من أجل العلمانية وإلغاء الطائفية السياسية

تظاهر في بيروت في نهاية الأسبوع الماضي أكثر من ثلاثة آلاف شخص لبناني علماني ضدّ تأثير الطوائف الدينية على الحياة السياسية. وحسب وجهة نظر هؤلاء المتظاهرين فإنَّ تأثير الطائفية يعرِّض السلام الداخلي في بلاد الأرز لخطر دائم. بيرغيت كاسبر تسلِّط الضوء على مطالبة الشباب اللبنانيين العلمانيين بإلغاء الطائفية السياسية.

رفع المتظاهرون في شوارع بيروت يوم الأحد في الخامس والعشرين من شهر نيسان/أبريل الماضي شعارات مثل "شو طائفتك؟" - "ما خصَّك". وقد شارك نحو ثلاثة آلاف شخص لبناني في مظاهرة شعبية خرجت في وسط بيروت من أجل العلمانية وإصلاح النظام الطائفي - كانت الأولى من نوعها في العاصمة اللبنانية. وكان معضم المتظاهرين من الشباب والمثقَّفين والفنَّانين.

الصورة كاسبر
خوف من تأثير الدين على الحياة السياسية - تظاهر نحو ثلاثة آلاف شخص لبناني علماني في وسط بيروت من أجل العلمانية وإصلاح نظام الطائفية السياسية

​​ ويقول الممثِّل أوريليان الزوقي الذي يبلغ عمره تسعة وعشرين عامًا: "نحن نبيِّن أنَّ هناك جيلاً جديدًا يملك قيمًا مختلفة، أكثر من مجرَّد الدفاع عن موروثات دينية مكتسبة". ويضيف الزوقي أنَّهم لا يريدون الدفاع عن السلطة التي تتمتَّع بها طائفتهم، بل التفكير في لبنان مشترك.

والكثير من اللبنانيين الذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين مواطن يشتكون من الطائفية. غير أنَّهم عادة ما يعرِّفون أنفسهم في الوقت نفسه وقبل كلِّ شيء من خلال انتمائهم الديني. وفي لبنان توجد ثمانية عشر طائفة مختلفة معترف بها، وكذلك خمسة عشر محكمة دينية مختلفة تشرف على إدارة قوانين الأحوال الشخصية. ولا يوجد زواج مدني مثلما هي الحال أيضًا مع قوانين الإرث. الأمر الذي يزيد من حدة العزلة الاجتماعية القائمة بين الطوائف الدينية.

ولكن كلّ محاولة من أجل تغيير هذا الوضع يتم إفشالها من قبل المؤسَّسات الدينية - سواء كانت مسيحية أو مسلمة. وهذا ليس بغريب، على حدّ قال بول سالم، مدير مؤسَّسة كارنيغي للسلام الدولي في بيروت: "فهذا واحد من آخر وأهم معاقلهم في السلطة". وعلى أي حال إنَّ قانون الأحوال الشخصية يمس كلَّ فرد لبناني في كلِّ مرحلة من مراحل حياته.

نظام محاصصة معقَّد

وعلاوة على ذلك فإنَّ يدّ المؤسَّسات الدينية تصل إلى أرفع المناصب السياسية؛ فكثيرًا ما يتم التصريح ببيانات سياسية في خطب الجمعة من على منابر المساجد مثلما هي الحال أيضًا مع التصريح الذي يدلي به في كلِّ إسبوع البطريرك الماروني، نصر الله صفير حول السياسة الراهنة. ويحاول نصر الله صفير أن يكون مثل زعيم روحي للمسيحيين في لبنان، كما أنَّه يحدِّد اتِّجاه المسار السياسي العام، على حدّ قول بول سالم: "تمامًا مثلما يفعل الزعيم الشيعي، آية الله السيستاني في العراق، وهو لا يشارك بصورة مباشرة في الحياة السياسية، بيد أنَّه يؤثِّر فيها كثيرًا".

وكذلك يقدِّم حزب الله شكلاً آخر من أشكال النفوذ الديني؛ إذ إنَّ زعيمه حسن نصر الله يحمل لقب "السيِّد" الديني، وهو يتمتَّع من خلال ذلك بمكانة دينية ويعتبر في الوقت نفسه أقوى رجل سياسي في حزب الله الشيعي.

​​ وكذلك يعتبر الوضع في لبنان معقَّدًا للغاية، وذلك لأنَّ اللبنانيين اتَّفقوا في عام 1943 ضمن ميثاقهم الوطني على نظام ديمقراطي طائفي. وهذا يعني أنَّه يتم في بيروت توزيع جميع المناصب السياسية حسب نسبة دينية. وطبقًا لهذا النظام يجب دائمًا أن يكون الرئيس شخصًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مسلمًا سنِّيًا ورئيس البرلمان شيعيًا. وأمَّا مقاعد البرلمان التي يبلغ عددها مائة وثمانية وعشرين مقعدًا فيتم تقاسمها بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويتم أيضًا اتِّباع نظام محاصصة دينية معيَّن في تولي كلِّ المناصب في مؤسسات الدولة والقطاع العام.

ومن الممكن أن يؤدِّي ذلك على سبيل المثال إلى بقاء وظيفة ما شاغرة طيلة أشهر، بسبب عدم وجود مرشَّح مؤهّل ينتمي إلى الطائفة المحدَّدة ليشغل هذا المنصب. والمدرِّسة المتقاعدة، أمان مكوك تجد هذا النظام غير معقول، وتقول: "هذا المنصب لشخص مسلم، وذلك المنصب لشخص ماروني. ولماذا يا ترى؟ وحتى في الحكومة. لماذا يجب أن يكون الرئيس مارونيًا؟ فمن الممكن أيضًا أن يكون مسلمًا أو درزيًا أو أي شخص آخر".

نظام عادل أم في غاية التعقيد؟

ويتم تحميل نظام الطائفية السياسية في لبنان المسؤولية عن الكثير من المشكلات. ولكنه يضمن أيضًا عدم شعور أي لبناني بالغبن والتجاهل، مثلما يؤكِّد بول سالم

بول سالم مدير مؤسَّسة كارنيغي، الصورة مؤسَّسة كارنيغي
"يتم تحميل نظام الطائفية السياسية في لبنان المسؤولية عن الكثير من المشكلات. ولكنه يضمن أيضًا عدم شعور أي لبناني بالغبن والتجاهل"

​​ مدير مؤسَّسة كارنيغي، ويضيف أنَّ هذا النظام يمكن أن يؤدِّي أيضًا إلى حدوث اضطرابات. ولذلك يوصي بول سالم بإجراء إصلاحات حذرة. ومن الممكن أن يكون إصلاح قانون الانتخابات الذي يعد بقدر أكبر من المحاصصة بمثابة بداية جيدة.

ولكن لقد تم إيقاف هذا الإصلاح قبل فترة غير بعيدة، مباشرة قبل الانتخابات البلدية التي تقرَّر إجراؤها في شهر أيَّار/مايو الجاري. ويقول سالم إنَّ هذه مشكلة كلاسيكية لدى النخبة الحاكمة المكوَّنة من خمسة أو ستة سياسيين يسيطرون على زمام الأمور. ويضيف سالم أنَّهم "لن يختاروا تقاسم السلطة أو تغيير النظام في شكل يمكن أن يضعفهم".

وعلى الرغم من أنَّ أكثر من خمسين في المائة من الأشخاص الذين تم استطلاع آرائهم في استطلاع أجري مؤخرًا في لبنان قد عارضوا الطائفية السياسية، لكن لا يبدو أنَّه من الممكن أن يتم إلغاء هذا النظام البالي في وقت قريب. وعلى ما يبدو إنَّ الطليعيين فقط هم الذين يريدون في الحقيقة جعل الدين مسألة خاصة. ومعظم الناس في لبنان يخافون ببساطة من المجهول.

ويقول بول سالم: "المسيحيون يخافون لأنَّهم يعيشون في شرق أوسط مسلم. والشيعة يخافون من السُّنَّة وبالعكس. والدروز يخافون من الجميع". ويضيف أنَّ الجميع يخافون، والجميع يشعرون بأنَّهم ضحية ونظرًا لهذه الحالة النفسية فمن الصعب المضي قدمًا في إجراء مثل هذه الإصلاحات الجذرية. ولكن يجب أَن لا يمنع ذلك الشباب المتعطِّشين لإجراء الإصلاحات في بلاد الأرز من زيادة الضغط الاجتماعي على ساسة وطنهم.

بيرغيت كاسبر
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2010

قنطرة

الطائفية في لبنان:
شجرة الأرز المتعددة الطوائف
يحتل الدين مكانة قوية في السياسة وفي الحياة اليومية في لبنان، وهو ما يُعتبر من العوائق الأساسية التي تمنع تكوين قومية راسخة الجذور، والتوصل إلى سلام مستمر بين كافة فئات الشعب. آنه فرانسوا فيبر رصدت في دراسة لها الحياة اليومية للعائلات اللبنانية التي تضم أفراداً مختلفي الطوائف. مارتينا صابرا قرأت الدراسة وتعرفنا بأهم نتائجها.

تاريخ لبنان الحديث
"تاريخ لكل اللبنانيين"
اشتُهر لبنان بـ"سويسرا الشرق الأوسط"، لكنه ظل ساحةً دائمة للحروب بالنيابة. غير أن قلائل – حتى من بين اللبنانين أنفسهم – من يعرف حقيقة هذا البلد الغني بالتراث والحضارة. الباحث فواز طرابلسي يعيد كتابة تاريخ لبنان المعاصر بشكل يتجاوز حدود الطائفية. منى سركيس حاورت طرابلسي خلال عرضه لكتابه الجديد.

قراءة في العلاقات السورية اللبنانية:
رهان المتغيرات الإقليمية وإملاءات الواقع
شهدت العلاقات بين سوريا ولبنان تحسنًا كبيرًا بعد مرور خمسة أعوام على الاعتداء الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري؛ حيث عاد السفير السوري إلى بيروت واللبناني إلى دمشق وكذلك تم تبادل أولى الزيارات الرمزية بين الطرفين. بيرغيت كاسبر من بيروت تلقي الضوء على تطبيع العلاقات بين سوريا ولبنان.