"المسلمون ليسوا كتلة متجانسة"

يناقش العديد من السياسيين حاليا في دول أوربية شتى مفهوم "التعددية الثقافية" ويشكون في مدى إمكانية هذا النموذج من دمج المهاجرين في المجتمعات الأوربية. تشارلز تايلور يدافع في الحوار التالي عن هذا النموذج.

تشارلز تايلور، الصورة: من الأرسيف الخاص
الباحث الكندي والفيلسوف تشارلز تايلور

​​يناقش العديد من السياسيين حاليا في دول أوربية شتى مفهوم "التعددية الثقافية" ويشكون في مدى إمكانية هذا النموذج الاجتماعي من دمج المهاجرين في المجتمعات الأوربية. الباحث في العلوم السياسية والفيلسوف الكندي تشارلز تايلور يدافع في الحوار التالي عن هذا النموذج.

سيد تايلور، أنت من مؤسسي فكرة التعددية الثقافية. هل تعلم أن هذا المصطلح قد غدا سيئ السمعة في ألمانيا؟

تشارلز تايلور: نعم، وهذا ينطبق على الكثير من الأماكن وليس على ألمانيا وحسب. لكن "التعددية الثقافية" تعني في ألمانيا وفرنسا شيئًا مختلفًا تمامًا عما تعنيه في بريطانيا، أو كندا أو الولايات المتحدة. لذا يكاد يستحيل استخدام هذه الكلمة للمقارنة فيما بين الدول المختلفة. وإلا سيؤدي ذلك إلى سوء الفهم ليس إلا.

أليست الاضطرابات في ضواحي العديد من المدن الفرنسية مدعاةً للإرتياب؟

تايلور: تتعلق أسباب هذه الاضطرابات بشكل كبير بالإضطهاد. إذ أن الكثير من الشباب المتحدرين من أصول معينة، أو يحملون أسماء معينة، وأحيانًا ذوي العناوين البريدية المعينة، لا يجدون عملاً لهم. الريبة من الإسلام هي إحدى القوى الدافعة لهذه العنصرية، وهي سبب تقويض الكثير من الجهود الساعية إلى الاندماج.

ثمة تخوفات في ألمانيا من الآراء المحافظة لبعض المسلمين التي تتعلق بمسألة المثلية الجنسية على سبيل المثال.

تايلور: هناك مسلمون معارضون بشدة للمثلية الجنسية بالطبع، لكن هذا لا يعني أبدًا أن جميع المسلمين يفكرون بهذا الأسلوب. ولن تزول نزاعات كهذه ما لم تفسح الأكثرية مجالاً للأقلية لركوب القارب معها.

لا جدوى من النظر لمجمل الثقافة الإسلامية على أنها خطر ماحق. ولا بد من التصالح مع المنفتحين، فالمسلمون ليسوا كتلة متجانسة. وبالتالي لا يجوز معاملتهم وكأنهم كتلة. إذ يسهم المرء هكذا في دفعهم لتشكيل كتلة بالفعل. وهذا ما لا يجوز أن يحصل.

ألم تصبح هذه الكتلة موجودة فعليًا؟

تايلور: أسلوب التفكير التكتلي هذا يشابه بالفعل النبوءة الجاهدة لتحقيق ذاتها. نحن نعتقد دائمًا، أننا لا نشكل كتلة، ونرى أن الآخرين هم فقط من يفعل ذلك. في حين أننا نكاد لا نعرف شيئًا على الإطلاق عن كيفية تفكير أكثرية المسلمين.

ماذا تعني "ثقافة الإعتراف بالآخر" في موضوع أزمة رسوم الكاريكاتور؟ لم تشكل هذه الرسوم انتهاكًا للمحرمات بالنسبة لنا. فكيف علينا التعامل في مجتمع متعدد الثقافات مع المحرمات الغريبة عنا؟

تايلور: من خلال الاطلاع عليها. ثمة أمور من شأنها أن تتسبب بالصدمة حتى للمسيحيين الليبراليين أو للنساء، لأنها تُميّز عنصريًا بين الجنسين. نحن نتجنب هذه الأمور، لأننا نريد أن نعيش بوئام مع بعضنا البعض. وبالنسبة للمسلمين هناك أمور أخرى مهمة يتعين مراعاتها.

هل يتوجب على الدولة من وجهة نظرك أن تضع حدودًا –عبر سنها لقوانين مناهضة للتحريض على الشعوب أو مناهضة للتجديف على سبيل المثال؟

تايلور: لا، لا أعتقد أن بوسع الدولة أن تحسم هذا الأمر. ولا أستطيع على أية حال أن أتخيَّل أن هناك قوانين مجدية في هذا المجال.

من يحدد إذاً ما هو مقدس لدى المسلمين. وهل يتوجب علينا أن نرضخ دائمًا للأصوات الأكثر محافظة؟

تايلور: أكثر ما نحتاجه هو حساسية أكبر في التعامل مع بعضنا البعض. التعددية الثقافية تشترط التعلُّم المتبادل والتماس الحدود التي يتوجب الالتزام بها. وبالطبع لا بد من تجاوز هذه الحدود قليلاً في سبيل اختبارها أحيانًا.

هل تعني التعددية الثقافية التسامح اللامحدود تجاه كل شيء؟

تايلور: لا! لا بد من استبعاد مسائل محددة من خلال القانون: على سبيل المثال ختان الفتيات.

وماذا عن الزواج القسري؟

تايلور: الزواج القسري يتنافى مع قوانيننا. لكن من الصعب أن نحدد الزواج القسري بدقة. تتبع جالية الهنود في كندا تقليد للزواج المتفق عليه، لكن هذا يحدث على مستوى اجتماعي-ثقافي عالٍ، بحيث لا يمكن في هذه الحالة الحديث عن إكراه وحشي. وعندما ينجح الاندماج يبتعد الجيل التالي عن هذا التقليد.

أنت متفائل. في ألمانيا يبدو أن الجيل الثاني يخطو نحو الخلف.

تايلور: من الواضح أن المجتمع المنفتح يحتاج للصبر. حين يشعر المهاجرون بأنهم غير مقبولين من المجتمع يتراجعون بخطاهم نحو الخلف. وكلما شعر المرء بالقبول، كلما قل خطر وقوعه في التطرف.

توجد أمثلة تناقض هذا أيضًا.

تايلور: الأمثلة موجودة دائمًا. أُصاب بالإمتعاض كلما فكرت بأولئك الشبان البريطانيين الذين ينتمون للطبقة المتوسطة، والذين زرعوا القنابل في الحافلات في لندن. شاهدت فيلم الفيديو الذي بثته البي بي سي عن أحد الجُناة: كان يتكلم بلهجة بريطانية، وهو مدرس وله عائلة. لكن بطريقة ما كان لديه اختلالات في الانتماء والهوية.

إلا تنطوي هذه الاختلالات في الانتماء على خطرٍ جسيمٍ؟

تايلور: نعم، فنحن نحيا في عالم يُمجدُ فيه الإرهاب الفردي باعتباره فعلاً بطوليًا غايته تحقيق الذات. ما يتعين علينا أن نتخوف منه هي حرب الحضارات، التي يدق طبولها من هم أمثال بن لادن، الذي يكسب بذلك أناس من الشباب المحبط، ممن يلتقطون أفكاره ويرتكبون فظائع الأفعال. هذا النمط من التصعيد ليس له أي علاقة بما تشعر به أكثرية المسلمين. إنه نوع من الحرب العالمية أعلنها نفر قليل من الناس وأخذ الإعلام بتداولها. لكنْ هذا لا يتوافق على الإطلاق مع توجهات أكثرية المسلمين.

بعد كل اعتداء إرهابي، تضع أوروبا المجتمع المتعدد الثقافات موضع التساؤل والارتياب من من حيث المبدأ، أكان ذلك بعد قتل فان غوغ أو الاعتداءات في لندن. لم تأخذ الأمور هذا المنحى في الولايات المتحدة حتى بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، لماذا؟

تايلور: الأمريكيون يشعرون بالتهديد من المسلمين من خارج الولايات المتحدة الأمريكية. فيما يشعر معظم المسلمين الأمريكيين بأنهم أمريكيون مئة في المائة تقريبًا، ويدعو بوش الأئمة للقاء به في البيت الأبيض. يوجد بين السكان رغم ذلك الكثير من الأحكام المسبقة تجاه العالم الإسلامي بالطبع. لكن المسلمين في الولايات المتحدة متعلمون. ولذلك ليس هناك موقف تجاههم يدّعي بأنهم السكان الفقراء غير المنصهرين.

لكن هذا الموقف موجود تجاه متحدثي الإسبانية من أمريكا اللاتينية. وصموئيل هانتينغتون يخشاهم أكثر مما يخشى المسلمين كما ورد في كتابه الأخير "من نحن".

تايلور: نعم، إنه يخشى الفقر. هانتينغتون هو المعادي النموذجي للتعددية الثقافية، فهو يعتقد أن الثقافة الأنغلو-بروتستانتية فقط هي التي بوسعها توحيد البلد سياسيًا.

ما هو الفرق بين صموئيل هانتينغتون وبينك؟ وكلاكما يراهن على صهر المهاجرين في المجتمعات الغربية على المدى البعيد.

تايلور: نعم، لكني أعتقد أن الثقافات تتغير باستمرار وتخصب بعضها البعض. الصهْر قائم لكنه يجلب معه التغيير. وأعتقد أننا في أمريكا سنواصل التحدث بالانكليزية في الأعوام الخمسين القادمة. لكن الإسبانية ستغدوا مهمة جدًا.

ماذا عن النظام السياسي؟ سيمتعض الليبراليون الغربيون في أوروبا بشدة إذا ما تأثرت قوانيننا بقوانين الشريعة الإسلامية مثلاً!

تايلور: أستبعد هذا الاحتمال. لم يتغير النظام السياسي الأمريكي بالرغم من كل الهجرات المتتالية منذ نهاية العبودية. لكن الثقافة السياسية هي التي ستتغير –أنماط المنظمات السياسية والأحزاب، فهي على سبيل المثال في أمريكا اللاتينية مختلفة تمامًا عما هي عليه في أمريكا الشمالية.

أجرى المقابلة إديت كرِستا ودانيال باكس
ترجمة يوسف حجازي
صدرت المقابلة في صحيفة تاغستسايتونغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006