''المناهج المدرسية تعرض معاناة طرف وتنكر معاناة الطرف الآخر''

يعمل الباحث الفلسطيني والمحاضر في جامعة بيت لحم سامي عدوان وبالتعاون مع الباحث الإسرائيلي وأستاذ تنمية الطفل والتعليم في جامعة تل أبيب دانيال بارتال على دراسة صورة الآخر الفلسطيني والإسرائيلي في المناهج المدرسية ورصد مظاهر التحريض فيها وسبل تفاديها. مهند حامد حاور الباحث الفلسطيني سامي عدوان في بيت لحم عن هذه التجربة الفريدة وأهدافها.



ماهي طبيعة الدراسة المشتركة الفلسطينية والإسرائيلية التي تجرونها على المناهج المدرسية ؟

سامي عدوان: المناهج المدرسية الفلسطينية والإسرائيلية أصبحت وكأنها هي سبب في الصراع ، لذلك ارتأينا عمل بحث مشترك يتضمن إظهار كيفية صورة الآخر الفلسطيني والإسرائيلي في المناهج. فقد قام الباحث الإسرائيلي بارتال بدراسة صورة الفلسطينيين في المناهج الإسرائيلية، حيث يقوم على هذا البحث ستة باحثين: ثلاثة إسرائيليين وثلاثة فلسطينيين يجيدون اللغتين. المميز في البحث هو دراسة كافة المناهج الفلسطينية والإسرائيلية وهناك 141 كتابا فلسطينيا و 486 كتابا إسرائيليا سخضع لفحص شامل. كما سيخضع جزء من الكتب الفلسطينية لتحليل من الباحثين الإسرائيليين وجزء من الكتب الإسرائيلية سيقوم عليه باحثون فلسطينيون. وأيضا هناك كتب سوف تحلل معا. ولعل من اللافت في هذا المشروع هو أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية رحبت بالمشروع ووافقت عليه، بينما رفضته وزارة التربية الإسرائيلية.
.

إلامَ تهدفون من هذا البحث المشترك؟

الصورة مهند حامد
جامعة بيت لحم، حيث يعمل الدكتور سامي عدوان

​​عدوان: الهدف من البحث هو التوصل إلى تعبير حقيقي موضوعي عما هو موجود في الكتب وهو ليس دراسة انطباعية مثل الدراسات السابقة مثل التي قام بها مركز "متابعة مجريات السلام اليميني الإسرائيلي" الذي كان هدفه تشويه صورة الفلسطينيين. فدراستنا هي عبارة عن اكتشاف للواقع الموجود في المناهج وكيف يظهر بها الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى لنتائج بشكل موضوعي وموثق لتقديمها للمجلس الديني المشترك من أجل متابعة هذا القضية والعمل على التخفيف من حدتها .

من خلال النتائج الأولية للدراسة هل لك أن تعطينا بعض ملامح الخلل في المناهج المدرسية؟

عدوان: في تصور بسيط لا شك أن المناهج الفلسطينية والإسرائيلية تعبر عن حالة سياسية يظهر بها وجود الآخر بشكل غير موجود وإذا ظهر يظهر بشكل ثانوي وغير رئيسي. وهناك تجنب مقصود أو غير مقصود بعدم الاعتراف بشرعية الآخر، أحيانا يظهر الآخر ولكن بصورة غير إيجابية بالعادة.

ما هي مظاهر التحريض في المناهج المدرسية الفلسطينية والإسرائيلية؟

عدوان: من خلال دراستي للمناهج الفلسطينية لم أجد تحريضا بشكل مباشر وإن تحدثت المناهج عن الاحتلال والقتل واقتلاع الأشجار والسجناء والتعذيب نحن لا نعتبر ذلك تحريضا، وكذلك الأوروبيون لا يعتبرون ذلك لأننا هنا نتحدث عن سياسة احتلال، بينما يعتبر الإسرائيليون ذلك تحريضا وتشجيعا على العنف. وكذلك عندما يعرض الإسرائيليون في مناهجهم هذه أرض الميعاد أرض يهودا والسامره وبالتالي ينكرون وجود حق الفلسطينيين، مما يولد عند الطالب صورة تحريضية تنكر حق الآخر. وكذلك إظهار الطرف الآخر أقل إنسانية هو تحريض، ولكن لا يوجد نصوص تحرض بشكل مباشر في كلا الطرفين على القتل والمهاجمة.

من خلال دراستكم ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم بها المناهج المدرسية في إحلال السلام وتخفيف العنف؟

مستوطنة حارههوماه القريبة من بيت لحم، الصورة مهند حامد
"يجب أن يترافق مع تغيير المناهج تغيير في الواقع السياسي"

​​

عدوان: المناهج لها دور أساسي في عملية تغيير القيم والاتجاهات الموجودة عند الأطفال، وأبرز هذه الأشياء هو أن يكون الآخر موجودا ضمن المواد التي يدرسها وبالصورة التي يحب هو أن يظهر بها، وكذلك الاعتراف بالآخر ضمن الشرعية الدولية. ومن الواجب أيضا إظهار خرائط لطرفين تبيين حدود الطرف الآخر وهذا غير موجود. وتعرض هذه المناهج معاناة طرف  وتنكر معاناة الطرف الآخر. ولذا علينا أن نظهر بهذه المناهج قصة الطرفين وعليه عليّ الاّ أنكر على الإسرائيليين أن يحكوا تاريخهم وعليه أيضا الاّ ينكر علي أن أروي تاريخي حتى ولو كان تاريخي يدينه لأن ذلك جزءا من الحقائق التاريخية. كما يجب أن يواكب عملية تطوير المناهج تدريب المعلمين. وكذلك يجب أن تتضمن هذه المناهج الاعتراف بالأماكن المقدسة واحترام الطرفين بحق الآخر وألاّ تكون جزءا من تراث جهة على حساب جهة أخرى، ويجب أن يترافق مع تغيير المناهج تغيير في الواقع السياسي.

ما هي العقبات التي تواجهونها في البحث المشترك وما دور وزارتي التربية والتعليم الفلسطينية والإسرائيلية بذلك؟

عدوان: كانت عقبة إتقان اللغة من الطرفين عقبة كبيره، وعلى وزارتي التربية والتعليم الفلسطينية والإسرائيلية أن تأخذ التوصيات والنتائج التي سوف نصل إليها بجدية ولكن وجدنا انتقادا ومقاطعه كاملة من وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية.

تم عمل كتيب مشترك مع الباحث الإسرائيلي دان بار أور" تعلم الرواية التاريخية للآخر" وتم تطبيقه على بعض المدارس الفلسطينية والإسرائيلية. ماذا حققتم من ذلك؟

الكتاب المشترك
كتاب تاريخ مدرسي غني بالمعلومات وخاص بطلبة المدارس الثانوية، يساهم في التقليل من تبادل الأحكام المسبقة

​​عدوان: مشروع الكتاب كان معدا لما بعد الصراع، فكان من المفترض أن يكون هناك مشروع سلام في عام 2000 وخططنا المشروع بناء على ذلك. وجدنا تقبل رواية الآخر معدومة، والأصل أن تعرف أنه يوجد رواية للآخر وليس شرطا أن تمنحها الشرعية وليس شرطا أن تفقد روايتك. ومن أبرز نتائجه أيضا أن الفلسطيني والإسرائيلي لا يعرفان شيئا عن رواية الآخر، وإذا أراد أن يتجه الطرفان نحو التعايش السلمي بعد انتهاء الاحتلال من المفترض أن يعرف رواية الآخر وتعني "أنسنة الآخر".

لقد جمعنا معمليين فلسطينيين وإسرائيليين على مدة عشر سنوات. فعلى سبيل المثال كتب كل منهم وجهة نظره في وعد "بلفور". الرواية الفلسطينية اعتبرته قرارا غير إنساني عنصري غير أخلاقي بحق الفلسطينيين والإسرائليون بدورهم اعتبروه أول قرار ينصفهم ويشرع حقوقهم. لقد حاول الكتاب إعطاء المعلمين والتلاميذ الفرصة لتعلم الرواية التاريخية للآخر والخروج بتوصيات ونتائج تساعد في تطوير الكتب المدرسية وأساليب التدريس في المستقبل.

دراسة رواية التاريخية للآخر كيف تساعد في فهم وتشجيع السلام بين الجانبيين؟

عدوان: لا يمكن إحلال السلام بين الطرفين دون أن تتطلع على الرواية الإسرائيلية والرواية الفلسطينية وعلى الحقائق والمرتكزات الموجودة. من وجهة نظرهم أنت تتعامل مع إنسان ليس موجودا، لمعرفة كافة التفاصيل للطرفين في فهم رواية الآخر يجب التعرف على نقاط القوه والضعف: كيف يفكر وعلى أي أساس يبني هويته؟ الرواية التاريخية هي التي كونت الشخصية الموجودة الآن، وهي التي تحدد معالم المستقبل، فعندما تعرف معاناتي وراويتي وأعرف معاناتك عندها سنتعامل مع بعضنا بعضا على مستوى إنساني. فعملية تحويل الصراع والآخر من شيء إلى شخص تحتاج لعملية سيكولوجية وعملية تربوية واجتماعية معقدة.

ما هو دور الأكاديميين الفلسطينيين والإسرائيليين في تخفيف الصراع وتقريب وجهات النظر بين الطرفين؟

عدوان: دور الأكاديميين مهم وأساسي يتمثل في إجراء أبحاث ووضع تصورات وآليات عمل تساعد على فهم الآخر من ناحية تاريخيه وسيكولوجية وناحية إنسانية. من المفترض أن يكون للأكاديميين القدرة على الرؤية المستقبلية وعليهم ألاّ يكونوا جزءا في عملية تأجيج الصراع. وعلى الأكاديمي أيضا أن يتقبل الحقائق العلمية وأن يتسم بالمرونة في التعامل معها والانتقال من الأحادية في النظرة إلى التعددية، الأمر الذي سيساعد على الانفتاح، كما يتوجب علينا أن نساعد الأطفال على النقاش وعلى طرح التساؤلات وليس قبول الحقائق وتلقيها .

 

أجرى الحوار: مهند حامد

حقوق النشر: قنطرة 2011