معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية- واحة فنية متعددة الألوان

يقدِّم منذ عام 2008 معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية RSICA في مدينة العقبة الأردنية برنامجًا دراسيًا تأهيليًا بمستوى الماجستير يستمر عامين لدراسة المهن السينمائية للطلبة القادمين من الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا. مارتينا صبرا التقت مدير هذا المعهد السيِّد باولو ريماتي في العقبة وأجرت معه الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra



السيِّد ريماتي، أنت تعمل منذ أكثر من ثلاثين عامًا في مجال الصناعة السينماية وقد توليت أيضًا عدة وظائف منها وظيفة إدارية لدى الإذاعة الأسترالية. ما الذي دفعك إلى تلبية دعوة الهيئة الملكية للأفلام في الأردن وتولي إدارة معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية في العقبة؟

باولو ريماتي: أنا أعمل منذ شهر كانون الثاني/يناير 2011 في هذا المعهد. وقد كان لي في هيئة الإذاعة الأسترالية شرف الاشتراك مع السكَّان الأستراليين الأصليين في إنشاء محطة تلفزيونية وطنية للسكَّان الأصليين. وفي ذلك اتَّضح لي كم يستطيع المرء تمكين الناس من خلال تعليمهم كيفية التعامل مع وسائل الإعلام السمعية والبصرية ومنحهم الفرصة للإشراف على تحديد القصص التي يتم سردها حولهم. وأيضًا ما أثار اهتمامي في الأردن هو أنَّني مضيت هنا في طريق لم يسلكها أحد من قبل.

وبالنسبة لي تعتبر منطقة الشرق الأوسط حاليًا واحدة من المناطق الأكثر إثارة، ولذلك كان من دواعي سروري العمل هنا. وهنا في هذا المعهد نقوم بتدريس شباب في غاية الذكاء من جميع أنحاء المنطقة العربية وليس فقط من الأردن. وعندما يجمع المرء ما بين أشخاص قادمين من ثقافات مختلفة ويحاول تطوير مهاراتهم الروائية فعندئذ يستطيع تحقيق نتائج مثيرة جدًا للاهتمام.

يعدّ معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية شريكًا لجامعة جنوب كاليفورنيا في ولاية لوس أنجلوس في الولايات المتَّحدة الأمريكية. وتعتبر الهوية الثقافية والدين في العالم العربي من القضايا المهمة للغاية. فكيف تتعامل مع هذه الموضوعات في هذا المعهد؟

الصورة ريسكا
يستطيع الطلبة المتخرِّجون من معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية العمل في الصناعة السينمائية ويمكنهم كذلك العمل في مجال التعليم لأنَّ هذا المعهد يعمل بنموذج "تدريب المدرِّبين"، مثلما يقول المدير باولو ريماتي.

​​ريماتي: نحن نعمل على إبراز موضوع الهوية الذي يرتبط من وجهة نظرنا ارتباطًا وثيقًا بالممارسات الدينية. ولكننا لا نمارس أي شكل من أشكال الرقابة على محتويات الأعمال التي ينتجها طلابنا. بيد إنَّنا مع ذلك نصر على الاحترام والتعاون المهني. وفي المقابل تشكِّل الطبيعة السلطوية لأنظمة التعليم واحدًا من التحدِّيات الرئيسية في المنطقة العربية. وكذلك يوجد لدينا بعض الطلبة الذين يأتون إلينا ويتصوَّرون أنَّ المعلمين يجب أن يكونوا على معرفة بكلِّ شيء. ولذلك فنحن نحاول تعزيز التفكير الناقد وأسلوب النقاش الناقد.

وهذا يمثِّل بالنسبة لبعض الطلبة تحدِّيات حقيقية، حيث يأتون إلينا ويتساءلون: "كيف؟ هل يمكن أن يكون لي رأي؟ وهل يمكنني التفكير بنفسي؟" ونحن نقول لهم: "أجل وبكلِّ تأكيد - لأنَّ رأيكم في الفنّ هو أهم شيء!". كما أنَّنا نطلب من الطلبة التعبير عن أنفسهم ونقول لهم إذا كانت لديكم وجهة نظر خاصة حول موضوع معين فابدؤوا في سردها - في سرد قصصكم! ولكن بطريقة جيِّدة!

تم استخدام الأردن في الأعوام الأخيرة لتصوير بعض الإنتاجات السينمائية الدولية الكبيرة. ما الذي يمكن أن يقدِّمه معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية من أجل المساهمة في تعزيز المشهد السينمائي الوطني في الأردن؟

ريماتي: نحن نسعى بالتعاون مع زملائنا من الهيئة الملكية للأفلام إلى دعم وتعزيز تطوّر هذه الصناعة. وبالنسبة لي لا يعدّ معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية مجرَّد مدرسة سينمائة، بل مؤسَّسة لتطوير الصناعة السينمائية. وكذلك لا نهتم فقط بأشكال السرد الخطِّية الخاصة بالسينما الكلاسيكية بل نعمل أيضًا على إيجاد نموذج متعدّد الوسائط الإعلامية. وهذا يعني أنَّنا نستخدم وعلى نحو منظَّم جميع الوسائل الإعلامية المتاحة من أجل إحياء القصص والشخصيَّات.

مدينة العقبة مدينة صغيرة. ما هي الميِّزات التي يقدِّمها هذا الموقع لمعهدكم، معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية؟

الصورة ريسكا
التركيز على الوسائط المتعدِّدة - يتم في معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية وعلى نحو منظَّم استخدام جميع الوسائل الإعلامة المتاحة من أجل إحياء القصص والشخصيَّات، حسب قول باولو ريماتي.

​​ريماتي: توجد هنا وبطبيعة الحال نقاط قوة وضعف. ومن أسباب اختيار مدينة العقبة كموقع لمعهد البحر الأحمر للفنون السينمائية أن العقبة جزء من منطقة التنمية الاقتصادية المعروفة باسم "منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة". ولكن هناك أيضًا ميِّزات أخرى. أولاً يعتبر الجميع هنا على نحو ما في منطقة مجهولة سواء كانوا من القاهرة أو بيروت أو عمان. وثانيًا المناظر الطبيعية هنا خلابة وإذا نظرت من حولك ستلاحظين أنَّ المنظر فريد من نوعه. وبصرف النظر عن الاتجاه الذي تدور فيه الكاميرا - سواء نحو البحر أو الجبال أو الصحراء - فإنَّ المنظر هنا في غاية الروعة.

يقدِّم معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية أيضًا للسكَّان المحليين دورات لتعليم التمثيل. كيف يتعامل الناس في العقبة مع هذه العروض؟

ريماتي: نحن نحتاج ممثِّلين من أجل إنتاج الأفلام. وفي العقبة لا يوجد ممثِّلون. ولهذا السبب فنحن نقدِّم دورات أسبوعية للتمثيل. وبالمناسبة هذا يساعدنا أيضًا على بناء علاقات جيِّدة مع المواطنين. لقد اكتشفنا في العقبة بعض الممثِّلين المميَّزين. ونحن لا نعمل وحدنا كما أنَّنا نشعر بأنَّ من واجبنا تقديم شيء ما للسكَّان المحليين. ومنذ بداية هذا العام أصبحنا نقدِّم بالإضافة إلى دورات التمثيل دروسًا في الموسيقى. وأعتقد أنَّ إنجاز الموسيقى التصويرية هنا يعدّ أمرًا جيِّدًا، إذ إنَّنا معنيون في آخر المطاف بالأصالة الثقافية. ولدينا عدد من الممثِّلين الشباب الموهوبين كثيرًا، ومن بينهم ممثِّل لديه موهبة حقيقية مثل الممثِّل روبرت دي نيرو. ومن دون دورات التمثيل لم يكن بوسعنا اكتشاف هذه المواهب.

جميع الطلبة تقريبًا في معهد البحر الأحمر للفنون السينمائية أصولهم عربية. إلى أي مدى يمكنهم المساهمة في الحدّ من الكليشيهات والصور النمطية والأحكام المسبقة الخاصة بالعالم العربي؟

ريماتي: نحن نستطيع الإسهام بمساهمة متواضعة. وفي هذا المعهد متعدِّد الثقافات نستخدم اللغة الإنكليزية كلغة عمل. ولكن الطلبة ينجزون المحتويات في لغتهم الأم، وهذا يعني تقريبًا باللغة العربية وحدها؛ الأمر الذي لا يدعم فقط تطوير الصناعة السينمائية المحلية، بل يساعد الطلبة في بحثهم عن العمل. وهذا أيضًا أمر إيجابي فيما يتعلَّق بالهوية الوطنية والترابط الاجتماعي والتبادل الثقافي. ومعهد البحر الأحمر للفنون السينمائية نموذج جيِّد لعملية التبادل الثقافي.

 

أجرت الحوار: مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012