"علينا إعادة التفكير في العقائد القديمة"

تعد زيبا مير حسيني، المولودة في إيران والتي تقيم الآن في لندن، من أبرز الباحثات في مجال الحركة النسوية الإسلامية. في هذا الحوار مع يوغيندر سيكاند تتحدث مير حسيني عن أصول الحركة النسوية الإسلامية وآفاقها كمشروع لتحرير المرأة المسلمة، وأهمية هذه الحركة كفهم جديد للإسلام.

الصورة موسوة
"الحركة النسائية الإسلامية تعد بشكل ما "الطفل غير المرغوب فيه" للإسلام السياسي"

​​ في السنوات الماضية نشأت في مختلف أرجاء العالم مجموعات من النساء المسلمات هدفها العمل على إيجاد العدالة والمساواة بين الجنسين، معتمدات في ذلك على أدلة من الشريعة الإسلامية. وأغلب هذه المجموعات ترأسها نساء ينحدرن من أوساط نخبوية أو الطبقة الوسطى على الأقل. لذلك يبدو أغلب هذه المجموعات أنها تفتقد إلى قاعدة متجذرة في الطبقات الأخرى الأوسع من المجتمع. كيف يمكن أن تفسري ذلك؟

حسيني: أعتقد أن معظم النساء اللواتي يعبرن كتابياً عما يُسمى على وجه الإجمال بـ"الحركة النسائية الإسلامية"، ينحدرن بالفعل إما من أوساط نخبوية أو الطبقة الوسطى. لكن من جانب آخر فإن الحركة النسائية عموماً على ارتباط بالطبقة الوسطى، على الأقل حين نستعرض سيرة أهم ممثليها وشخصياتها. أعتقد أن الحركة النسائية الإسلامية تعد بشكل ما "الطفل غير المرغوب فيه" للإسلام السياسي. وفي نهاية المطاف كان "الإسلام السياسي" هو من سيس قضايا الجندر "الجنساوية" وحقوق المرأة المسلمة. إن الشعار القائل بـ"العودة إلى الشريعة"، الذي ما برح يطلقه ممثلو الإسلام السياسي بصخب، أدى إلى العودة إلى النصوص الكلاسيكية للفقه الإسلامي وإلى التخلي عن قوانين مختلفة كانت تعود على المرأة ببعض الامتيازات، بحجة أنها تفتقد إلى القوة القانونية في التفسير الحرفي للإسلاميين.

وهذا ما قاد كردة فعل إلى نشوء الحركة النسائية الإسلامية وإلى توجيه الانتقادات للإسلاميين، الذين يريدون دمج الإسلام والشريعة بالنزعة الذكورية البحتة، مدعين في ذلك أن سيطرة الرجل تستند على إرادة إلهية. إن الناشطات في مجال الجندر، الذي يهتم بدراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل في المجتمع، يستخدمن على النقيض من ذلك أدلة شرعية من أجل توجيه النقد للإسلاميين وتحديهم. وأظهرن إلى الرأي العام نصوصاً من الفقه وتفاسير القرآن لطرحها للنقاش حول هذا الموضوع. وفي أثناء ذلك تم بعد وقت قصير تقديم مبادئ بديلة مستندة على دراسات الجندر أو ربما بشكل أفضل رؤى للإسلام. ولهذا السبب توسع هذا الأمر أيضاً، فيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية المشاركة، الحركة النسائية الإسلامية الحديثة العهد.

ولكني لست متأكدة إلى أي حد نجح الخطاب النسائي في الإسلام من الوصول إلى مديات أكبر أو من الوصول أيضاً إلى درجة ما يكمن تسميته بـ"التجذر". لكن على الرغم من ذلك فأنه يُلمح هناك ثمة تطور مشجع على الأقل، يتمثل في أنه في هذه الأثناء بدأت بعض المنظمات غير الحكومية بالعمل مع النساء المسلمات اللواتي يسعين إلى الاستفادة من هذا الخطاب ونشره. وهذا يحدث سواء في سياق إسلامي أو آخر مرتبط بحقوق الإنسان، يتم من خلاله التركيز على ضرورة العدالة والمساواة بين الجنسين في المجتمعات الإسلامية.

الصورة أ.ب
"الإسلام السياسي يدعي أنه يعطي المرأة كل الحقوق التي تحتاجها. لكن هذا يؤدي في النهاية بالنسبة للمرأة إلى ذات الهيمنة الرجولية دائماً"

​​ لكن من المؤكد فإنه يبقى من غير الممكن تعميم ذلك على جميع الإسلاميين، أليس كذلك؟ ففي نهاية المطاف توجد بينهم جملة من الآراء المتباينة، وحتى فيما يتعلق بحقوق المرأة. إذ إن بعضهم يبدو-ظاهراً على الأقل- غير معادين لحقوق المرأة على الإطلاق

حسيني: من المؤكد أن هذا الأمر صحيح، لكن من جانب آخر فإن مسألة الجندر "الجنساوية" تعد ذات أهمية كبيرة بالنسبة للإسلاميين. وجميعهم، وهذا ما يبدو بالتأكيد، يتخذون شرعيتهم في الجزء الأكبر منها من خلال نقدهم للغرب، وهو ما يعود بشكل خاص إلى المطالب بتقوية العائلة. ولا يقولون إنه ليس هناك حقوق للنساء- فلغة الإسلام السياسي هي في نهاية المطاف لغة مترعة بالحديث عن الحقوق. كلا، بل أنهم يدعون أن الإسلام يعطي المرأة كل الحقوق التي تحتاجها. لكن هذا يؤدي في النهاية بالنسبة للمرأة إلى ذات الهيمنة الرجولية دائماً.

إن التناقض بين مناصرات الحركة النسوية الإسلامية والإسلاميين ذوي النزعة الذكورية كبيرة هي الأخرى مثل التناقض بين مناصرات الحركة النسوية الإسلامية وغيرهن الكثير من مناصرات الحركة النسوية عموماً، اللواتي ينظرن إلى الحركة النسوية الإسلامية كتناقض بحد ذاته ويعتقدن أنها تصب في مصلحة الإسلاميين على المدى البعيد، إذا كانت تستند على تعريفات إسلامية وليست علمانية لحقوق الإنسان.

جملة من المنظمات غير الحكومية التي تتعاون مع نساء مسلمات، ومن بينها بعض المنظمات المشهورة بحق، التي غيرت ما يوصف عادة بـ"الخطاب النسوي" والتي ترتبط من الناحية المالية بمانحين غربيين ارتباطاً قوياً. ألا يقوي هذا حجج أولئك الذين يتهمون هذه المنظمات بالوقوع في طائلة ما يُسمى بـ"أعداء الإسلام" وتوظيفها من قبلهم؟

الصورة ا.ب
"الحركة النسائية تمثل السعي لمساواة النساء وإنصافهن في إطار عالم تسوده العدالة"

​​ حسيني: من الطبيعي أن يمثل هذا خطراً من أن هذا الاتهام الذي طالما سمعناه سيزاد شيوعه بعض الشيء أيضاً. لكن من ناحية أخرى وبأي حال من الأحول فإنه كل شخص يسعى من أجل إيجاد مساواة بين الجنسين، بغض النظر عما إذا كان معتمداً على أموال أجنبية أم لا، سيكون موصوماً بهذا. وأي بدائل متاحة أمامنا إذاً؟ والحقيقة أن الكثير من النساء المسلمات يعشن في بيئة غير ديمقراطية أو دون منظمات مجتمع مدني يمكنها أن تدعمهن في عملهن. وهذا الأمر يجبر الكثير من المنظمات غير الحكومية المتعاونة مع المسلمات إلى التوجه إلى مانحين غربيين، فالوهابيون المغتنون بالنفط في المملكة السعودية العربية لا يدعمون هذه المنظمات حتى وأن كانت تعمل في إطار إسلامي. لكن المهم هنا هو أن على الروابط النسائية، التي تُمول من مانحين غربيين بسبب نقص البدائل، أن تنتبه إلى أن لا تُستغل من قبل هؤلاء المانحين.

بغض النظر عن بعض الاستثناءات فإن أهم رائدات الحركة النسوية الإسلامية هن لسن من المسلمات العربيات. ألا ترين أن هذا غريباً، لاسيما وأن العالم العربي في فهم الكثير من المسلمين العرب، ومن غير العرب أيضاً، يشكل "قلب" الإسلام؟

حسيني: حقاً، إن أكثر المساهمات ابتكاراً في الحركة النسوية الإسلامية جاءت مما يُسمى بـ "محيط" العالم الإسلامي، أي من بلدان مثل إيران وإندونيسيا إضافة إلى المفكرين العرب في الغرب طبعاً. ومن المثير للاهتمام، تُنشر أغلب هذه الأعمال لذلك ليس باللغة العربية، بل بالانجليزية أوالفارسية أو اللغة الملايوية. أعتقد أن الشروط العامة في العام الإسلامي غير مشجعة للتعبير عن هذا الخطاب بشكل علني. ومن يحاول ذلك، يمكن أن يعرض حياته للخطر، إذ من السهل هناك وصف الإنسان بالردة ومن ثم قتله.

في بؤرة اهتمام الكثير من المنظمات النسوية الإسلامية المهمة يكمن إصلاح الحقوق الشخصية في الأطر الإسلامية، التي لا تراعي حقوق المرأة. ألا تعتقدين أن هذه البؤرة أضيق من هذا الهدف؟ إذ أن الحقوق الشخصية لا تمثل المشكلة الوحيدة التي تواجهها النساء المسلمات، فبالنسبة إلى كثير منهن يعني الفقر المتقع على سبيل المثال عبأً أكثر سوءا؟

حسيني: أعتقد أن هذه مسألة العلاقة بين الجنسين داخل العائلة، وهنا أصل الحديث عن الحقوق الشخصية في المقام الأول، تمس مسألة طبيعة النفوذ في الصميم. وإن العائلة تكون الوحدة الأساسية للمجتمع. وفقط حينما توجد هناك داخل العائلة عدالة وديمقراطية، يصبح من المتوقع أن يهيمن على المجتمع عدالة وديمقراطية. أي بعبارة أخرى: إن مفتاح إدخال الديمقراطية إلى المجتمع يكمن في مجمله في جعل العائلة ديمقراطية، وأقصد هنا العائلة. هذا يجعل الإصلاحات العادلة للحقوق الشخصية من الأمور المهمة للغاية.

زيبا مير حسيني ألفت العديد من الكتب في موضوع الحركات النسوية الإسلامية، مثل "الإسلام والجندر.

​​ هل تضع الناشطات النسويات المسلمات إذاً نصب أعينهن الأهداف ذاتها، التي تكافح من أجلها الناشطات النسويات الغربيات، أي المحاجة لكن بشكل آخر، أي بالاعتماد على أدلة من الدين الإسلامي؟

حسيني: بالنسبة إلى فأن الحركة النسوية لها وجهين: فمن جانب تكمن في إدراك أن النساء نظراً لجنسهن يعانين من التمييز في محيطهن المنزلي وفي العمل وفي المجتمع ومجالات الحياة الأخرى. ومن جانب آخر في العمل السياسي الذي يهدف إلى إنهاء هذا الوضع المزري. وبذلك فالحركة النسائية تمثل السعي لمساواة النساء وإنصافهن في إطار عالم تسوده العدالة. وهي إذاً موقف فكري ونمط حياة، أنها طريق يمكن أن يخطوه أي شخص، بغض النظر عن جنسه وعرقه وديانته والفوارق الأخرى التي يمكن أن تفرق بيننا.

لكنّ العدالة والمساواة مفهومان جدليان ونسبيان، لأنهما يشيران إلى أشياء مختلفة بالنسبة لأناس مختلفين في سياقات مختلفة. كما أن الحركة النسوية تمتلك أيضاً قابلية نظرية معرفية، بمعنى أنها تقول لنا كيف وماذا يمكننا أن نعرف. إن الحركة النسوية في الإسلام يمكن هنا، حالها في ذلك حال الأديان الأخرى، أن تسهم بالكثير من أجل فهم الدين من جانب والسعي للعدالة من جانب آخر. والحركة النسوية باعتبارها إيديولوجيا وحركة فكرية ومشروع معرفي تحتاج إلى النقد الداخلي من أجل أن تنمو وأن لا تصبح عقيدة بحتة.

في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته كان يأتي هذا النقد من الحركة النسوية للملونين ومجاميع "العالم الثالث" بالذات. وعلى سبيل المثال انتقاد الكاتبة الأمريكية أودر لورد (1934-1992) للأدب النسوي الذي كان شائعاً في الستينات ومركزاً على تجارب نساء بيض من الطبقة الوسطى وتصوراتهم الأخلاقية. وقدمت شاندرا موهانتي بمقالها الرائد "النظرية النسوية والخطاب الكولونيالي من وجهة نظر غربية" نقداً مقنعاً للعلاقات بين الحركة النسوية والكولونيالية. ومثل هذه الأعمال ساعدت الحركة النسوية على النمو نظرياً والوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع.

أجرى المقابلة: يوغيندر سيكاند
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

زيبا مير حسيني ألفت العديد من الكتب في موضوع الحركات النسوية الإسلامية، مثل "الإسلام والجندر. الجدل الديني في الإسلام المعاصر" الذي صدر عام 1999 عن دار نشر برينستون. وفي الوقت الحالي تعمل زيبا مير حسيني في المركز القانوني للإسلام والشرق الاوسط في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن.

قنطرة

فاطمة صديقي، أستاذة جامعية ومديرة مركز بحوث المرأة في فاس:
الحجاب والحركة النسائية في المغرب
يظل الحجاب يشكل إشارة إلى الانتماء الإسلامي والتقوى التقليدية في المغرب. كثيراً ما يفترض أن الحركة النسائية الحديثة لا مكان لها، وأنها بهذا عاجزة إلا عن إحداث قدر ضئيل من التقدم إلى الأمام في المجتمعات التي تمر بفترة من الإحياء الديني، وبصورة خاصة في بلدان العالم الإسلامي. لكن التقدم الحقيقي الذي شهدته السنوات الأخيرة فيما يتصل بحقوق المرأة في المغرب يشير إلى العكس: حيث أدى مزيج فريد من التحركات الفعالة النشطة من قِـبَل نساء علمانيات ومتدينات، والتحركات المحسوبة من قِـبَل الأحزاب السياسية، والدور الضخم الذي لعبه الملك، إلى إحراز تقدم حقيقي.

حوار مع الناشطة الإسلامية نادية ياسين:
لا يمكن فرض الشريعة بالقوة على المجتمع
"نحن نعيش في مرحلة الاستعمار الجديد، أَي ما يسمّى في يومنا هذا بالبحث عن أَسواق جديدة." تعتبر الناشطة المغربية نادية ياسين شخصية قيادية بارزة في حركة "العدل والإحسان" الإسلامية التي تطالب بإجراء تغييرات جذرية في دستور النظام الملكي في المغرب. في هذه المقابلة تنفي وجود صراع حضارات، مؤكدة على أن الصراع الحقيقي يدور بين الفقر والغني في العالم.

مكانة المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية
هل تود أيها الرجل أن تكون في جلد امرأة ولو ليوم واحد؟
تنتقد الكاتبة وأستاذة التربية السعودية فوزية البكر التعسف الذكوري وتعتبره نتاجاً لسنوات طويلة من التهيئة الذهنية المريضة حول رؤية الآخر، كما تحذر من العواقب السلبية للنظرة القاصرة للأنثى وتحويلها إلى نماذج سلوكية مقبولة ومُشرعة ضمن طريقة عمل المؤسسات الاجتماعية، لأن المجتمع السعودي كله يدفع اليوم ثمن تقييد حرية المرأة.