"خصوصية" المجتمعات العربية ذريعة أعداء الإصلاح

تم أخيرا إعادة افتتاح مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة الذي يديره سعد الدين إبراهيم الناشط في مجال حقوق الإنسان وأستاذ علم الاجتماع بعد أن قضى أكثر من سنة في السجون المصرية. نيللي يوسف تحدثت معه عن الدمقرطة ودور أوربا في العالم العربي

الصورة: نيللي يوسف
سعد الدين إبراهيم

​​

ما هو برنامج المركز بعد فترة الإغلاق القسري الذي شهده المركز؟

سعد الدين إبراهيم: سنتبع الخط الذي سلكناه منذ البداية، حيث نعمل الآن على أربعة برامج رئيسية بالبحث والدراسة والدعوة والتنشيط الإعلامى. البرنامج الأول هو برنامج التحول الديمقراطي والمجتمع المدني والثاني حول الإصلاح الديني، الثالث هو إدارة الصراعات والسلام في المنطقة العربية والبرنامج الرابع حول التنمية الإنسانية. نبدأ الآن بهذه البرامج الذي يعد امتدادا للبرامج السابقة وحينما نستعيد ما يسمى بصحة المركز كاملة سنتوسع إلى برامج أخرى كنا نقوم بها وتوقفنا نظرا لضيق الموارد ولمحدودية الطاقة البشرية.

وهناك ندوات تقام مرة كل أسبوع. نظمنا على سبيل المثال مؤتمرا حول الإصلاح ويشهد المركز زيارات ومشاريع تتم من خلال التعاون ومن خلال شبكات الاتصال بيننا وبين مراكز أخرى شبيهة في العالم العربي والعالم ككل.

يناقش حاليا في العديد من الدول العربية وفي مصر أيضا موضوع الإصلاح والنماذج التي من الممكن تطبيقها في العالم العربي. حسب رأيك ما هو السبيل في الوضع الراهن لدمقرطة المجتمعات العربية وتقوية المجتمع المدني؟

إبراهيم: أولا لابد أن يكون هناك ضغوط داخلية من قوى المجتمع المدني مع ضغوط خارجية من القوى الديمقراطية خارج الوطن العربي. ولا اقصد هنا القوى الأمريكية فقط، بل القوى الديمقراطية الموجودة بالمجتمعات الغربية بشكل عام لتدعم القوى الشبيهة لها وتدعم منظمات المجتمع المدني العربية بصورة موحدة في الضغط على الأنظمة.

واعتقد انه لا سبيل للإصلاح سوى بالضغوط لأن المحتكرين للسلطة بالدول العربية لا يقبلون شريكا أو رقيبا لهم في السلطة و ظلوا على هذا الحال طوال ال30 أو 40 عاما الماضية ولا يبدو إنهم مستعدون للتنازل أو المشاركة في السلطة.

ونحن لا نريد إقصاء هذه الأنظمة عن السلطة تماما ولكن نريد أن يشاركوا شعوبهم فيها وأن يحتكموا إلى صناديق الانتخابات بدلا من أن يفرض عليهم التغيير من الخارج كما فرض في حالة صدام حسين بالعراق والقذافي في ليبيا وكما سيفرض على سوريا و غيرها.

أنا لا أريد أن يأتى التغيير من الخارج كفرض علينا، لأنه في هذه الحالة يكون التغيير طبقا لأجندة ومصالح الخارج في المقام الأول وربما يفيد الداخل في المراتب اللاحقة.

لذلك نتوسل للحكام العرب ونحاول الضغط عليهم من خلال المظاهرات والعصيان المدني وهذا ما نقترحه دائما واقترحناه في مؤتمرنا الأخير بالمركز وما سنظل نقترحه حتى يدرك الحكام انه لا مفر من التغيير وأن مقاومته ستؤدى إلى الانفجار.

وقد أتضح ذلك في فلسطين حيث رفض الرئيس ياسر عرفات كل محاولات التغيير وقام بالالتفات حولها إلى أن انفجر الموقف تماما.

وبالطبع تقوية المجتمع المدني تأتى بالإرداة الحرة للأحرار وهم قلائل إلا إنهم يستطيعون أن يحدثوا تأثيرا وبمزيد من الهواء الحر وبتحرير منظمات المجتمع المدني من القيود القانونية التي يفرضها الحكام بصورة تعسفية. وعلى الناس أن تبدأ حيثما تستطيع، حتى وإن كانت البداية متواضعة، فكل شيء يبدأ متواضعا ويزداد قوة بمرور الوقت.

هناك مناقشة أيضا في سياق الديموقراطية والإصلاح حول مفهوم خصوصية المجتمعات العربية. ألا تظن أن هذا المصطلح يستعمل فقط للدفاع عن الوضع الراهن وللحد من أي تغيير؟

إبراهيم: نعم وقد وضعت بهذا السؤال يدك على الحقيقة، فكل أعداء التغيير يتسترون وراء مقولة الخصوصية وهي كلمة حق يراد بها باطل لأن كل مجتمع وليس المجتمعات العربية فقط له خصوصيته وكل إنسان أيضا له خصوصيته ولكن هذا ليس مبررا للتستر على الجمود أو للمحافظة على الأوضاع كما هي بدون تغيير أو للتستر على الفساد.

فخصوصية المجتمعات العربية ذريعة يتسلح بها أعداء التغيير والإصلاح خوفا على مصالحهم. كما أن ذريعتهم الأخرى ضد التغيير أن الأولوية الآن للقضية الفلسطينية.

وهذا أيضا ادعاء كاذب لان هذه الأنظمة لم تحرر شبرا واحدا من فلسطين منذ 60 عاما وهم يتحدثون عن فلسطين ويعطلون الديمقراطية والمجتمع المدني بحجة تحرير فلسطين ولم يحرروها، والآن أيضا بحجة تحرير العراق وهم لم يرفعوا إصبعا واحدا لمساعدة الشعب العراقي عندما كان ينزح تحت ظلم واستبداد صدام حسين، فما يذرفونه من دموع على العراق و فلسطين ما هي سوى دموع التماسيح الكاذبة.

ما هو الدور الذي من الممكن أن تقوم به أوربا فيما يخص التأثير الإيجابي على العالم العربي من جهة والضغط على الولايات المتحدة من جهة أخرى؟

إبراهيم: أن تعلن بصراحة وبلا تردد أنها تؤيد التغير الديمقراطي وأن تدعم القوى المنادية بهذا التغير في الوطن العربي والمتمثلة في قوى المجتمع المدني العربية وأن تضغط على الولايات المتحدة من جهة أخرى كي تخفف من تحيزها لإسرائيل وارييل شارون لان هذه حجة أخرى مثلها مثل حجة الخصوصية التي تتخذها المجتمعات العربية.

بعد التجربة المريرة التي خضتها مع جهات حكومية مصرية ومثقفين مصريين وعرب، هل ما زال لديك أمل في إصلاح النظام السياسي في مصر؟

إبراهيم: طبعا لا يزال عندي أمل وإذا فقدت الأمل فقدت الحياة وبالتالي فمعركتي مع السلطات المصرية وسلطات الاستبداد في العالم العربي معركة قائمة سبقت دخولي السجن واستمرت داخله واستأنفها الآن بعد السجن.

ما رأيك في التغيير الوزاري و الحكومي الجديد بمصر؟ هل تراه خطوة حقيقية على طريق الإصلاح أم مجرد تغيير أشخاص كالعادة؟

إبراهيم: أرحب به و اعتبره إصلاحا بدرجة مقبولة كما رحبت من قبل بالمجلس الأعلى لحقوق الإنسان رغم انه يعتبر شيئا رمزيا وكما رحبت بتعيين امرأة للمحكمة الدستورية العليا وإلغاء عقوبة الأشغال الشاقة.

والحقيقة أنا لا ادع مظلمتي ضد هذه الحكومة المصرية تعميني عما يحدث من ايجابيات، فكوني عالم اجتماع يدفعني للتحدث عن السلبيات وعن الايجابيات أيضا حتى وإن كانت محدودة ولكن يمكن أن نطورها وأن نطالب بالمزيد.

من خلال الفترة التي قضيتها بالسجون المصرية. كيف ترى الأحوال بها الآن؟ هل مازال يمارس بها التعذيب وإهدار لحقوق الإنسان؟

إبراهيم: التعذيب مازال موجودا و هو شيئ مهين للغاية ولا مبرر له مثلما يقولون لقلة الموارد والإمكانيات. فالمطلوب مراعاة الضمير والمعايير العالمية لكيفية التعامل مع السجناء. وهذه جرائم لن يغفرها التاريخ للمسؤولين بدءً من رئيس الدولة وحتى مدير السجن والعسكري هناك.

أنت قلت أن الأقباط مضطهدون في مصر. على اي أساس ترى ذلك الاضطهاد؟

إبراهيم: مركز ابن خلدون يقوم بدراسات حول الأقليات ونحن كسرنا المحظورات بذلك. ثمة إنكار بأن هناك تفرقة ضد الأقباط في مصر. واستخدم لفظ تفرقة وليس اضطهادا لأن القبطي لا يستطيع أن يبنى كنيسة بنفس الحرية والسرعة التي يبنى بها المسلم المسجد.

وانظري إلى رؤساء البلديات في محافظات مصر المختلفة، لا يوجد بهم قبطي واحد. والتفرقة ليست ضد الأقباط فقط بل ضد النساء أيضا. وأنا وظيفتي أن أدافع عن كل ما يستحق الدفاع عنه وافضح كل ما يستحق الفضح لأجد حلولا مناسبة له.

وهذا ما عرضني لأبشع التهم بالخيانة والتكفير من هؤلاء الذين ما يزالون يعيشون بعقلية محاكم التفتيش التي كانت موجودة بالقرون الوسطى.

أجرت الحوار نيللي يوسف، قنطرة 2004

موقع مركز ابن خلدون هنا