الخوف من الإسلام يذكر بمعاداة السامية

توجد في بريطانيا جماعات دينية عدة التي تهدف إلى دعم الحوار بين المسلمين واليهود، وهو حوار أثمر عن نتائج طيبة ومشجعة، لكن المشكلة تكمن في السياسة العالمية التي تلقي بظلالها على الحوار. تقرير من كليا كولكات.

المركز الإسلامي في إلفورد، الصورة: كليا كولكات / Café Babel
المركز الإسلامي في إلفورد

​​توجد في بريطانيا جماعات دينية عدة التي تهدف إلى دعم الحوار بين المسلمين واليهود، وهو حوار أثمر عن نتائج طيبة ومشجعة، لكن المشكلة تكمن في السياسة العالمية التي تلقي بظلالها على الحوار. تقرير من كليا كولكات

تقول الدكتورة هريت كربتري، نائبة مدير شبكة الارتباط بين الأديان في بريطانيا العظمى إن "من الظواهر الطبيعية جدا أن تصبح مجتمعاتنا متعددة الطبقات". وهذا هو أحد الأسباب وراء تكوين مجموعة كبيرة من المنظمات متعددة الأديان في السنوات الأخيرة. وترى الدكتورة كربتري أن تكوين هذه المنظمات يرجع إلى الهجمات الإرهابية في نيويورك ولندن ويرجع أيضا إلى أنه يتم الإنفاق الآن على هذه المشاريع بسخاء من موارد مالية حكومية.

منظمات دينية سطحية

كل هذا وضع قادة الجماعات الدينية والجاليات التابعة لهم يصبحون في محط الأنظار وصار لزاما عليهم أن يثبتوا حسن النية والتعاون بينهم. يوجد اليوم حوالي 235 منظمة دينية في المملكة المتحدة، بينما كان تعدادها عام 1980 إثنتي عشرة فقط. وربما تكون هذه خطوة على الطريق الصحيح.

ينتقد مولانا محمد جاهد رضا الإمام الأكبر للمسجد المركزي في مدينة لايسستر تلك المنظمات الدينية، ويتهمها بالسطحية قائلا: "إننا نتقابل ويبتسم كل منا في وجه الآخر ويعانق بعضنا البعض ويصافح كل منا الآخر ثم نبدأ الحديث ونطرح مشاكلنا. إن أهم من ذلك أن نقدم حلولا مقبولة لمشاكلنا".
ما الفائدة المرجوة من تلك المنظمات في تكثيفها للحوار بين الأديان ودعمها للتفاهم في ما بينها؟

الخوف من الإسلام

"هل تفهمون اللغة العربية؟" طرح هذا السؤال الحبر دافيد هولبرت عندما نظرنا من أعلى إلى المصلى، أي المكان المخصص للصلاة، وقال: "إنها مثل اللغة العبرية تماما". إن الديانات الإبراهيمية الثلاث تشابه بعضها البعض أكثر مما يتصور المرء. يعتبر الحبر أحد أعضاء منظمة الأديان الثلاثة، وهي منظمة تدعم الحوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود. هذا الرجل الكبير القوام، والذي يعرف كل مكان في المسجد، قادنا بخطىً خفيفة خلال الطابق العلوي المخصص للنساء.

في الأسفل يصلي الرجال المسلمون من منطقة إلفورد بشرق لندن، يؤمهم إمام باكستاني، حيث يدير لنا ظهره متجها إلى مكة ثم يبدأ في الصلاة بالترتيل. معظم المسلمين جاءوا من أصول باكستانية ويرتدون قبعات مختلفة حسب موطن كل فرد. هؤلاء يحتفلون بعيد الفطر في نهاية شهر الصوم رمضان. الصالة دافئة ومليئة بالأنوار، أما الصالة العلوية المخصصة للنساء فبقيت فارغة.

قنطرة

ملف خاص عن حوار الأديان

​​إجراء حوار بين الأديان المختلفة هو إحدى دعائم التعايش السلمي في مجتمع متعدد الثقافات. يقدم الملف التالي أمثلة عن مبادارات الحوار الموجودة في ألمانيا وبلدان أخرى. المزيد ..
بعد الصلاة التقينا برئيس المركز الإسلامي في إلفورد، السيد غازانفر علي. حيّى كل من الحبر ورئيس المركز بعضهم البعض. في هذه المدينة - التي تبلغ نسبة المسلمين فيها ثلاثة عشر في المائة من تعداد السكان واليهود ستة في المائة – يتمتع كل منهما بنفوذ قوي. بعد مراسم التحية والشكر تكلم غازانفر علي عن الصعوبات الحالية وقال: "يرى المسلمون أنهم يواجهون حاليا مخاوف تزداد يوما بعد يوم من الإسلام".

إلا أن رئيس المركز الإسلامي اعترف بوجود متطرفين أيضا بين المسلمين. وأشار الحبر هولبرت إلى أن اليهود متعاطفون تعاطفا كبيرا مع المسلمين الذين جاءوا في العقود الأخيرة، ويقول: "الخوف من الإسلام يذكر بمعاداة السامية". ويضيف موضحا: "أن اليهود هنا جالية عريقة وكانوا يواجهون في بداية القرن الماضي نفس ما يواجهه المسلمون اليوم".

مواقف مشتركة بين اليهود والمسلمين

يقف كل من السيد غازانفر علي والحبر هولبرت تجاه سياسة الحكومة موقفا غاية في الحذر، وينتقدان السيد جاك استرو، العضو في مجلس العموم البريطاني، الذي دعا الى أن تقوم النساء بخلع النقاب عن وجوههن. يعلق على ذلك السيد غازانفر علي قائلا: "إذا كنا نعيش في مجتمع يسمح للناس أن تمشي مثل العرايا في الشارع، ألا ينبغي لنا أن نسمح لهن بلبس النقاب، فليست كل المسلمات يردن تغطية الرأس".

ويضيف الحبر هولبرت: "بعضهن يلبس الحجاب والأخريات لا يفعلن ذلك. انظروا إلى أفلام بوليوود، ليس ثمة أي ممثل يلبس غطاء رأس دينيا". وعندما انتقد السيد جاك استرو النقاب بعث اليهود بخطاب يساندون فيه المسجد ويقولون إن النساء لهن الحق في لبس النقاب. وفي المقابل أرسل المسجد وفدا إلى الجالية اليهودية عندما اعتدى شباب أسيويون على مجموعة من اليهود في إلفورد.

على ما يبدو أن اليهود والمسلمين يشكلون هنا جبهة موحدة ضد الحكومة. وعندما سُئل الحبر عما إذا كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يؤثر تأثيرا سلبيا على العلاقات قال: "بالطبع، ولكنني لست إسرائيليا وجاري ليس فلسطينيا. يجب علينا أن يتحمل كل منا الآخر".

متعصبون من الطرفين

لكن هناك سؤالا يطرح نفسه: إلى أي مدى يتفق المؤمنون على هذا الموقف، وإلى أي مدى يمثل القادة الدينيون جالياتهم بالفعل؟ هنا يعترف الحبر هولبرت بأنه "لا يشترك كل اليهود في ندوة الأديان الثلاثة، فبعضهم يرفض ذلك لأسباب دينية والبعض الآخر لا يهتم بذلك". واليهود غير الليبراليين لا يريدون في الغالب المشاركة في الندوات.

الحبر دافيد هولبرت والسيد محمد عزام أمام المركز الإسلامي في إلفورد، الصورة: كليا كولكات  / Café Babel
الحبر دافيد هولبرت والسيد محمد عزام أمام المركز الإسلامي في إلفورد

​​في الواقع يعترف بعض أعضاء الندوة من المسلمين بالعداء صراحة ضد السامية، كما أن الإختلاف في وجهات النظر حول وضع الفلسطينيين والإعتراف بدولة إسرائيل يؤثر تأثيرا سلبيا على العلاقات. بحسب ما قاله السيد محمد عزام فان أحد الأعضاء من اليهود الأرثوذكس كان قد ترك الندوة "بعد ما وصف خطأ أحد الأعضاء المسلمين بأنه معادٍ للسامية". كما أن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين عام 2001 ساهمت في تعقيد العلاقات المتبادلة بين الأديان.

تأثير الصراعات الدولية

يرى الحبر هولبرت أن إسرائيل "دولة متسامحة دينيا"، وأن "الفلسطينيين عاشوا خارج إسرائيل". ويرى الدكتور إدوارد كيسلر، مدير مركز العلاقات اليهودية المسيحية، أن الحوار بين اليهود والمسلمين تغلب عليه "عدم استطاعة الجماعتين فتح باب الحوار حول تأثير الصراع الشرق أوسطي على الجاليتين".

تعتبر الأراء المختلفة حول فلسطين وإسرائيل عائقا كبيرا أمام التعاون بين الأديان في منطقة إلفورد. وعلى ما يبدو هناك تناقض في الموقف، فالسياسة العالمية هي أحد أسباب قيام المنظمات متعددة الأديان، ولكنها عائق أساسي أمامها أيضا.

يتوجه الحبر دافيد هولبرت الآن إلى عملية ختان، ويسرع السيد غازانفر علي إلى أداء الصلاة الثالثة أو الرابعة. ويشرح السيد محمد عزام وهو مستغرق في التفكير أن الجيل القديم ليس لديه استعداد للإعتراف بتحديات هذا الصراع وأن الجيل الأول من المهاجرين المسلمين بذلوا الكثير من الجهد الشاق، وأن المسؤولية تقع الآن على عاتق الشبان المسلمين واليهود.

تقرير كليا كولكات
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

صدر التقرير في موقع cafe babel

قنطرة

البحث عن آلية جديدة
استضافت العاصمة الروسية موسكو قمة عالمية لممثلي الديانات الكبرى بهدف التوصل إلى نقاط مشتركة بين الأديان والحد من التوتر القائم بين الحضارات. منظمو القمة يؤمنون بأن الاختلافات الدينية لا تمنع من إيجاد قاعدة مشتركة للحوار.

الحوار في ألمانيا على المحك
يرى أيمن مزيك وجود توتر في العلاقة بين بعض ممثلي الكنيسة البروتستانتية والجالية المسلمة في ألمانيا ويقدم اقتراحات لدفع عجلة الحوار إلى الأمام.