"الكل صدّق أن الخميني جاعل من إيران جنة الله على الأرض"

شكلت عودة الإمام آية الله الخميني في الأول من فبراير/ شباط 1979 إلى إيران من منفاه في فرنسا نقطة فارقة في المسار السياسي للدولة الإيرانية. حول دور الخميني في الثورة الإسلامية الإيرانية وأهمية ذلك بالنسبة لإيران اليوم، أجرى توماس لاتشان مع الخبير الألماني-الإيراني باهمان نيروماند، المتخصص البارز في الشؤون الإيرانية، الحوار التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Thomas Latschan

السيد باهمان نيروماند، قبل 35 عامًا تمكَّنت القوى الثورية في إيران من الإطاحة بالشاه. وفي تلك الأيَّام كنتَ قد عدت قبل ذلك بفترة قصيرة من ألمانيا إلى إيران وشهدت الأحداث بصورة مباشرة. فكيف تصف لنا الحركة الثورية والمزاج العام لدى الشعب الإيراني عند بدء الثورة؟

باهمان نيروماند: كانت الأجواء مفعمة بالبهجة والحماس بشكل عظيم. وقد امتلأ الجميع بالأمل في حياة أفضل. فالثورة الإسلامية كانت في الواقع ثورة ضدّ الدكتاتورية. وكان شعار الثورة في البدء: "الحرية والاستقلال"! أمَّا الدعوة لإقامة "الجمهورية الاسلامية" فقد جاءت فقط في الأشهر الأخيرة كشعار ثالث. والجميع كانوا مبتهجين إلى حدّ كبير، بحيث أنَّني لم أرى قط - ولا حتى في الأفلام - مثل تلك المشاهد التي شاهدتها في إيران في الأسابيع القليلة قبل سقوط الشاه وبعد سقوطه.

تراكم استياء الإيرانيين من الشاه والنخبة الحاكمة في البلاد لإعوام طويلة. ما هي الشرارة التي فجَّرت برميل البارود في عام 1978/1979؟

باهمان نيروماند: هناك العديد من النظريات حول ذلك. ونظريتي تفيد بأنَّ السبب لم يكن الفقر الذي كان سائدًا في معظم أنحاء البلاد. بل كان يوجد أمران مختلفان اجتمع بعضهما مع بعض: فمن ناحية أصبحت إيران ومن خلال عائدات النفط دولة مهمة اقتصاديًا. ونتيجة لذلك فقد تكوَّنت في إيران طبقة متوسطة كبيرة، وهذه الطبقة المتوسطة باتت تطالب بحقّ المشاركة في صنع القرار السياسي. وكان ذلك بحسب رأيي المحرِّك الحقيقي للثورة.

وفي الواقع لقد انطلقت الاحتجاجات الأولى من الطبقة المتوسطة، من موظَّفي الدولة ومن المعلمين والطلاَّب وكذلك من الكتَّاب ورجال القانون. ولهذا السبب فقد كان أهم شعار هو "الحرية" ويليه أهمية شعار "الاستقلال"، وذلك لأنَّ إيران باتت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الولايات المتَّحدة الأمريكية. وكذلك كان هذا الاعتماد على الأمريكان سببًا ثار عليه الشعب.

 Ayatollah Khomeini bei einer Konferenz in Frankreich; Foto: © Getty Images/Afp/Marcel Binh
Symbolfigur der islamischen Revolution: In seinem Exil in Paris konnte Ayatollah Khomeini in den Fokus der Weltöffentlichkeit rücken und seine Botschaften an seine Anhänger richten.

ما هو الدور الذي لعبه آية الله الخميني من منفاه في الخارج بالنسبة لحركة الاحتجاج في إيران؟ ولماذا شكَّل هو بالذات هذه الشخصية المحورية في حركة الاحتجاجات؟

باهمان نيروماند: يرتبط تمكّن الإسلاميين من الصعود إلى رأس حركة الاحتجاجات بالعديد من الصدف. وضمن هذا السياق يبدو لي أنَّ طرد الخميني من منفاه في مدينة النجف في العراق وتحت ضغط من الشاه كان أمرًا على قدر كبير من الأهمية. ومن ثم انتقل إلى باريس وأصبح فجأة في محور اهتمام جميع وسائل الإعلام وعلى المستوى العالمي. ومن هناك استطاع توجيه رسائله إلى المتديِّنين في إيران.

وأمَّا السبب الثاني من حيث الأهمية فقد كان يكمن في كون الجماعة الإسلامية في إيران كانت منظمة تنظيمًا جيدًا: إذ تمكَّن الخميني من تحويل رجال الدين الذين كان عددهم أكثر من مئة ألف في إيران إلى كوادر حزبية، وتحويل المساجد إلى مقرَّات للحزب والمؤمنين إلى جنود. وهكذا أصبح الخميني خلال بضعة أشهر زعيم الثورة من دون منازع، والجميع كانوا مصدِّقين وعوده وأنَّ إيران ستصبح قريبًا جنة على الأرض.

هل كانت توجد عندما تمت الإطاحة بالشاه أية مؤشرات تشير إلى أي اتّجاه سوف تتطوَّر هذه الثورة؟ فعلى أية حال لقد تم آنذاك انتخاب رئيس وزراء ليبرالي للبلاد من خلال انتخاب السياسي الليبرالي مهدي بازركان رئيسًا لوزراء الحكومة الانتقالية

باهمان نيروماند: لقد كانت هذه خطوة ذكية جدًا من الخميني. صحيح أنَّ بازركان كان ذا توجهات دينية، ولكنة كان مع ذلك ليبراليًا. وكان جزءًا من التيار المستنير في إيران. ولكن في الواقع بات من الواضح في الأسابيع الأولى إلى أيّ اتِّجاه يسير القطار. كذلك كان السؤال الأوَّل الذي تم طرحه على الناس في الاستفتاء: "جمهورية إسلامية، نعم أو لا؟" في الواقع كانت هذه محاولة لفرض الإرادة بطريقة، على الرغم من أنَّها قانونية، ولكنها كانت أيضًا طريقة مخادعة جدًا. (تم حينها إجراء استفتاء على دستور إسلامي جديد لإيران بعد شهرين فقط من عودة الخميني إلى إيران في 30/31 من آذار/مارس 1979، ملاحظة فريق التحرير).

والتصويت بـ"لا" كان يعني تأييد الإبقاء على النظام الذي تم إسقاطه، أي نظام الشاه. وكان ما نسبتهم تسعين في المئة من الإيرانيين ضدّ عودة هذا النظام. ولكن ماذا كان يعني التصويت "بنعم"؟ لم يكن أحد يعرف على الإطلاق ماذا يمكن أن تكون "الجمهورية الإسلامية". وحتى أولئك الذين اقترحوا الجمهورية الإسلامية - أي الخميني وأتباعه - لم يفسِّروا على الإطلاق ماذا يعنيه هذا المصطلح. لقد فكَّر الناس بهذا الشكل: "نعم، الجمهورية شيء جيد جدًا وهذا ما نريده. والإسلام؟ كذلك جيّد فنحن بلد مسلم". ولم يقل أي أحد حينها أنَّ الهدف هو أسلمة البلاد أسلمة كلية.

الخبير في الشؤون الإيرانية باهمان نيروماند. Foto: picture-alliance/dpa-Zentralbild
Bahman Nirumand ist iranisch-stämmiger Publizist, politischer Analyst und Autor mehrerer Bücher, darunter auch einer politischen Biographie Ayatollah Khomeinis. Nirumand ist war zur Zeit der Islamischen Revolution selbst in Teheran.

متى أدركت أن الثورة انقلبت؟

باهمان نيروماند: لقد كان ذلك في أوَّل هجوم على الصحافة، وتحديدًا الهجوم على صحيفة "آيندگان"، التي كانت صحيفة مرموقة للغاية وكان يكتب لصالحها في المقام الأوَّل صحفيون ليبراليون ويساريون وتقدميون. وكذلك كانت هذه الصحيفة تعدّ الصحيفة الأكثر قراءة في البلاد. وكانت بدأت تطالب بالديمقراطية من أجل الحيلولة دون تحوّل إيران إلى دولة إسلامية بشكل تام. وذلك الحين لم يجرؤ الخميني حتى على حظر الصحيفة - بل قال فقط (في الـ10 من أيَّار/ مايو 1979، ملاحظة فريق التحرير) إنَّه لم يعد يقرؤها بتاتاً.

وردًا على ذلك صدرت الصحيفة في اليوم التالي بصفحات فارغة تمامًا - وبأكبر طبعة. ولكن مع ذلك تمت مداهمة مكتب تحريرها. (تم إغلاق مكتب تحريرها رسميًا في غرة شهر آب/ أغسطس 1979، ملاحظة فريق التحرير). ثم وقعت بعد ذلك مداهمات للمكتبات ودور النشر. وكان المستهدف من ذلك المثقَّفين والمؤسَّسات الثقافية التي تسعى إلى وجود مجتمع مدني حرّ غير ضيِّق الفكر مثلما الحال في الجمهورية الإسلامية.

بعد ذلك فرض الخميني، بصرامة ودون أخذ الآخرين بالاعتبار، مطلبه بالسلطة. لماذا لم تواجهه مجموعات المعارضة الأخرى بما يكفي؟

باهمان نيروماند: اتَّضح هذا التطوّر على نحو متزايد وقد عمل في السنة الأولى على تقسيم الشعب. ولم يكن من الواضح بعد أي من الطرفين سوف يفرض إرادته: إذ إنَّ اليساريين والليبراليين والديمقراطيين كانوا يشكِّلون هم أيضًا قوة كبيرة جدًا. ولم يُحسم الأمر إلاَّ مع الحرب العراقية الإيرانية بين عامَيْ (1980-1988)، حين أقدم صدام حسين - وبتشجيع من الغرب - على مهاجمة إيران. وقد كان ذلك مثلما وصفه الخميني: "هبة من السماء"، لأنَّه بات بوسعه تصفية أية معارضة من خلال الإشارة إلى العدو الخارجي، وذلك بسبب إمكانية إرسال مئات الآلاف إلى جبهة القتال، وقد تم بذلك القضاء على الجزء الأكبر من البطالة التي كانت تشكِّل في تلك الأيَّام مشكلة كبيرة. ولكن وقبل كلِّ شيء تمكَّن الإسلاميون من فرض إيديولوجية الشهادة، أي الموت من أجل الوطن. وهكذا حدَّدت الحرب الاتِّجاه الذي تسير فيه إيران.

مقبرة الشهداء في إيران. Foto: Hartmut Niemann
Ein Mann betet am Grab von zwei iranischen Märtyrern. Die Menschen, die im Iran-Irak Krieg ums Leben gekommen sind, werden in Iran als „Märtyrer“ bezeichnet.

هل تعتقد أنَّ الثورة غيَّرت الخميني، بحيث أنَّه بات يعمل وبشكل تدريجي على تكييف أهدافه؟ أم أنَّه كان ينوي ومنذ البداية تأسيس جمهورية إسلامية في شكلها الحالي الذي نعرفه في يومنا هذا؟

باهمان نيروماند: أعتقد أنَّ الخميني نفسه لم يصدِّق منذ البداية أنَّه سيحصل على هذه السلطة. وكان ذلك واضحًا أيضًا في خطاباته في باريس. وعندما ألقى خطابه الأوَّل في إيران لاحظنا وجود اختلاف تام. كانت أولاً تطوف في مخيلته فكرة الأمة الإسلامية التي تمدت إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي. وثانيًا كان يريد أسلمة الثقافة في إيران وكذلك أيضًا الحياة برمتها.

وفي الواقع لقد كانت الثورة الإسلامية أيضًا ثورة ثقافية: فقد حاول الشاه جعل إيران دولة غربية. بيد أنَّ هذا لم يكن يعني الحرية والديمقراطية، بل فرض هوس الاستهلاك والسطحية. وفي الحقيقة إنَّ تخلي إيران عن ثقافتها مقابل ما أراده الشاه لم يكن أمرًا سيئًا بالنسبة للإسلاميين وحدهم - بل لقد كان الجميع يعارضون ذلك.

ولهذا السبب فقد وجد الخميني هنا أرضًا خصبة للغاية من أجل إحداث التغيير الثقافي. والناس كانوا جاهزين لذلك. وفي البدء كانت معركة الخميني الثقافية موجهة ضدّ فرض الثقافة الغربية على البلاد، ولكنه واصل معركته بعد ذلك مستهدفًا القوى العلمانية وحتى الإسلاميين. كما أنَّ هذه المعركة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

ما مدى تأثير الخميني في المجتمع الإيراني حتى يومنا هذا؟

باهمان نيروماند: لا يزال الخميني حتى الآن يلعب دورًا مهمًا للغاية. فقد كان على أية حال زعيم ثورة دعمتها الجماهير دعمًا قويًا إلى أكبر حدّ. وفي البداية كان تسعون في المئة من الإيرانيين يؤيِّدون الخميني - وحتى اليساريون، وذلك بسبب إدراكهم أنَّهم لن يتمكَّنوا من إسقاط الشاه من دون هذه القوة الإسلامية. والآن يُحسَب للخميني إسقاط نظام الشاه.

ولهذا السبب فهو لا يزال يحظى بالاحترام والتقدير. ولكن في المقابل تتم اليوم مناقشة أفكاره وبشكل صريح حتى في المعسكر الإسلامي. صحيح ألاَّ أحد يجرؤ على انتقاده بشكل مباشر، بيد أنَّ الكثيرين ممن يعبِّرون اليوم عن وجهات نظرهم الذاتية، يميِّزون أنفسهم كثيرًا عن الخميني، وحتى في معسكر الإسلاميين، على سبيل المثال مثلما الحال لدى حركة الإصلاح بأكملها.

 

 

حاوره: توماس لاتشان

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

يعدّ باهمان نيروماند صحفيًا من أصول إيرانية يعيش في برلين، وهو كذلك محلل سياسي ومؤلف للعديد من الكتب من بينها "سيرة حياة آية الله الخميني السياسية".