شيلر بدل غوته

بعيدًا عن الجولات السياحية وخارج نطاق مدينة صنعاء القديمة، يقوم البيت الأَلماني للتعاون والثقافة منذ خمسة أَعوام برعاية حوار بين الثقافات. لاريسا بندر أَعدَّت هذا التقرير من هناك.

البيت الألماني في صنعاء، الصورة: لاريسا بندر
يعتبر العمل الثقافي في البيت الأَلماني بمثابة قبلة لمن يهتمون بالثقافة الأَلمانية والأوروبية

​​

"ما هو الشكل المعهود لدى الأَلمان في تنظيم أَوقات فراغهم في أَلمانيا؟ - مثلاً نزهة يوم الأَحد، التي يقوم بها الأَب والأم والأَطفال؛ حيث تكون ملابسهم مناسبة للطقس. وفي المقابل كيف يقضي نظراؤهم اليمنيون أَوقات الفراغ؟ رجال يمضغون القات في سيارة تاركين نوافذها مفتوحة، فوق مرتفع يطلّ على منظر واسع، من دون أَطفال ومن دون نساء".

غيدو تسيبيش يروي لنا كيف يمكن القيام بحوار بين الثفاقات، في زمن يظهر فيه من جديد شبح "حرب الثقافات" في وسائل الإعلام، ويقع فيه خلاف حول رسوم كاريكاتورية، حيث تحرق سفارات ويتم خطف بعض الأَجانب في اليمن.

يوجد مثل هذا الحوار ما بين أَشخاص من أَلمانيا وآخرين من اليمن، يقومون بعرض وجهات نظرهم الثقافية المختلفة حول مواضيع معيَّنة من الحياة اليومية - مثل أَوقات الفراغ والرفاهية والأَماكن العامة؛ ثم يتم إخراجها بإشراف المصوِّرة الفوتوغرافية الأَلمانية أندريا هوبَر.

يعتبر هذا المشروع واحدا من بين مشاريع كثيرة، يتعاون فيها مشاركون من أَلمانيا واليمن ويحاولون تجاوز الحدود الثقافية. تتاح الفرصة لذلك في البيت الأَلماني في صنعاء، الذي تم تأسيسه قبل خمسة أَعوام من قبل بعض اليمنيين المهتمين بأَلمانيا وكذلك بعض الأَلمان المقيمين في صنعاء، وبهدف دعم اللغة والثقافة الأَلمانية.

التعريف بالثقافة

يقول غيدو تسيبيش، وهو عضو عامل في مجلس إدارة البيت منذ بداية عام 2003: "كانت فكرة التأسيس هي التعريف بالمشاريع المنتشرة في مجال التعاون التنموي وكذلك في مجال الثقافة".

يعتبر العمل الثقافي في البيت الأَلماني بمثابة قبلة لمن يهتمون على المدى الطويل بالثقافة الأَلمانية والأوروبية.

فعلى سبيل المثال يتدرَّب في هذا البيت فنانون بهلوانيون من أَلمانيا وفرنسا بالتعاون مع فنانين يمنيين على أَداء حركات وأَلعاب بهلوانية أَو السير فوق سيقان بهلوانية طويلة، وبإشراف الممثِّل البرليني والمخرج المسرحي ماتّياس فريدريش يتمرَّن ممثِّلون يمنيون غير محترفين على مسرحية "اللصوص" للشاعر فريدريش شيلر، كما يشترك عازف الجاز الأَلماني بيتر بروتسمان بالعزف مع زملاء يمنيين - إذ بلغ في عام 2004 مجموع الحفلات التي أُقيمت في البيت الأَلماني 42 حفلاً حضرها حوالي 950 زائرًا، زدّ على ذلك أَنَّه تم فيه عرض الكثير من الأَفلام.

كذلك أَصدر البيت الأَلماني بدعم من وزارة الخارجية الأَلمانية في العام الماضي مجموعة مختارات أَدبية لمؤلِّفين يمنيين. لقد سبق وقدَّم معظم كتَّاب هذه المختارات أَعمالهم في البيت الأَلماني، أَما المختارات الصادرة عن البيت فهي تجمع ما بين النصوص العربية الأَصلية وترجماتها الأَلمانية التي قام بها ينس فينتر.

في الواقع يعمل غيدو تسيبيش موظَّفًا في السفارة الأَلمانية في مجال اللغة والثقافة وهو مسؤول عن إدارة شؤون اللّغة الأَلمانية كلغة أَجنبية في اليمن ضمن إطار غير أَكاديمي. بيد أَنَّه يقوم كل يوم بعد الساعة الخامسة مساء بدور مدير البيت الأَلماني في العاصمة اليمنية صنعاء - وعمله هذا طوعي يمتاز بالكثير من المثابرة.

غيدو تسيبيش، الصورة: لاريسا بندر
غيدو تسيبيش:"كانت فكرة التأسيس هي التعريف بالمشاريع المنتشرة في مجال التعاون التنموي وكذلك في مجال الثقافة".

​​كما أَنَّ العمل المشترك القائم ما بين السفارة الأَلمانية والمركز الثقافي يتجاوز هذه المجموعة من المشاركين ليشمل أَيضًا برنامج الدورات اللّغوية التابعة للسفارة الأَلمانية، التي يتم تقديمها في مقر البيت الأَلماني.

يزداد اهتمام اليمينيين بشكل مستمر باللّغة الأَلمانية. ففي حين بلغ في عام 2003 عدد كلّ المسجَّلين في دورات اللّغة الأَلمانية 180 مشاركًا، ارتفع عددهم في عام 2004 إلى 400 مشارك. كذلك تم تحقيق هذا العدد في عام 2005.

الدراسة في أَلمانيا

لكن من هم الذين يتعلَّمون اللّغة الأَلمانية في بلد، تبلغ فيه نسبة العاطلين عن العمل حوالي 40 بالمائة وكذلك نسبة الأُميين حوالي 52 بالمائة؟ "تعدّ أَلمانيا بلدًا محبوبًا في اليمن، كما يوجد طيف واسع من نقاط التلاقي. وسبب ذلك هو توجّه اليمنيين إلى أَلمانيا من أَجل الدراسة عوضًا عن البلدان الناطقة بالإنكليزية؛ ومن ناحية أحرى لأَن رسوم الدراسة الجامعية منخفضة في أَلمانيا عما هي عليه في دول أخرى" على حدّ قول تسيبريش.

قال محمد النصر مكمِّلاً، وهو كذلك أَستاذ للّغة الأَلمانية: "تنشأ أَيضًا في قطاع السياحة فرص عمل أخرى". حتى أَنَّ الهيئة الأَلمانية للتعاون التقني أَصبحت تقدِّم دورات تدريبية لمرشدين سياحيين.

درس محمد النصر آداب وفقه اللّغة الأَلمانية في صنعاء طيلة أَربع سنين، ومن ثم تابع دراسته التي استمرَّت ثلاث سنوات في مدينة كاسل. وحاليًا لا يمارس التدريس فقط في البيت الأَلماني، بل يقوم كذلك بتدريس اللّغة الأَلمانية وآدابها في جامعة صنعاء. وهو يأَمل أَنْ يتمكَّن قريبًا من الحصول على الدكتوراه في أَلمانيا.

حتى وإنْ لم يقم معهد غوته حتى الآن بفتح مقر له في اليمن، فقد تم على كلّ حال في العام الماضي تأسيس مركز للحوار بالتعاون ما بين معهد غوته والبيت الأَلماني. يضم هذا المركز مكتبة صغيرة تحتوي على كتب ومجلات وأَفلام فيديو وأَقراص مدمجة بالإضافة إلى أَماكن لإستخدام الانترنت ومواد مساعدة لتعلّم الأَلمانية.

بقلم لاريسا بندر
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

رحلة
حوار في اليمن
للمرة الثالثة احتضنت إحدى أفقر دول العالم لقاء بين مثقفين ألمان وعرب من بينهم. سمير جريس مراسل الدويتشه فيلله رافق الوفد الألماني