الملتقى العالمي للشباب في كولونيا مناسبة للحوار الديني

الملتقى العالمي للشباب الكاثوليكي، حدث ضخم جمع أكثر من مليون شاب مسيحي من جميع أنحاء العالم. تم في إطارهذاالحدث لقاء شديد الأهمية بين البابا وممثلي الجاليات الإسلامية في ألمانيا. تقرير وليد عبد الجواد

لقاء البابا مع ممثلين عن الجالية المسلمة في ألمانيا، الصورة: weltjugendtag.de
هل دخلت الكنيسة الكاثوليكية مرحلة جديدة في الحوار المسيحي-الإسلامي؟

​​

استقبل البابا في إطار الملتقى العالمي للشباب الكاثوليكي وفدا مسلما يتكون من عشرة من أبرز الشخصيات الأسلامية. حيث وجه الاتحاد التركي الإسلامي الدعوة إلى البابا لزيارة أحد المساجد أثناء زيارته لألمانيا في إطارهذا الحدث الضخم.

لم يستطع البابا تلبية هذه الدعوة نظرا لضيق الوقت وصعوبة الإجراءات التنظيمية، لذلك تم تنظيم لقاء للبابا يلتقي فيه الوفد الإسلامي. ضم الوفد الدكتور نديم إلياس، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين، والسيد رضوان جاكير، رئيس الاتحاد التركي الإسلامي والسيد مراد أصلان أغلو، الرئيس المسلم للمجلس التنظيمي لمنظمات الحوار المسيحي الإسلامي في ألمانيا، وبعض أعضاء الجمعيات الإسلامية التابعة للمساجد.

من الجدير بالذكر أن الاتحاد التركي الإسلامي والمجلس الأعلى للمسلمين هما من أهم وأكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا. تم اللقاء في إطار لقاء البابا برجال السياسة بمقر البطرياركية الكاثوليكية بمدينة كولونيا.

آمال وتوقعات

أراد البابا من خلال هذا اللقاء أن يواصل مسيرة البابا السابق ويعطي مثالا يحتذا به لاحترام الآخر والاعتراف به كأساس للسلام والتفاهم بين الأديان. كما دعا البابا إلى التغلب على تجارب الماضي المرير والتعلم منها و"نزع جذور الكراهية من القلوب". كما ركز بصفة خاصة على أهمية العمل الجماعي لمواجهة الإرهاب والعنف اللذان يرتكبان باسم الدين، وأوضح أيضاً دور العلماء في توصيل قيم السلام والحب التي يدعو إليها الدين، فالعلماء هم حملة الكلمة، و"الكلمة هي الطريق الرئيسية لتربية النفس" على حد تعبيره.

وهذا الموقف ليس جديدا فقد رحب البابا بأعضاء الجمعيات الإسلامية في ألمانيا في اليوم التالي للاحتفال بتوليته المنصب قائلا: "إنني أعبر عن امتناني الخاص لحضور أعضاء الجمعيات الإسلامية، وأعبر عن تقديري لأهمية زيادة الحوار بين المسلمين والمسيحيين."

أثنى نديم إلياس على حديث البابا ووصفه بالحكمة والموضوعية والحياد والخلو من الأحكام المسبقة ضد المسلمين، كما أعرب عن أمله في ديمومة هذا الحوار بين المسيحيين والمسلمين وتوطيد أسسه عن طريق التعاون بين الكنيسة والمؤسسات الإسلامية المعترف بها مثل الأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ورابطة العالم الإسلامي.

أما السيد مراد أصلان أغلو فقد قال: "إنني أتمنى أن تُستقبل إيماءة البابا هذه والتي لم تكن متوقعة بصورة إيجابية في العالم الإسلامي، لتزيد من روح التعاون بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، لاسيما وأن العلاقة الطيبة التي تسودها الثقة لها أهمية خاصة في الأوقات الحالية. أنا أفكر في العنف الذي يبرر بالدين"

تعاون بين المسلمين والمسيحيين في ألمانيا

لقد ساعد هذا الحدث الكبير على إظهار إمكانية التعايش والتسامح بين المسلمين والمسيحيين في ألمانيا، حيث أعلنت إدارة المسجد التركي الإسلامي في نيدركاسيل فور علمها بحاجة ضيوف هذا الحدث الضخم من الشباب إلى أماكن للمبيت استعدادها لاستضافة الزائرين المسيحيين. وقال رئيس الجمعية المسؤولة عن المسجد: "يجب أن ندعم الشباب المسيحي إذا قاموا بمثل هذا العمل". واستضاف المسجد تسعة وخمسين شابا من جميع أنحاء ألمانيا.

وأقيمت شعائر صلوات من أجل السلام شارك فيها أتباع كافة الأديان من يهود ومسيحيين ومسلمين وغيرهم في كنيسة فرانسيسكانر يوم السابع عشر من أغسطس/آب الجاري. وترتبط تقاليد هذه الشعائر بلقاء الصلاة الذي دعا له البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1986 ممثلي الأديان في العالم.

كما دُعي المسلمون واليهود وغيرهم للمشاركة في حفل ختام الملتقى العالمي للشباب. فعلى الرغم من أن هذا الملتقى هو ملتقى مخصص للشباب الكاثوليك إلا أنه حظى بمشاركة العديد من أتباع الديانات الأخرى.
الحوار مع الإسلام في ألمانيا بين الماضي والحاضر

يعود تاريخ حياة المسلمين في ألمانيا إلى بواكر القرن السابع عشر وفقا لما تدل عليه شواهد أقدم المقابر الموجودة بالقرب من مدينة ليمغو وفي مدينة هانوفر. بينما يرجع تاريخ افتتاح أول مسجد قائم حتى الآن في ألمانيا وبالتحديد في حي فيلمرسدورف بمدينة برلين إلى عام 1925.

وتطور وجود الجالية الإسلامية في ألمانيا لتصبح أحد أكبر الجاليات في البلاد. وعلى الرغم من هذا التواجد الملحوظ للمسلمين في ألمانيا وعدم انخراط العديد منهم في المجتمع، فلم تبذل جهود كافية لدمج العناصر الإسلامية في المجتمع. ولم يبدأ هذا الاهتمام إلا بعد ظهور عواقب هذا الانعزال الاجتماعي والثقافي، فهرول الجميع يبحثون عن الأسباب والعلاج السريع لهذه المشكلة.

وقد كانت الكنيسة الكاثوليكية إحدى المؤسسات التي اهتمت بتوطيد أواصل الحواربين المسلمين والمسيحيين، حيث أسست الكنيسة منذ ما يربو على الثلاثين عاما ما يسمى بملحق الحوار بين الأديان والمعتقدات. تأسس هذا الملحق بناء على المبادرة التي قام بها الكاردينال هوفنر في الاجتماع الثاني للفاتيكان بهدف مساعدة العمال الأتراك للاندماج في المجتمع وتوطين الإسلام في ألمانيا وخلق الوعي بوجوده.

يقول السيد فيرنر هيبش، رئيس ملحق الحوار بين الأديان والمعتقدات بمدينة كولونيا:"الإسلام بالنسبة لنا ليس ضيفا، يأتي لفترة مؤقتة ثم يذهب، ولكنه ينتمي للخريطة الدينية الطبيعية في ألمانيا". ويستقبل هذا الملحق أسبوعيا من ثلاثين إلى أربعين مسلما، يقدم لهم العون للتغلب على المشاكل الاجتماعية وغيرها.

وأول ما يطرأ على الذهن هو أن الكنيسة تقوم بهذا النشاط بهدف التبشير. وردا على هذا يقول السيد هيبش: " نحن نقوم بهذا من أجل دعم العدالة الاجتماعية، لا من أجل التبشير كما يعتقد البعض. فنحن نحترم معتقدات الآخر، ولا نريد المساس بها". كما قال السيد أصلان أوغلو إن العلاقة بين الأديان يجب أن تقوم على الثقة المتبادلة، فقد أكد السيد هيبش الشيء نفسه قائلاً في هذا السياق: "لا يمكن الحوار إلا عند وجود الثقة، ونحن نأمل في المزيد من الثقة والتعاون من جانب المسلمين."

تواصل بين الكنيسة الكاثوليكية والشباب

يعد الملتقى العالمي للشباب الكاثوليكي نجاحا كبيراً للكنيسة في مجال الحوار الديني مع الشباب المسيحي بالدرجة الأولى، فقد نجحت الكنيسة في جمع شمل حوالي مليون شاب مسيحي أتوا من جميع أنحاء العالم لتفيض بهم شوارع مدينة بون وكولونيا في تظاهرة دينية كبيرة أشبه ما تكون برحلة الحج. وقد أطلق بالفعل لفظ الحجاج على الشباب المشارك.

تم تنظيم العديد من اللقاءات للحديث مع الشباب ليس عن القضايا الدينية فحسب بل وعن القضايا السياسية والاجتماعية أيضا. كما شارك الشباب أنفسهم ليظهروا موقفهم من قضايا معينة مثل الإرهاب والعنف الديني.

خطا البابا في هذا الحدث كنجم كبير يجتذب أنظار الشباب ويتحدث إليهم مباشرة في القضايا التي تشغلهم وتهم مجتمعاتهم. وبذلك حقق البابا من خلال هذا الحدث هدفين مباشرين من الأهداف الثلاثة التي وضعها لسياسته عقب توليه المنصب، ألا وهي حوار الأديان والحوار مع الشباب وتوحد الكنائس.

ويعد هذا الحدث مثالا يحتذا به للتواصل بين الشباب والقيادات الدينية، حيث تفتقد البلاد العربية للأسف إلى هذا النوع من الخطاب الديني المباشر مع الشباب وإشراكهم في قضايا مجتمعهم. وكما عَقَّب الداعية الشيخ طالب الصالح من كندا على اللقاء العالمي السابق للشباب الكاثوليكي في مدينة تورونتو عام 2002 فقد تأخر الخطاب الديني الإسلامي في شكله وآلياته إذا ما قارناه بالخطاب الديني الكاثوليكي. كما قال نديم إلياس نفسه:"نحن المسلمون ننظر اليوم بعين شابها اليسير من الحسد إلى الكاثوليك في ألمانيا"

الغريب هنا أن هذا الحوار الديني والجهود المبذولة من كلا الجانبين الإسلامي والمسيحي من أجل دفع هذا الحوار لم تحظى بالتغطية الإعلامية المطلوبة في العالم العربي

بقلم وليد عبد الجواد
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

حوار الأديان
يقدم الملف التالي أمثلة عن مبادارات الحوار الموجودة في ألمانيا وبلدان أخرى.