي، ليست حاسمة كما قال مؤخرا في أحد الحلقات الدرسية في مدينة بون. ف„الانتماء الفعال للجالية الإسلامية واتباع عقيدة صحيحة” وكذا اختبارهما، هما في نظر كيسيلكاي هم عنصران مكفولان له من طرف الدولة وهي الوظيفة التي تقوم بها تمثيليات المسلمين. أما وزيرة التعليم سيلفيا لورمان فردت في الحلقة الدراسية بالقول أن المجلس الإستشاري بصدد إيجاد دوره الحقيقي.


منذ تسع سنوات يدرس رضوان باوكنيشت فيلت مادة الإسلام في باد غوديس برغ. على بعد أقل من مائة متر من المدرسة يوجد مقر الأكاديمية السعودية، التي كتب حولها الكثير عام 2004 بسبب كتب تتضمن نصوصا فيها عبارات عنف. ثلاث شوارع بعد ذلك يتواجد مسجد يرتاده عدد من المغاربة ذات التوجه السلفي. وهناك أيضا مسجد ديتيب الذي الذي يستمد جذوره من تركيا.
ينظر رضوان باوكنيشت فيلت إلى دروسه في “مدرسة دوم/ الكنيسة” ك حصن ضد أشكال الإسلام الجدري. خلال دروسه يريد باوكنيشت فيلت إعطاء الأطفال مجالا لممارسة التأمل حول دينهم والإفصاح عن الشك الذي يغمرهم. كما يعلم التلاميذ الذين يدرسهم، والمنتمين إلى مختلف التوجهات الإسلامية، أهمية التعدد في دينهم، على حد تعبير باوكنيشت فيلت. ويقول أب لأربعة أبناء “ أطفالنا يجب أن يكونوا قاعدة للدروس.وليس أحد أوجه الصراع السياسي”.

صراعات كثيرة ممكنة

في البداية بعث ذلك الأب أطفاله إلى مادة التعليم الكاثوليكي. ويقول “ لقد كان الأمر يتعلق أيضا هناك بأسئلة حول الأخلاق. وهي مهمة لكل الأطفال”. وبعدها تم إحداث مادة الإسلاميات ويضيف انه سعيد لكون المادة تمت مساواتها قانونيا. أما باوكنيشت فيؤكد أنه يدرس منذ عشر سنوات وينظر إلى تجربته بعين الرضا “ فانتماء المعلمين إلى الجمعيات من عدمه هو مسألة شخصية”. 

بالنسبة للتلاميذ فلا شيء تغير. فعلى أحد جدران قاعة الدرس علق صليب من فسيفساء وبجانبه خط “كاليغرافي”. وفوق السبورة ضوء يصدر من “أسماء الله التسعة والتسعون الجميلة” المصبوغة بلون الذهب. وبالقرب منها لائحة أسماء وأشكال مأخوذة من الإنجيل أو القرآن كمريم/ ماريا، أيوب/ هيوب ويوسف/ جوزيف.


هدوء الآن” يقول باوكنيشت موجها الخطاب للتلاميذ. موضوع اليوم هو الخصام والمصالحة. يرسم باوكنيشت جبلا جليدي في السبورة ولا يظهر منه إلا قمته بينما الباقي يغمر في الماء. ويوضح باوكنيشت لأحد التلاميذ أن كل خصام يظهر إلى السطح يسبب جروحا في العمق، مضيفا أن المرء يجب أن يتعرف تلك الجروح لحل الخلافات.


وتنذر الباحثة في علوم الإسلام لمياء قدور بخلافات ستنشب بين مدرسي مادة الإسلام والمجلس الاستشاري للمسلمين. وتقول: "ماذا سيحدث إذا اقترن مدرس أو مدرسة ب بشريك/ة من ديانة أخرى؟ أو إذا تبين أن المعلم/ة هو مثلي/ة الجنس؟ هذا كله لم يؤخذ بعين الاعتبار أثناء الشروع في تنفيذ هذه المادة". وفي الآونة الأخيرة تقول وزيرة التعليم لورمان في سياق حديثها حول المجلس الاستشارية، بأن يجب أن يوضع نصب الأعين أن الأمر يتعلق بحل قانوني مؤقت. وفي يونيو/ حزيران من عام 2019 سينتهي هذه الصيغة المؤقتة وسيتم التفاوض من جديد.

 


إلين هوفيرس
ترجمة: عبد الرحمان عمار
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: فرانكفورتر الجيماينة تسايتونغ / قنطرة 2012