"لا يوجد معتدلون في حركة الطالبان"

تعتزم الولايات المتَّحدة الأمريكية في إطار رؤيتها الاستراتيجية الجديدة في أفغانستان إجراء محادثات مع ما يمكن تسميتهم بــ"المعتدلين" في حركة الطالبان. كلاوس يانسين أجرى هذا الحوار مع سيتا مآس من المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين حول ما تعنيه هذه المحادثات بالنسبة للتطوّرات السياسية في أفغانستان.

صورة رمزية
ترى سيتا مآس أنَّ" المحادثات التي تجري في السعودية لا تمثِّل مفاوضات - فهي تجرى ضمن نطاق غير رسمي"

​​ يرى الرئيس باراك أوباما أنَّ الوقت قد حان من أجل تغيير الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، كما أنَّه يريد بالإضافة إلى ذلك إجراء مفاوضات مع "المعتدلين" في حركة الطالبان. السيدة مآس، كيف ينبغي بنا تصوّر "المعتدلين" في حركة طالبان؟

سيتا مآس: لا يوجد في الحقيقة "معتدلون" في حركة الطالبان. وأنا أفضِّل استخدام تعبير "المستعدِّين للحوار" في حركة الطالبان. وعلى ما يبدو تجرى حاليًا مفاوضات سرِّية في المملكة العربية السعودية يشارك فيها ممثِّلون عن الحكومة الأفغانية، ويشارك فيها كذلك ممثِّل رفيع المستوى عن الملا عمر. وهذا الممثِّل لا يمكن أن يكون بطبيعة الحال "معتدلاً"، ولكن يبدو أنَّه مفوَّض بالمشاركة بمثل هذه المحادثات. وهذه المحادثات لا تمثِّل أيضًا مفاوضات - فهي تجرى ضمن نطاق غير رسمي. وبرأيي لن يتم التوصّل إلى صيغة اتِّفاق يمكن التوقيع عليه - هذا إذا تم التوصّل على الإطلاق إلى نتيجة.

إذن هل يمثِّل الطالبان مجموعة متجانسة أم أنَّه توجد في الحقيقة تيَّارات مختلفة؟

مآس: إذا ركَّزنا انتباهنا في البدء فقط على حركة الطالبان الأفغانية فسنجد أنَّ هذه الحركة تتكوَّن من تحالفات غير متجانسة إلى حدّ كبير. وأهم هذه المجموعات المجموعة القيادية التي يتزعَّمها الملا عمر وجماعة الطالبان الجدد التي يتم تنظيمها الآن تنظيمًا لا مركزيًا. ولكن يتبع أيضًا هذه التحالفات بعض أصحاب النفوذ من البشتونيين وكذلك أقطاب تجارة المخدِّرات الذين ينشطون على كلا الجانبين، أي كذلك على جانب الحكومة الأفغانية. ومنذ أعوام يجري البريطانيون محادثات على مستوى محلي. والجديد الآن هذه المحادثات السرِّية الإستراتيجية التي يتم إجراؤها في المملكة العربية السعودية بدعم بريطاني وكذلك بموافقة الأمريكيين. وهذه المحادثات لم تعد تتم فقط على المستوى المحلي وهذا يشكِّل بحدِّ ذاته نوعية جديدة.

الباحثة سيتا مآس
"لن نرى في العشرة أعوام القادمة ديمقراطية وشرطة تخضع لسيادة القانون في أفغانستان"

​​ من ناحية تقدِّم الولايات المتَّحدة الأمريكية عرضًا لإجراء محادثات ومن ناحية أخرى ينوي الأمريكيون مواصلة تعزيز قوَّاتهم في أفغانستان - فكيف يحدث ذلك في وقت متزامن؟

مآس: يستطيع المرء بطبيعة الحال الدخول في مثل هذه المحادثات على أفضل وجه من موقع القوة. وهذا ما يفسِّره تعزيز القوَّات الأمريكية في أفغانستان. ومن ناحية أخرى سوف يزيد أيضًا وبطبيعة الحال ممثِّلو الملا عمر، أي الجماعة الرئيسية في حركة الطالبان من وتيرة هجماتهم، وذلك لأنَّهم سوف يحاولون بدورهم دخول هذه المفاوضات من موقع القوة. وهذا يعني أنَّ لدينا من ناحية تعزيز في العمليات العسكرية، ومن ناحية أخرى أيضًا محادثات سرِّية يتم إجراؤها في هذه الأثناء من خلال اتِّصالات مجرَّدة. وفي الحقيقة يتميَّز التقليد البريطاني في محاربة حركات التمرد بمثل هذه الإستراتيجية.

إذا كان الغرب سيجري الآن بالفعل مفاوضات مع حركة الطالبان، فما الذي سوف يحدث عندئذ مع الأهداف المعلنة، أي مع سيادة القانون والديمقراطية في أفغانستان؟

مآس: لقد تحتَّم علينا أن نرى على أرض الواقع في السنة الماضية أنَّنا لن نتمكَّن لدى هذا الجيل من بناء الحياة الديمقراطية في أفغانستان؛ وأنَّ عملية التغييرات الاجتماعية هذه تتخطى الجيل الحالي. ولنتذكَّر أوروبا - فكم استغرق ذلك هنا؟ إذ إنَّ هذه عملية طويلة الأمد إلى حد كبير للغاية. والمشكلة هي أنَّنا ركَّزنا الجهود الدولية في أفغانستان في ظلِّ إدارة جورج دبليو بوش على تصوّرات عن القيم، وتحديدًا على فرض الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. ولا ينبغي بنا صرف النظر عن هذه الأهداف، ولكن يجب علينا أن نوسِّع المدى الزمني إلى ثلاثين وحتى خمسين عامًا ويجب علينا بالإضافة إلى ذلك التقليل كثيرًا من الأهداف الجانبية. ولن نرى في العشرة أعوام القادمة ديمقراطية وشرطة تخضع لسيادة القانون في أفغانستان.

ماذا تفكِّرين، إلى متى سوف تستمر العمليات العسكرية في أفغانستان؟

دورية أمريكية في كابول، الصورة: ا.ب
"أنا لا أرى حتى الآن أي إستراتيجية - وعندما أتحدَّث عن استراتيجية فإنَّني أقصد العمل بجانب الإجراءات العسكرية ... إجراء تحسين في قيادة الدولة والتقليل من الفساد وإعادة البناء بشكل أكثر فعالية"

​​ مآس: هذا يتوقَّف على كون هذه المحادثات التي تجرى الآن سوف تؤدِّي على الإطلاق إلى نتيجة. وإذا ما قدِّر لها أن تسير بنجاح - فما الثمن السياسي الذي سوف يتم دفعه؟ وإذا فكَّرنا بالأوضاع السياسية الداخلية في أفغانستان نجد أنَّه يجب علينا أن نخشى على أنَّه لن يعد من الممكن في أفغانستان اتِّباع القيم التي لدينا في الغرب.

كيف سيكون شكل التغيير الفعَّال في الاستراتيجية في أفغانستان على أرض الواقع؟

مآس: أنا لا أرى حتى الآن أي إستراتيجية - وعندما أتحدَّث عن إستراتيجية فإنَّني أقصد العمل بجانب الإجراءات العسكرية، أي المحاربة المباشرة للجماعات المتمرِّدة وفي الوقت نفسه إجراء تحسين في قيادة الدولة السيِّئة للغاية والتقليل من الفساد. بالإضافة إلى التركيز على عملية إعادة البناء بشكل أكثر فعالية وقبل كلِّ شيء بالاشتراك مع شركاء أفغانيين، الأمر الذي لم نقم به في الأعوام الماضية إلاَّ بشكل قليل جدًا.

أجرى الحوار كلاوس يانسين
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.

دور طائرات "تورنادو" في توسيع الحرب في أفغانستان:
االمساهمة الخطأ في التحول الإستراتيجي
يعتبر تقديم الجيش الألماني طائرات إستطلاع من طراز "تورنادو" إسهامة ضعيفة في الدعم العسكري الذي تطالب به أميركا لهجمات حلف "الناتو" ضد طالبان، فضلا عن أن عمليات إستطلاع طائرات الـ"تورنادو" هي وسيلة خاطئة للوصول إلى استقرار سياسي في أفغانستان. تقرير من سيتا د. ماس.

باكستان والحرب على الإرهاب:
بلد على شفير الهاوية
لم تؤدِ "الحرب على الإرهاب" التي يتم خوضها بطريقة سيّئة إلى تأجيج نار التطرّف في باكستان وحسب، بل صارت تهدّد الآن أيضًا بتمزيق هذا البلد الذي يعاني أصلا من اضطرابات سياسية ومشكلات أمنية، حسب رأي أحمد رشيد في التعليق التالي.