النازحون السوريون...فيضان متدفق عبر حدود لبنان

أزمة اللاجئين السوريين تتفاقم يوما بعد يوم في لبنان، البلد المجاور لسوريا، وباتت مؤسساته الدولة اللبنانية غير قادرة ولا مستعدة للتعامل مع الوضع، ولذلك تحاول المنظمات الدولية زيادة نشاطها هناك. للحديث عن ذلك التقى بيورن تسيمبريش مع غيتا حوراني، مديرة مركز أبحاث الهجرة اللبناني.

الكاتبة ، الكاتب: Björn Zimprich

سيدة غيتا حوراني، بسبب الأزمة في سوريا بات لبنان يواجه تدفقا كبيرا للاجئين لم يعرف مثله منذ عقود، مع موجات كبيرة من اللاجئين الجدد الذين وصلوا مؤخرا. كم بلغ عدد اللاجئين المتزايد في البلاد؟

غيتا حوراني: كما تعلمون، لبنان لم يقم بإغلاق حدوده وأبقاها مفتوحة مع سوريا، وبهذا فباستطاعة اللاجئين السوريين أن يتدفقوا دون عوائق إلى داخل البلاد.

ولذلك، فمن الصعب أيضا معرفة العدد الدقيق للاجئين المقيمين حاليا في لبنان. كل ما نعرفه هو عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وعلينا أن نقدر عدد البقية. ووفقا لمفوضية اللاجئين الدولية فهناك أكثر من 147 ألف لاجئ سوري مسجل في لبنان.

ويوجد 64 ألفا آخرون ينتظرون تسجيلهم. وهذه الأعداد تزداد بشكل يومي. ومفوضية اللاجئين تشير إلى أن هناك عشرة آلاف لاجئ سوري يبحثون عن التسجيل لدى المفوضية يوميا.

كيف يبدو الوضع القانوني للاجئين في لبنان بشكل عام، والسوريون منهم على وجه الخصوص؟

غيتا حوراني: الوضع القانوني للاجئين في لبنان هو قضية لم تحل بعد. البلد يفتقر إلى التشريعات والأنظمة النافذة المتعلقة بكيفية التعامل مع اللاجئين.

الدكتورة: غيتا حوراني. قنطرة
"نظرا لتصاعد أعداد اللاجئين الآتين إلينا، تزداد أيضا الحاجة إلى مساعدة الدولية": غيتا حوراني هي مديرة مركز أبحاث الهجرة اللبناني (LERC) التابع لجامعة نوتردام – اللويزة في لبنان. غيتا حوراني خبيرة دولية معترف بها في مجالات الهجرة وأبحاث السلام وسياسات التنمية.

​​

لبنان لم يصادق على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951، ولم يصادق كذلك على البروتوكول الملحق بها لعام 1967.

مازال لبنان يؤكد أنه ليس بلد لجوء، وهذا يعود بشكل أساسي إلى طبيعة تركيبته الاجتماعية والديموغرافية، وأيضا نظرا لوجود عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فعليا على الأراضي اللبنانية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من العبء الثقيل لهذه المشاكل، حافظت الحكومة اللبنانية حتى الآن على الحدود مفتوحة أمام اللاجئين السوريين، خلافا لما يحدث في الأردن وتركيا.

هناك من يقول بأن عدد اللاجئين السوريين الحقيقي أعلى بكثير من الإحصاءات الرسمية لمفوضية اللاجئين. ما هو السبب وراء رغبة كثير من اللاجئين في عدم تسجيل أنفسهم؟

غيتا حوراني: بشكل عام، يمكن القول بأن العدد الحقيقي لللاجئين قد يكون ضعف الأرقام الرسمية أو ربما أكثر من ذلك. الكثير من اللاجئين وخاصة أولئك الذين كانوا يعملون في لبنان سابقا، استطاعوا أن يتدبروا أمور معيشتهم بأنفسهم. وهناك لاجئون لا يعرفون ربما كيفية التوجه إلى مكان التسجيل.

والبعض، وخاصة من أبناء الطبقات المتوسطة أو الغنية، لديهم المال الكافي للعيش في المهجر ويفضلون الإنفاق على أنفسهم ولا يرغبون بحمل وصف لاجئ.

أما بعضهم الآخر فيخشون من أن يتم التعرف عليهم كسوريين، ويخافون من إجراءات انتقامية. هناك شائعات تتردد عن اختراق عناصر المخابرات السورية لتجمعات اللاجئين.

وآخرون يخشون من إعطاء أسمائهم للحكومة اللبنانية، تحسبا من أن تمررها للنظام السوري. كانت هناك تقارير تفيد بأنه في بداية تدفق اللاجئين باتجاه لبنان جرى تسليم بعض اللاجئين إلى النظام في دمشق ليُقتلوا في سوريا. لهذا السبب فإن كثيرين من اللاجئين لا يثقون بالحكومة اللبنانية.

في وادي خالد في لبنان قرب الحدود السورية، تم تحويل إحدى المدارس إلى ملجأ لللاجئين. أ ف ب
فيضان متدفق: وفقا لبيانات الأمم المتحدة فهناك 147 ألف لاجئ مسجل في لبنان، وهناك 64 ألف شخص آخرون ينتظرون تسجيلهم. ولكن التقديرات تشير إلى أن أعداد اللاجئين الحقيقية في لبنان هي ضعف ذلك العدد أو ربما أكثر. ليس هناك "مخيمات" خاصة باللاجئين السوريين، الذين يقيمون لدى عائلات تستضيفهم، وفي المدارس، والمساجد، أو في أبنية مهجورة متداعية للسقوط.

​​بعد أن تحدثتِ عن أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في لبنان، فلماذا لا توجد مخيمات رسمية لللاجئين في لبنان؟

غيتا حوراني: الحكومة اختارت عدم إنشاء مخيمات، لوجود تجربة سيئة مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. فلقد تطورت تلك المخيمات إلى أن أصبحت أشبه بدول داخل الدولة، مناطق خارج سلطة القانون تستخدم لتهديد الأمن داخل بلدنا.

فعندما تقول "مخيم" في لبنان، يتجه فكر الجميع إلى إقامة طويلة الأجل، لا يستطيع لبنان تحملها بأي شكل من الأشكال، نظرا لتحديات السياسة الداخلية الصعبة.

إذن فأين يقيم اللاجئون عمليا؟

غيتا حوراني: القسم الأكبر من اللاجئين المسجلين من قبل مفوضية اللاجئين يقيمون في منطقة عكار الشمالية، ويبلغ عددهم حوالي 75 ألفا، ثم تأتي بيروت وجنوب لبنان مع حوالي 18 ألف لاجئ. ووادي البقاع يستضيف بدوره ما يصل إلى 60 ألف لاجئ.

ولكن في الواقع يمكن للمرء أن يلتقي بالسوريين - سواء أكانوا لاجئين أم لا - في كل مكان في لبنان. يعيش اللاجئون مع الأسر المضيفة في بيوتها، في المدارس، في المساجد، ومنهم من يستأجر بيوتا متفاوتة الجودة. والبعض الآخر يلجأ إلى التخييم في الأماكن العامة أو في المباني المهجورة الآيلة للسقوط.

هل يمكن أن تذكري أبرز المشاكل الإنسانية الكبرى التي يواجهها في هذه الأيام هؤلاء اللاجئون السوريون في لبنان؟

غيتا حوراني: معظم اللاجئين السوريين يعيشون في ظروف مزرية للغاية، في منازل مهجورة، وكثيرون منهم ليس لديهم حتى ما يكفي من الطعام، وخلال شهور الشتاء ليست لديهم إمكانية التدفئة. يحتاجون إلى عناية طبية، وكثيرون مصابون بصدمات نفسية. وثمة تحدٍ آخر هو تعليم أبناء اللاجئين.

ولابد من الإشارة إلى مسألة تقلقني بشكل خاص، وهي اضطرار الكثير من العائلات إلى تزويج بناتها في سن مبكرة للغاية. الظروف الاقتصادية الصعبة أدت إلى حالات من الاستغلال و"البغاء القسري". ويجب أن لا ننسى أيضا أن الشباب خاصة يتعرضون للإغراء والخداع من قبل أطراف سياسية راديكالية.

ما هي المؤسسات الحكومية أو الجمعيات الخيرية أو المنظمات غير الحكومية التي تقدم الدعم لللاجئين السوريين داخل لبنان؟

غيتا حوراني: وزارة الشؤون الاجتماعية، والهيئة العليا للإغاثة، ووزارة التربية ووزارة الداخلية هي من بين المؤسسات الحكومية المختصة بمشكلة اللاجئين السوريين.

و لمفوضية الدولية لشؤون اللاجئين تنظم المساعدات الإنسانية الدولية، وتعمل في هذا السياق مع العديد من المنظمات الدولية والمحلية. ونظرا للأرقام المتصاعدة بسرعة للاجئين الآتين إلينا، تزداد الحاجة إلى الحصول على المساعدة الدولية، في مجالي التمويل والدعم الإغاثي.

هل ترين خطرا للتوترات المتزايدة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين السوريين في لبنان؟

غيتا حوراني: كثير من اللاجئين أو حتى أولئك الذين انتقلوا إلى لبنان في وقت مبكر نتيجة للأزمة في سوريا، يبحثون عن وظائف بسيطة تكون مناسبة للعمال غير متعلمين ولا تشترط تأهيلاً عالياً. وهذا يخلق بالطبع منافسة مع نظرائهم من المواطنين اللبنانيين.

تقارير وسائل الاعلام – وكذلك حوادث فردية تؤيد ذلك – تشير إلى ارتفاع العداء بين المجموعتين، خصوصا وأن الاقتصاد اللبناني ينجرف نحو الركود.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك عائلات لبنانية في الشمال وفي منطقة البقاع في حاجة هي الأخرى إلى المساعدة؛ فإذا شاهدَتْ تلك العائلات بأنها لا تحصل على المساعدة بينما يحصل اللاجئون من البلد المجاور عليها، فقد يؤدي ذلك إلى توترات متزايدة بالفعل.

طفلة سورية لاجئة على حدود لبنان الشرقية في قرية القاع. أ ف ب
ضحايا العنف، نزوح وتهجير: "الكثير من العائلات تضطر إلى تزويج بناتها في سن مبكرة للغاية. الظروف الاقتصادية الصعبة أدت إلى حالات من الاستغلال والبغاء القسري".

​​كيف تتعامل الحكومة اللبنانية والرأي العام مع الأزمة السورية؟

غيتا حوراني: الوضع بين سوريا ولبنان غير مستقر. في لبنان هناك انقسام عميق حيال ما يحدث في سوريا: البعض يقف مع النظام والبعض الآخر مع المنتفضين.

الحكومة اللبنانية هي نفسها منقسمة بشأن هذه المسألة. بعض الساسة الممثلون في الحكومة الحالية طالبوا بإغلاق الحدود وعدم استقبال مزيد من اللاجئين، في حين أن الحكومة نأت بنفسها عن الأزمة من خلال ما أسمته "سياسة النأي بالنفس".

الانقسام في الرأي العام يعكس الانقسام في صفوف طبقة السياسيين. عدم اليقين بشأن نهاية الأزمة وكيف سيبدو مستقبل سوريا، يترك الكثير من اللبنانيين يشعرون بالقلق إزاء العدد الكبير من الناس الذين قد يأتون من البلد المجاور إلى لبنان.

البعض الآخر يخشى أيضا، بغض النظر عن كيف ستتطور الأمور في سوريا، من احتمال أن هؤلاء اللاجئين لن يعودوا فورا إلى ديارهم. العديد من اللبنانيين بدأوا يرون بأن الوضع يتجه ليكون مماثلا لمشكلة الفلسطينيين.


حاورها: بيورن تسيمبريش
ترجمة: فلاح آل ياس
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013