''الفنّ المعاصر في أفغانستان بحاجة إلى المبادرات الذاتية''

تحتل أفغانستان في هذا العام وللمرَّة الأولى مكان الصدارة في معرض دوكومنتا الثالث عشر الذي يعدّ من أهم معارض الفنّ العالمية وقد افتتح أبوابه الآن في ألمانيا. الصحافي الألماني مارتين غيرنر في الحوار التالي مع المشرف على معرض دوكومنتا في كابول، الفنَّان الأفغاني أمان مجددي، حول التحدِّيات التي تواجه الفنّ المعاصر في أفغانستان.

الكاتبة ، الكاتب: Martin Gerner



ما نوع التحدِّيات التي واجهتكم في إقامة معرض دوكومنتا في كابول؟

أمان مجددي: أصعب شيء بالنسبة لي كمشرف على معرض دوكومنتا في كابول أنَّني لا أعتبر نفسي في الحقيقة مشرفًا أو قيِّمًا على معرض، بل أنا في الحقيقة فنَّان أكثر من كوني مشرفًا على معارض، وفي الواقع لقد شكَّل هذا تحديًا بالنسبة لي. وكذلك كان توقيت معرض دوكومنتا في كابول معقدًا.

تم في الأعوام الثلاثة الأخيرة بذل جهود كبيرة من قبل الأطراف الدولية في أفغانستان لدعم النشاطات الفنِّية والثقافية وتملويها باعتبارها تشكِّل جزءً من مجموعة حملات دعائية وإعلامية. وهذا ينطبق على كلّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى دول أخرى.

وهذه الإجراءات تعني ضخ استثمارات مالية كبيرة في هذه النشاطات من أجل خلق انطباع بأنَّ أفغانستان الآن في وضع أفضل بكثير من ذي قبل، الأمر الذي من المفترض أن يؤدِّي في آخر المطاف إلى إمكانية سحب قوَّات هذه الدول من أفغانستان. كذلك تقرَّر خفض التمويل منذ الآن وحتى عام 2014 وقد بدأ ذلك بالفعل. ولذلك كان التحدي الذي واجهنا يكمن في التأكُّد من أنَّ معرض دوكومنتا لن يصبح واحدًا من المبادرات التي تقع ضحية تخفيض التمويل.

كيف تجاوزت هذه المشكلة التي ذكرتها للتو؟

الصورة رومان مينسيغ
تقام على هامش معرض دوكومنتا الثالث عشر مجموعة من ورش العمل والحلقات الدراسية والندوات والنشاطات الأخرى في مدينتي كابول وباميان - في الصورة تركيب للنحَّات الأرجنتيني أدريان فيلار روخاس.

​​مجددي: في بداية الأمر كان لدينا أساس لم يكن في الواقع أساسًا حقيقيًا وكان يكمن إن جاز القول في "عدم وجود خطة محدَّدة لدينا" وأنَّه "كان يتعيَّن علينا ببساطة السفر إلى هذا البلد وإقامة نشاطات هنا". وعلى هذا النحو فقد مثَّل ذلك بالنسبة لنا طريقة عمل مثيرة للاهتمام، وذلك لعدم وجود أية أفكار أو نماذج جاهزة. ولكن في الوقت نفسه توجد في أفغانستان أشكال معيَّنة من الصراع أو حتى من مشاريع التنمية المتجذِّرة بعمق، بحث أنَّ المرء إذا كان لا يريد الالتزام بمشروع ما سيتكيَّف مع هذا الشكل غير المحدَّد والموجود أصلاً في البلاد. وهنا بالذات كانت المشكلة. وقد عملنا على ذلك فترة طويلة جدًا.

توجد لدى الكثيرين من الأفغان تحفُّظات على المنظَّمات غير الحكومية وأموال التبرعات.هل يمكنك القول بعد عامين من أعمال التحضير للمعرض إنَّ معرض دوكومنتا في كابول قد نجا من هذه التحفُّظات؟

مجددي: ما يزال من الصعب قول ذلك؛ وخير مثال على ذلك الطريقة التي يتم من خلالها إعداد الحلقات الدراسية. حيث حاول معرض دوكومنتا بدلاً من اتِّباع نهج أقرب إلى التربوية تصميم هذا النهج بشكل تفاعلي كبير. إذ يستخدم بعض الفنَّانين الحلقات الدراسية من أجل نقل بعض المشاريع الفنِّية المشتركة إلى حيِّز التنفيذ، بدلاً من مجرَّد إعطاء نوع من التدريس التلقيني وفقًا للمبدأ القائل "يجب عليك أن تتعلَّم ما أعرفه".

من هم الفنَّانون الأفغان المشاركون في معرض دوكومنتا؟

مجددي: في البداية أنا شخصيًا وثم الفنَّان خادم علي الذي يشتغل بشكل خاص في المنمنمات المعاصرة والفنَّان الأفغاني ژیانو غوثي المقيم في برلين ويهتم بالأعمال والمشاريع متعدِّدة الوسائط، بالإضافة إلى المصوِّر الصحفي زلماي الذي أنجز الكثير من الأعمال الفنِّية لمعرض دوكومنتا. ولدينا بالإضافة إلى ذلك المصمِّمة زليخة شرزاد التي تعمل في المنسوجات وكذلك الفنَّان مسعود كمندي الذي تدور أعماله حول التصوير الفوتوغرافي الرقمي وقد طوَّر برنامجًا يلتقط عدة صور في الوقت نفسه ومن ثم يقوم بكسرها في صورة واحدة، بحيث أنَّها تظهر في النهاية شكلاً من الرسوم التجريدية.

ويوجد كذلك أيضًا ثلاثة فنَّانون تم اختيارهم من الحلقات الدراسية التي تم إجراؤها في كابول، وهؤلاء الفنَّانون هم الفنَّان قاسم فوشنجي والفنَّان محسن تاشه والفنَّانة زينب حيدري، وكلّ فنَّان منهم يعمل في مجالات مختلفه؛ إذ يعمل محسن تاشه في المنمنمات المعاصرة، وزينب حيدري في الرسم التجريدي، أما الفنَّان قاسم فوشنجى فيعمل في أعمال الفيديو التركيبية. وقد تم اختيارهم من أجل الإقامة ثلاثة أسابيع في مدينة كاسل الألمانية كما أنَّهم سيعرضون أعمالهم في كابول.

ويشارك في المعرض أيضًا الفنَّان رهرو عمرزاد، الذي تولى لفترة من الزمن إدارة مركز للفنِّ المعاصر في كابول، وكذلك الفنَّانة الأمريكية الأفغانية مريم غني التي تعرض في هذا المعرض شريط فيديو وأعمال فيديو أخرى. وكذلك المخرج برمك أكرم الذي أنجز من أجل هذه المناسبة عملاً تركيبيًا.

لا يشارك في معرض دوكومنتا فنَّانون أفغان بهوية ثقافية واحدة فقط، بل كذلك أيضًا فنَّانون أفغان لديهم هوية مزدوجة أو متعدِّدة الثقافات.لذلك كيف تعرِّف الفنَّ الأفغاني؟

رومان ومينسيغ
تركيب للفنَّان الإيطالي المعروف جوزيبه بينوني Giuseppe Penone بعنوان جذور الحجر "Radici di pietra" في حديقة باغ بابر في كابول. شارك هذا الفنَّان المعروف عالميًا مرَّتين بمنحوتاته في معرض دوكومنتا.

​​مجددي: الفنّ المعاصر في أفغانستان يعيش حالة إهمال منذ فترة طويلة وقد شهد انتعاشًا في الأعوام الأخيرة. ولكني لن أذهب إلى حدّ وصفه على أنَّه "فنّ أفغاني" ذلك لأنَّني أعتقد أنَّ الفنَّ لا يرتبط مثلما يتم عرضه في مدينتي كابول وكاسل - ومثلما يعتبر أيضًا بالنسبة لفنَّانين آخرين - بالجنسيَّات.

وإذا نظر المرء إلى الفنِّ المعاصر في الشرق الأوسط فسيلاحظ وجود وجه الشبه في بعض النواحي. إذ إنَّ كلَّ شيء في يومنا هذا صارت له علاقة بالأمور الجيوسياسية. وكذلك ضمن السياق الأوروبي لا يصف المرء أعمالاً ما على أنَّها من "الفنِّ الفرنسي"، بل سيقول بدلاً عن ذلك وضمن سياق معين إنَّ هذه الأعامل من فنَّان فرنسي. ولكن من ناحية أخرى هذا صحيح بطبيعة الحال أنَّ الجوانب السياسية والعرقية ما تزال حتى الآن حاضرة بزخم ضمن السياق الأفغاني.

ما هو التغيير الذي سيحدثه معرض دوكومنتا بالنسبة للمشهد الفنِّي الأفغاني؟ وهل تلمسون أي تأثير على المدى الطويل؟

مجددي: من الواضح أنَّ التمويل يلعب دائمًا دورًا مهمًا في هذا المجال. ولكني مع ذلك أود الاعتقاد أنَّ الجانب المالي لمعرض دوكومنتا سوف يفقد بعد انتهاء المعرض شيئًا من أهميته. وذلك لأنَّه قد نشأت في أفغانستان ثقافة الاعتماد على المساعدات المالية التي تقف في طريق تعبير المبدعين عن إبداعهم. كثيرًا ما ينتظر الناس ببساطة وصول أموال جديدة قبل بدئهم في الواقع بأية أعمال. والاستدامة بالنسبة لي تعتبر كلمة غامضة، فهي تشير إلى أن الحلول تأتي دائمًا من الخارج، وهذا مفهوم غير صحيح. وربما يمكن من خلال تشكيل جمعيَّات تضم الفنَّانين ويتم تأسيسها من قبل الفنَّانين الأفغان بالذات بمعارض تقام بمبادرات ذاتية إيجاد الطريق لإيجاد نهج أكثر استدامة.

 


أجرى الحوار: مارتين غيرنر

ترجمة: رائد الباش

مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

ولد الفنَّان الأفغاني أمان مجددي في عام 1971 في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا الأمريكية، ويعيش حاليًا متنقلاً بين العاصمة الأفغانية كابول ودبي وباريس. ويعدّ منذ عام 2001 جزءً من المشهد الفنِّي في كابول وقد ساهم كثيرًا في تطوّره.