مشاركة السعودية وقطر في محاربة داعش - رد فعل على «انقلاب السحر على الساحر»

انضمام السعودية وقطر إلى جانب الإمارات والبحرين إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية يتناقض مع دعمهما الواضح للجماعات الإسلامية في العالم.
انضمام السعودية وقطر إلى جانب الإمارات والبحرين إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية يتناقض مع دعمهما الواضح للجماعات الإسلامية في العالم.

طرحت مشاركة السعودية وقطر في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" تساؤلات حول ما إذا كان ذلك بادرة على تغيير سياستهما إزاء التنظيمات الإسلامية. لتسليط مزيد من الضوء أجرت شمس العياري مقابلة مع الخبيرة اليمينة-السويسرية في شؤون الخليج وأستاذة العلوم السياسية في جامعة زوريخ السويسرية إلهام المانع.

الكاتبة ، الكاتب: شمس العياري

انضمت إلى جانب الإمارات والبحرين كل من السعودية وقطر إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فكيف تقيمين هذه الخطوة؟

الدكتورة إلهام المانع :هو في واقع الأمر متوقع لأن الدولتين تدركان أن هذا الخطر لا يمس أمن العراق أو سوريا فقط، وإنما يمس أمن المنطقة بأسرها. لكن الازدواجية واضحة تماما: ففي الوقت الذي يسعيان فيه إلى محاربة التطرف، فإنهما يقومان بالترويج للتطرف الإسلامي الذي يمكن اعتباره بأنه "سلمي" إلى حد ما. بكلمات أخرى إنهما يدعمان التطرف الإسلامي الذي يمثل أساسا لشرعية حكمهم، لكن في الوقت ذاته عندما يتحول هذا التطرف إلى سلاح موجه إليهما، فإن ردة الفعل ستكون مختلفة كما نراها الآن من خلال انضمامهما إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر بررتا انضمامها إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بأنه يشكل تهديدا وجوديا لهما. هل تعتقدين بأن هذا التنظيم يهدد وجود هاتين الدولتين؟

أنا أعتقد بالفعل أنه يشكل تهديدا وجوديا للسعودية وقطر، لأن من أهداف هذا التنظيم هو القضاء على كل الأنظمة القائمة وإقامة دولة إسلامية على أساس فكر متطرف وفاشي. المشكلة في الوقت ذاته تكمن في أن المملكة السعودية وقطر تروجان لفكر ديني – للأسف الشديد – يهيئ البيئة الخصبة للأفكار التي تقوم عليها داعش، ومن هنا فإن المفارقة أنهم يحاربون هذا التنظيم الذي مهدوا له من خلال البيئة الأيديولوجية والدينية التي روجوا لها منذ عقود.

نزوح جماعي بعد حصار الكوباني
فشلت ضربات التحالف الدولي الجوية حتى الآن في وقف تقدم مقاتلي "الدولة الإسلامية" صوب مدينة كوباني الكردية في سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا والتي فرض التنظيم عليها حصارا من ثلاث جهات مما أدى لنزوح جماعي لأكثر من 150 ألف لاجئ وسقوط قذائف مورتر داخل الأراضي التركية.

السعودية قائمة على الوهابية وتروج لها. برأيك كيف يسوق النظام في السعودية للسعوديين أنفسهم محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يرتكز على مفهوم متشدد للإسلام لا يختلف كثيرا عن الوهابية؟

ومن هنا تأتي المشكلة. عندما أجرت المملكة سبرا للرأي العام الداخلي وجدت أن الغالبية العظمى كانت مؤيدة لتنظيم داعش وتعتبره ممثلا للدين الإسلامي وهو ما يعكس بشكل واضح أن الفكر الديني الذي تروج له المملكة العربية السعودية هو البيئة التي احتضنت مثل هذا الفكر الذي خرج منه هذا التنظيم إضافة إلى تنظيم القاعدة. من جهة أخرى، إذا أخذنا الرسالة التي وجهها مفتي المملكة العربية السعودية بعين الاعتبار، عندما انتقد داعش واعتبرها غير إسلامية، فإن فحوى الرسالة تبين أنه فعل ذلك على مضض، فقد ضمنها كذلك رسالة موجهة إلى أولياء الأمر داخل المملكة العربية السعودية لمواجهة التيارات الليبرالية التي تحاول أن تحطم الدين داخل المملكة.

النظام في السعودية في مأزق، فهو مدرك أن الأغلبية داخل المملكة تؤيد الفكر الديني والأيديولوجي لداعش. ومن جانب آخر، يبدو أن التيار الديني الذي يقوم على أساسه النظام السعودي والذي يقدم له الشرعية، منقسم على نفسه، حيث وافق على مضض على مواجهة داعش، لكن في الوقت ذاته ضغط على المملكة كي لا تغير من نهجها الفكري والديني والذي خرج من صلبه تنظيم داعش.

هل يمكن أن يؤثر ظهور تيارات متشددة وتنظيمات متطرفة على غرار "الدولة الإسلامية" على الأجندة السياسية الخارجية للسعودية؟

هناك تراجع في سياسة النظام السعودي في دعمه للحركات السلفية في الخارج. بيد أن هناك شرائح داخل المملكة، سواء داخل العائلة المالكة أو العائلات الثرية وبعض التيارات الدينية القائمة هناك، تقوم بدعم التيارات السلفية على مستوى العالم. والمشكلة أن النظام الملكي في السعودية يستند في شرعيته على أساس دعمه للفكر الإسلامي السني في تياره الوهابي السلفي. فكيف تسعى إلى تضييق الخناق على الحركات السلفية في الخارجي وهي أساسا من تروج له. هناك نوع من الازدواجية نجدها أيضا في هذا الإطار، لكنني أدرك أيضا أن هناك تراجعا من قبل السعودية عن دعمها لتلك التيارات السلفية.

هل تتوقعين بأن تتجه السعودية إلى دعم التيارات العلمانية في دول المنطقة مثلا؟

طبعا لا. لو كان ذلك ممكنا لفعلته داخل المملكة نفسها. والدليل على ذلك ما فعلته مع الداعين للإصلاح السياسي في الداخل مثل وليد أبو الخير أو الداعين إلى الفكر الليبرالي مثل رائف بدوي اللذين زجا بهما في السجن، أشير إلى أن كل رموز الحراك الإصلاحي في المملكة هم الآن داخل السجون. فكيف تدعم الاعتدال خارج المملكة وتواجهه داخلها.

ألا تعتقدين أن النظام في السعودية قد يتجه إلى إدخال إصلاحات داخلية وإعطاء مواطنيها مزيدا من الحريات؟

أنا على قناعة بأن هناك شريحة داخل السعودية وداخل العائلة المالكة ذاتها ترغب في ذلك. المشكلة تكمن في أن هيكلة النظام القائم في السعودية يجعل من الصعب القيام بذلك. لاسيما وأن هذا النظام قائم على دعم المؤسسة الدينية الوهابية. وإذا تزحزحت هذه المؤسسة ستترك فراغا. وفي ظل التناقضات القائمة داخل السعودية فإن النخبة السياسية نفسها تخشى من تداعيات ذلك، لأنه في الواقع بناء قائم على أساس هش للغاية. لذا، فإنه ضمن التركيبة القائمة الآن أعتقد أنه من الصعب إحداث أي إصلاحات أو تغيير.

الدكتورة إلهام المانع كاتبة وخبيرة في شؤون الخليج وأستاذة في العلوم السياسية في جماعة زوريخ السويسرية.
الباحثة والمختصة في شؤون الخليج إلهام المانع: انضمام السعودية وقطر إلى جانب الإمارات والبحرين إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية يتناقض مع دعمهما الواضح للجماعات الإسلامية في العالم.

لو ركزنا نظرنا على قطر: هذه الإمارة الخليجية معروفة بدعمها الواضح لجماعة الإخوان المسلمين. وهناك اتهامات لها بدعم جماعات إسلامية متشددة على غرار "جبهة النصرة" وحتى ما كان يعرف ب"داعش" سابقا. برأيك هل أن قطر جادة في محاربة "الدولة الإسلامية"؟

لا أعتقد أن قطر ترغب في امتداد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى حدودها. من جانب تسعى قطر إلى رسم خارطة إقليمية يكون لها فيها دور أكبر، ومن هنا نأتي إلى عقدة الضعيف، بمعنى صغر حجمها جعلها ترغب في لعب دور إقليمي أكبر من حجمها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وهذه معلومات معروفة، أن هناك شريحة في قطر داخل الأسرة الحاكمة تبدو لي مؤيدة لفكر الإسلام السياسي وتسعى إلى ترجمتها على أرض الواقع في دول أخرى. وهناك الجانب الثالث وهو نوع من العقد مع تلك القوة السياسية الإسلامية: نحن ندعمكم، شريطة ألا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية. ومن هذا المنطلق نرى أن قطر تدعم حركات الإسلام السياسي خارج قطر، ولكن ان يكتب شاعر، على سبيل المثال، قصيدة يمدح فيها ما حدث إبان ثورات الربيع العربي فإنه يواجه السجن لمدة 15 عاما.

كيف تقيمين سعي الولايات المتحدة لإدخال قطر والسعودية في التحالف الدولي لمواجهة داعش؟

بطبيعة الحال هناك حاجة إلى تمويل هذه الحملة وهي لن تتمكن من تغطية التكاليف وحدها، اذا أن هناك ضرورة وحاجة إلى المال الخليجي، لكن في الوقت نفسه السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تدخل واشنطن في تحالف مع دولتين تروجان للفكر المتشدد..يبدو لي الأمر متناقضا.

هل تعتقدين أن قطر أكثر مرونة من السعودية في إمكانية تغيير سياستها الخارجية القائمة على دعم الجماعات الإسلامية؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تفعل قطر ذلك أساسا. قطر حاليا هي المستفيدة مما يحدث. هي صنعت لنفسها إطارا إقليميا ودورا إقليميا. في الوقت نفسه، تبدو كما لو أنها تسعى إلى النكاية بالسعودية. أعتقد أن قطر لن تغير من سياستها، إلا عندما ترتد إلى نحرها. وقد حدث ذلك مع قادة دول أخرى على غرار أنور السادات الذي حينما وصل إلى الحكم قرر مواجهة مراكز القوة اليسارية بالتحالف مع الإسلاميين وامتد هذا السيف إلى نحره. وبنفس المنطق أعتقد أن ذلك سيحدث مع قطر أيضا. أما السعودية، فأعتقد أن كيانها مهدد أيضا بسبب هذا التناقض الأيديولوجي الموجود داخلها.

 

أجرت الحوار شمس العياري

حقوق النشر: دويتشه فيله 2014

الدكتورة إلهام المانع كاتبة وخبيرة في شؤون الخليج وأستاذة في العلوم السياسية في جماعة زوريخ السويسرية.