دستور مصر مُنسَجِم مع الهوية الإسلامية وملائم لقيادة دولة ديمقراطية

يرى الخبير الألماني في الشؤون المصرية بيورن بينتلاغه أنه رغم الاتجاه الديني والاجتماعي المحافظ لوثيقة الدستور المصري، لكن أسسها ملائمة لقيادة دولة علمانية وديمقراطية، ويرى أن مشكلة القوى الليبرالية والعلمانية تكمن في رفضها المسبق للإسلاميين وعدم استعدادها للتعاون معهم بشكل بناء.

الكاتبة ، الكاتب: Kersten Knipp

تشهد مصر في الوقت الراهن موجة اضطرابات ويتسم الوضع هناك بالتوتر، ما هي قراءتك للوضع؟

بيورن بينتلاغه: مما لا شك فيه أن المرحلة الراهنة حرجة للغاية وعملية التحول صعبة. وفقدت بعض المصطلحات مثل "دولة القانون" و"الأحكام القانونية" و"سيادة القانون" معانيها بالنسبة لنا منذ فترة.

وبعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأ الحديث عن أن الرئيس حوَّل نفسه إلى ديكتاتور ووضع نفسه فوق دولة القانون.

لكن إشكالية الوضع لم تبدأ بإطلاق هذا الإعلان الدستوري، بل قبله بفترة طويلة وتحديداً مع الإعلان الدستوري المكمل للمجلس العسكري بعد حل مجلس الشعب.

فلا توجد منذ ذلك الوقت سلطة منتخبة ديمقراطيا لوضع القوانين. هناك أيضا علامات استفهام كبيرة حول قانونية الكثير من القرارات القضائية التي صدرت في وقت لا يوجد فيه دستور ولم يتم الالتزام بها في الكثير من الأحيان.

احتجاجات أمام القصر الرئاسي في القاهرة، 4 ديسمبر 2012.   رويترز
احتجاجات على أبواب القصر الرئاسي في القاهرة: خوَّلَت الحكومة المصرية مؤخراً الجيش اعتقال المتظاهرين المدنيين إذا تطلبَ الأمر "من أجل حماية" الدستور الذي سيتم استفتاء الشعب حوله في الخامس عشر وفي الثاني والعشرين من شهر سبتمبر 2012.

​​

 إلى أين يقود مرسي مصر من خلال سياساته في الأسابيع والشهور الماضية؟

لا يمكن الجزم بأي شيء. كل ما في وسعنا هو التخمين ولعل ما قاله مرسي عن رغبته في حماية اللجنة التأسيسية من الحل يوضح لنا خلفيات الأمر.

فقد كان من المنتظر أن يَصدُر قرار بحل اللجنة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول من قبل المحكمة الدستورية، الأمر الذي كان من شأنه إعادة المرحلة الانتقالية كلها لنقطة الصفر. وفي هذا الوضع لا توجد إلا مؤسسة واحدة منتخبة وهي الرئاسة.

انطباعي هو أن هذا الإعلان الدستوري هو محاولة من مرسي لإنهاء المرحلة الانتقالية حتى وإن تمت هذه المحاولة بطريقة غير محسوبة وتفتقر للحس السياسي ربما بسبب الإحباط أو لشعوره بالضغط من قبل القوى العسكرية القديمة أو قطاعات معينة في القضاء.

 من المقرر طرح الدستور الجديد للاستفتاء، فكيف ترى مسودة الدستور؟

يحتوي الدستور بالطبع على بعض النزعات الإسلامية، لكنه في النهاية وثيقة مقبولة للغاية يمكن على أساسها قيادة دولة علمانية ديمقراطية. لا يحتوي الدستور على خروقات فادحة. ثمة بعض الفقرات التي تشير إلى اتجاه اجتماعي محافظ. لكن إذا كان المرء يرغب في دولة إسلامية أو دولة دينية أو حتى نظام سياسي ديكتاتوري فكان سيكتب بالطبع دستورا مختلفا تماما.

بشكل عام نتحدث هنا عن وثيقة متوازنة إلى حد كبير لاسيما فيما يتعلق ببعض القضايا مثل فصل السلطات وحماية الحقوق الشخصية وبناء أجهزة قانونية وحقوق الفرد. يمكن وصف هذا بالنجاح الكبير للديمقراطية ولدولة القانون في مصر.

 لكنّ الكثيرين يعيبون الطابع المحافظ للدستور بشكل عام، فما رأيك؟

هناك العديد من الفقرات في الدستور التي تعزز "الدور الأبوي" حيث تتركز السلطة على الذكور بشكل كبير، سواء على مستوى العائلات أو في السياسة الاجتماعية علاوة على مسألة الحفاظ على القيم العامة. كل هذا بالطبع ليس مثالياً لكن يجب النظر للأمر بشكل عام وللحريات التي يقر بها الدستور في فقرات أخرى.

ففقرة حماية الفرد تتناسب إلى حد كبير مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان علاوة على ذلك فإن هذا الدستور سيعيد الحياة للعملية السياسية في مصر والتي وصلت حاليا لمرحلة التجمد.

 كيف ترى دور المعارضة العلمانية في البلاد؟

الباحث الألماني بيورن بينتلاغِه. المصدر: بيورن بينتلاغِه
"الدستور سيقوم بإحياء العملية السياسية الجامدة في مصر"، كما يرى الباحث الألماني بيورن بينتلاغِه.

​​

ليس هناك بوادر للتعاون قوى المعارضة الليبرالية والعلمانية التي عارضت اللجنة التأسيسية من البداية. يتعين هنا توجيه النقد للقوى الليبرالية والعلمانية، التي يحسب عليها أنها استبعدت حتى الآن كل فرص التعاون البناء تقريبا منذ البداية أو انسحبت بعد فترة قصيرة، مبررة هذا بمخاوف كبيرة لكن مع الأسف دون توجيه النقد لنقاط مباشرة في الدستور.

 شهدت الانتخابات البرلمانية تمثيلا واسعا للإخوان المسلمين والسلفيين، ماذا تكشف هذه النقطة بالنسبة لطبيعة المجتمع المصري في الوقت الراهن؟

المجتمع المصري شديد التنوع، كما أن هناك فجوات كبيرة بين القطاعات المختلفة في المجتمع. ففي القاهرة ومدن كبرى أخرى هناك أحياء ينشأ فيها الناس داخل ثقافة العولمة فهم يشاهدون نفس الأفلام التي يشاهدها الشباب في ألمانيا، ويستمعون لنفس الموسيقى ويرتدون نفس الملابس ويصففون شعرهم بنفس الطريقة، لكن أغلبية الشعب محافظة اجتماعيا وشديدة التدين فهم لا يشاركون بنفس الطريقة في الحياة السياسية العامة. وهناك فجوة كبيرة بين هاتين الفئتين في المجتمع المصري.

إذا كانت هناك رغبة حقيقية في التحرك نحو الديمقراطية، فيجب على المرء قبول فكرة أن للحركات والأحزاب الإسلامية نصيباً كبيراً من الشرعية، وبالتالي لديهم أغلبية في بناء الكيانات السياسية وهنا ألمس مشكلة كبيرة في صفوف القوى الليبرالية والعلمانية تتمثل في الخوف أو الرفض المسبق للإسلاميين.

 

أجرى الحوار: كرستين كنيب
ترجمة: ابتسام فوزي
تحرير: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012

بيورن بينتلاغه باحث ومدرس للعلوم العربية والإسلامية بجامعة مارتن لوتر في مدينة هاله-فيتينبرغ الألمانية. تتركز أبحاث بينتلاغه على القضايا الاجتماعية والقانونية في مصر الحديثة.