''مبادرة الاتحاد الخليجي قد تحقق حلم الوحدة العربي''

أعلن زعماء دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمتهم تبني الاقتراح السعودي بتشكيل كيان موحد لمواجهة التحديات. حول مغزى هذا الاقتراح وتداعياته السياسية ظل تداعيات الثورات العربية حاور بشير عمرون الكاتب والباحث السياسي السعودي الدكتور خالد الدخيل.



في ختام قمة دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثاء (20 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة دول الخليج إلى الاتحاد في كيان واحد، بدلاً من التعاون عبر المؤسسات القائمة حالياً. هذه الإشارة التي وصفها خبراء بالمهمة قد تغير من الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، لاسيما وأن هذه الدول الغنية بالبترول تشاطر عدواً مشتركاً، ألا وهو إيران، وبعضها تأثر برياح الربيع العربي، مثل مملكة البحرين.

بعد الاقتراح المفاجئ بضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليج قبل نصف عام، ثم التراجع عن هذه الخطوة قبل شهر، يطرح ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز الآن فكرة تحويل المجلس إلى كيان موحد. هل هذا الاقتراح متسرع؟

خالد الدخيل: بالعكس، مقترح الاتحاد تأخر كثيراً في الحقيقة. فبعد ثلاثة عقود من التعاون آن الأوان للمجلس أن ينتقل إلى مرحلة متقدمة. فكرة الاتحاد هنا تطور طبيعي لمرحلة التعاون، ثم إن فكرة الاتحاد الخليجي مطروحة شعبياً. هناك منظمات شعبية نظمت أكثر من مؤتمر تبنى فكرة الاتحاد في الكويت والبحرين وقطر.

ذكر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، أن تشكيل كيان واحد هدفه مواجهة تحديات دول المجلس الست. بعض المراقبين رأوا في ذلك تلميحاً لإيران. ما رأيك في ذلك؟

هناك بالفعل ضرورة سياسية واقتصادية وأمنية للاتحاد، لأنه يسمح لدول المجلس بأن تصبح طرفاً مباشراً في معادلة توازنات القوى في المنطقة، التي غابت عنها في الماضي. فمن خلال هذا الاتحاد تستطيع هذه الدول أن توحد جهودها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية. المصدر الأساسي للنفوذ الإيراني هو الضعف الخليجي كجزء من الضعف العربي. لذلك فإن الاتحاد ضروري من النواحي التي ذكرتها، من أجل أن تتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا ما يتطلب إصلاحات أمنية وعسكرية واستخباراتية. لكنه قبل ذلك يتطلب إصلاحات سياسية ودستورية، تفادياً لأن يتحول الاتحاد إلى دولة هشة داخلياً تشبه باكستان حالياً.

دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة دول الخليج إلى الاتحاد في كيان واحد، بدلاً من التعاون عبر المؤسسات القائمة حالياً. هذه الإشارة التي وصفها خبراء بالمهمة قد تغير من الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، لاسيما وأن هذه الدول الغنية بالبترول تشاطر عدواً مشتركاً، ألا وهو إيران، وبعضها تأثر برياح الربيع العربي، مثل مملكة البحرين
دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة دول الخليج إلى الاتحاد في كيان واحد، بدلاً من التعاون عبر المؤسسات القائمة حالياً. هذه الإشارة التي وصفها خبراء بالمهمة قد تغير من الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، لاسيما وأن هذه الدول الغنية بالبترول تشاطر عدواً مشتركاً، ألا وهو إيران، وبعضها تأثر برياح الربيع العربي، مثل مملكة البحرين

​​
هل من الممكن أن يعتبر الربيع العربي هو الآخر تحدياً في هذا السياق؟


صحيح أن دول مجلس التعاون تواجه تحديات بسبب الربيع العربي. لكنه ليس في صالح أحد أن يكون الاتحاد موجهاً ضد الربيع العربي. بالعكس، يجب أن يكون مكملاً في ذات السياق الذي جاء فيه الربيع العربي. فالربيع العربي جاء ليدخل الشعوب العربية كطرف مباشر برأيها وحقوقها في عملية صنع القرار. لذا لا بد من أن يستند الاتحاد الخليجي إلى قاعدة شعبية، وألا يكون مجرد اتحاد عائلات حاكمة. وبالتالي لا بد من أخذ رأي شعوب مجلس التعاون في الموضوع. بيد أنني أرى أن هناك أغلبية في دول مجلس التعاون بهذا الخصوص. ففكرة الاتحاد لها في الكويت، مثلاً، شعبية كبيرة جداً، سواء لدى الحكومة أو الشعب، وفي السعودية كذلك. قد يكون هناك بعض التحفظ في الإمارات وتحفظ قوي في عُمان، لأن عُمان لها حساسية كبيرة جداً في المجال السياسي. أما الدول الأخرى فسترحب عموما بالاتحاد. لكن، وأقولها مرة أخرى: لا بد أن يتم الاتحاد في إطار إصلاحات سياسية ودستورية كبيرة في كل دولة من دول المجلس، وأن يرتكز على مفهوم المواطنة الحقيقية ومشاركة المواطن في صناعة القرار والمساواة بين المواطنين. لأنه إن لم يتم تحقيق هذه الإصلاحات فلن يعني هذا الاتحاد شيئاً.

إعلانات العاهل السعودي ومجلس التعاون في هذا الخصوص استعملت كلها عبارة الاتحاد في كيان واحد. كيف يمكننا أن نتصور شكل هذا الكيان؟

الشكل الأنسب في المرحلة الحالية هو الاتحاد الفدرالي الذي يقوم على الوحدة في مجال السياسات الدفاعية والمالية والخارجية. قد يبدأ هذا الاتحاد على شكل الاتحاد الأوروبي. لكن ليس من الضروري أن يمر الاتحاد الخليجي عبر هذه المرحلة، نظراً للتشابه الكبير بين الدول الأعضاء من النواح السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والثقافية أيضاً، أي أن الاتحاد قد يتخطى هذه المرحلة مباشرة إلى شكل فدرالي يشبه نموذج الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.

عودة إلى طرح فكرة انضمام الأردن والمغرب قبل نصف سنة ثم التراجع عنها بداية الشهر. كيف تفسر هذه الخطوات المفاجئة؟

يبدو لي أنه لم يكن هناك إعداد مناسب لطرح فكرة انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي قبل نصف عام. من جهتي أتمنى ألا يتحول المجلس إلى ناد لأغنياء العرب فقط. يجب أن تنضم الأردن واليمن وأن ينضم العراق. لكن بعد أن يتخلص من بنيته الطائفية. فهذه الدول هي امتداد طبيعي تماماً لدول مجلس التعاون الخليجي. أما فيما يخص المغرب، فهذا البلد لم يرحب بفكرة انضمامه في الأساس ولم يكن متحمساً لها كثيراً. لذلك فقد كان من الواضح أن الموضوع سيتراجع كما حصل. من جهة أخرى أبدى مجلس التعاون نيته في تأسيس صندوق تنمية يتولى تقديم مساعدات اقتصادية للمغرب. مع أنني أتمنى ألا يتوقف الموضوع في النهاية على عملية تقديم مساعدات.

إذا ما راعينا المجرى الذي أخذته فكر انضمام المغرب، هل من الوارد أن تشهد مبادرة الاتحاد تراجعاً مماثلاً؟

هذا ربط شكلي بحت بين الموضوعين. ففي مفهومي يختلف المقترحان كثيراً عن بعضهما البعض. إذا تراجع موضوع الاتحاد، فهذا سيشكل ضربة لمجلس التعاون الخليجي. من الممكن أن يبدأ الاتحاد بأربع دول أو خمس، ثم تتسع رقعته مثلما حصل في الاتحاد الأوروبي. فمن غير المعقول أن نتوقع ولادة مشاريع مثل هذه دفعة واحدة وبشكل متكامل. ثم إن أهمية الاتحاد تكمن في كون دول مجلس التعاون الخليجي أقرب الدول العربية إلى إقامة شكل من أشكال الاتحاد. وقد يشجع نجاح هذا الاتحاد أطرافاً أخرى على الانضمام إليه وبذلك توسيعه، مما قد يحوله إلى اتحاد فدرالي عربي يجسد حلم الوحدة العربية القديم، على أن تقوم هذه الوحدة على أسس تختلف عن الفكرة الاندماجية التي طرحت أيام القومية العربية.


أجرى الحوار: بشير عمرون
مراجعة: ياسر أبو معيلق

الدكتور خالد الدخيل كاتب وباحث سياسي سعودي يعمل أستاذاً في علم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود في الرياض. وشغل منصب أستاذ زائر في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن.