حدود غير واضحة بين قناة الجزيرة وتنظيم القاعدة

أين تنتهي حرية الصحافة وأين تبدأ علاقات مشبوهة خارجة عن القانون مع إسلاميين متطرفين يخططون لارتكاب اعتداءات تستهدف مدنيين؟ سؤال مطروح للمناقشة بعد الحكم على الصحفي تيسير علوني. تقرير فيكتور كوخر.

الصحفي تيسير علوني مع زوجته، الصورة: أ ب
أرادت المحكمة بالعقوبة القاسية أن تؤكد مدى خطورة التعامل مع تنظيم القاعدة.

​​

احتجت قناة الجزيرة الفضائية القطرية على الحكم الصادر في قضية القاعدة بمدريد ضد مراسلها في أفغانستان تيسير علوني، ووصفت الحكم بأنه جائر وأكدت براءة مراسلها. وقالت الجزيرة بأن هذه سابقة خطيرة لحرية الصحافة وأعلنت أنها ستستأنف الحكم.

وأورد الموقع الخاص بالقناة سلسلة كاملة من انتقادات هيئات أخرى ضد حكم المحكمة، منها منظمة "مراسلون بلا حدود" والعديد من المنظمات الإسلامية والعربية للدفاع عن حقوق الإنسان. وانتقدت بعض هذه الهيئات نقاطا مثل الأدلة الضعيفة وتحيز المحكمة وتعسف القضاء والضغط السياسي القوي على القضاة.

حملة تضامن عبر الإنترنت

يعتبر تأييد إحدى الوسائل الإعلامية لأحد موظفيها المشهورين الذي وقع ضحية في شباك القضاء مسألة طبيعية في حد ذاتها، ولكن قناة الجزيرة دخلت بذلك في صراع مع القضاء في دولة أوروبية ذات سيادة قانونية، تستعمل الوسائل الشرعية لتحمي نفسها من التهديدات الواضحة لإرهاب تنظيم القاعدة.

وكانت قناة الجزيرة قد نظمت حملة تضامن بعد إلقاء القبض على علوني لأول مرة قبل عامين، وكانت هذه الحملة تتشابه في كثير من عناصرها مع حركات التضامن الغربية من أجل السجناء السياسيين، الذين وقعو في شباك حكم دكتاتوري أو وقعوا رهائن في يد مختطفين متعصبين.

وظهر أثر هذه الحملة من خلال استفتاء سريع بين قرّاء الموقع، فكان 87,1% من ردود الفعل ترى أن الحكم على علوني ألحق ضررا بحرية الصحافة في الغرب، و 81،9% يرون في قضية علوني أنها جزء من حملة غربية ضد قناة الجزيرة.

وهذا مما يوحي بأن الإضطهاد القضائي لمراسل عربي مسلم شهير - الذي قام آنذاك بفضح مساوئ الحرب الأمريكية على أفغانستان - جزء من حرب عالمية تقوم بها البلاد الغربية ضد المسلمين، وقناة الجزيرة لا تفصح عن ذلك بالطبع.

حدود غير واضحة

إن نظرة في ملفات قضية علوني التي نشرت قد تكون كافية لأن يتسائل أصدقاؤه عما إذا كانت عقوبة السجن لمدة سبع سنين مناسبة أم لا. والمحكمة وجهت إليه على وجه الخصوص تهمة العلاقة الوثيقة مع بعض العرب في أسبانيا ومن بعد في أفغانستان، وهؤلاء كانوا معروفين لديه أنهم أعضاء متطرفين في شبكة إرهابية.

وكان يساعدهم في الحصول على مستندات إقامة في أسبانيا، كما قام ذات مرة بتوصيل أربعة آلاف دولار. هذا ما جعله يتميز ليصبح المراسل التلفازي الأجنبي الوحيد في كابول أثناء حكم الطالبان، وأن يحظ وحده بلقاء صحفي مع أسامة بن لادن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

إن المحكمة أرادت بهذه العقوبة القاسية أن تؤكد مدى خطورة التعامل مع تنظيم القاعدة الذي قام بقتل آلاف من المدنيين. وكما ترى أسبانيا فإن قناة الجزيرة تفتقد إلى وضع حدود واضحة ضرورية بينها وبين المجموعات الإرهابية.

وكان إرسال القناة الإخبارية لتيسير علوني كمراسل محنك إلى كابول يعد نجاحا. ومن الممكن أن بعض شبكات التلفاز الأمريكية ربما كانت ستدفع مبالغ باهظة في سبيل لقاء خاص بزعيم القاعدة ولا تتورع في هذا في قبول مساعدة الوسطاء المريبين.

وقد استطاعت قناة الجزيرة عام 2001 أن تبيع مشاهد مصورة بالفيديو لابن لادن عدة مرات لقنوات التلفاز الغربية بما قيمته 250 ألف دولار لكل مرة.

إيديولوجية الضحية

إن قناة الجزيرة انبثقت آنذاك مباشرة من مشروع باللغة العربية لشبكة بي بي سي الإخبارية، وكانت قدرتها تكمن في توظيف مستخدمي المؤسسة وعمالها الذين تعلموا في لندن بمعاييرهم الغربية في الصحافة الجيدة.

وقد أدت التقارير الصحفية آنذاك – التي كانت تعرض وجهة نظر الشعوب العربية في مقابل التقارير الأمريكية المنحازة - عن الإنتفاضة في فلسطين وعن الأعمال العسكرية الأمريكية بالعراق جعلت قناة الجزيرة تدخل في خصومة متزايدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي أوائل عام 2003 قُتِلَ طارق أيوب مراسل الجزيرة ببغداد جراء قصف أمريكي استهدف مقر قناة الجزيرة. ويرى صحفيون عرب مستقلون أن إدارة قناة الجزيرة قد وقعت أكثر وأكثر تحت تأثير الإخوان المسلمين, مما يدعم الإنحياز إلى الضحايا المسلمين.

وهذا مما مهد الطريق للتعاون مع أولئك الذين يشيدون بإيديولوجية الضحية الإسلامية ويجعلونها سببا للجهاد بكافة السبل، أي القاعدة وما يشبه ذلك من حروب العصابات بالعراق. والدرس المفيد من حكم مدريد أن مثل هذه الميول النضالية غير مقبولة وهذا ما قد يكون قد أدركته إدارة قناة الجزيرة أيضا.

إلا أن حكم القضاة قابل للنقاش وليس كما يبدو في أوربا أو أمريكا. ومن الصعب على البعض أن يتقبل أن القانون يسري على الجميع، وأن الحكم حيادي، طالما العدالة الغربية يتحتم عليها أن تنشط في إطار نزاع سياسي هام جدا كالحرب الغربية-الشرقية ضد الإرهاب المعلنة.

بقلم فيكتور كوخر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
صدر المقال في صحيفة نيوه تسورشر تسايتونغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة ‏2005‏‏

فيكتور كوخر صحفي سويسري مراسل صحيفة نيوه تسورشر تسايتوغ للشرق الأوسط، مقيم في قبرص.