"أملي أن يطرد شعبنا الجزائري هذا النظام بالانتخابات"

قدّم الكاتب الجزائري الشهير محمد مولسهول (ياسمينة خضرا) نفسه عام 2013 كأول مرشح غير حزبي للانتخابات الرئاسية 2014 في بلاده. ولكن في النهاية لم يحصل إلا على 43 ألفاً من الـ 60 ألف توقيع اللازمة لخوضه المنافسة كمرشح مستقل للانتخابات. المترجمة ريغينا كايل ساغاوه تحدثت معه، لموقع قنطرة، حول محنته السياسية في الجزائر.

الكاتبة ، الكاتب: Regina Keil-Sagawe

في مارس 2014 قبل خمسة أسابيع من انطلاق الانتخابات الرئاسية في السابع عشر من أبريل (نيسان) كان محمد مولسهول، الذي يحمل الاسم المستعار ياسمينة خضرا، ضيفاً على معرض لايبتسغ للكتاب في ألمانيا، حيث قدم سيرته الذاتية التي تحمل عنوان "الكاتب" والصادرة حديثاً بالألمانية. وما كاد الكاتب الجزائري الناجح يغادر فندقه في قلب شارع نيكولاي حتى لاحقه رجل غريب ممسكاً به، ثم راح الشاب الجزائري يوجه إليه أحر عبارات الشكر لأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية. كانت المترجمة ريغينا كايل ساغاوه شاهدة عيان على هذه الواقعة، وهي في هذه المقابلة تسأله عن خلفيات ترشحه للانتخابات.

...

في سيرتك "الكاتب" نقرأ عن مقابلة مفاجئة بينك، الشاعر الشاب في الأكاديمية العسكرية، وبين رئيس الدولة الجزائرية الأسبق هواري بوميدين. هل كنت تعتقد آنذاك أنك ستترشح بنفسك يوماً لأعلى منصب في الدولة؟

ياسمينة خضرا: وكيف كان لي أن أفكر في ذلك آنذاك؟ كنتُ طالباً في المدرسة الثانوية، وكان كل همي ينحصر في الواجبات المدرسية. وقتذاك كنت أحلم بأن أصبح كاتباً فحسب. الأدب كان بالنسبة لي الرسالة الوحيدة التي جعلتني أحلم. كنت معجباً بالأدباء، لأنهم كانوا يُظهِرون لي كيف يستطيع الإنسان أن يُعيد اختراع العالم الذي سلبه الجيش مني. إنني أتَحدَّر من أسرة شعراء عريقة، وفي عروقي يجري حب الكلمة. لقد اعتبرت أن من مُلزِمات المواطنة بالنسبة لي أن أرشح نفسي. كجزائري وجدت أنّ مِن غير المحتمل أن يُداس بالأقدام على كرامة شعبي. أن يتقدم المرء لفترة رئاسية رابعة وهو مريض مرضاً عضالاً، مثلما يريد الرئيس بوتفليقة أن يفعل، فهذا شيء بائس وسخيف.

كيف عايشت المعركة الانتخابية كمرشح من بين نحو مئة من المتقدمين للانتخابات الرئاسية؟

ياسمينة خضرا: لقد مثّلت هذه الفترة خبرة أليمة لي للغاية. لقد قطعت نحو عشرة آلاف كيلومتر في طول البلاد وعرضها، ثم عرفت عمق الصدمة النفسية التي يعاني منها شعبنا بعد نصف قرن من الديماغوغية والأوهام. لقد كنت ساذجاً للغاية لأنني كنت متأكداً من دعم المثقفين والمشاهير في البلاد، غير أنني كنت أجد نفسي وحيداً في الساحة.

لم يُسمح لي بتنظيم تظاهرات من أجل الدعاية الانتخابية -  ولهذا قررت إجراء مقابلات أدبية؛ أجريت ثلاث مقابلات، الأولى في قسنطينة،  والثانية في منطقة القبائل، والثالثة في وهران، غير أن هذا لم يكفِ لكي يكتسب المواطنين في الجزائر الوعي الكافي. ولكن لم يكن هناك هامش كبير للتحرك خلال شهرين قبل إجراء الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك فقد قمت بتمويل حملاتي وحدي. لم أتلقَّ أي نوع من الدعم، وهو ما أفسد عليّ تخطيطي. وهكذا كان الفشل من نصيبي، وبدلاً من أن أحصل على عدد الأصوات الإجبارية والبالغ 60 ألف صوت، لم أحصل إلا على 43 ألف صوت.

احتجاج دعت إليه حركة بركات الجزائرية ضد ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة. Foto: dpa/picture-alliance
Protest gegen politischen Stillstand und autokratische Herrschaft: Anhänger der "Barakat"-Bewegung in Algier demonstrieren gegen eine neuerliche Präsidentschaftskandidatur Bouteflikas. Im vergangenen Jahr war er nach einem Schlaganfall monatelang in Frankreich behandelt worden. Seitdem trat er nicht mehr öffentlich auf. Seine Bewerbung um eine vierte Amtszeit kam daher überraschend und stieß in Teilen der Bevölkerung auf starke Ablehnung.

وما هو تفسيرك لأسباب فشلك؟

ياسمينة خضرا: هناك عدة أسباب تلاقت معاً. أولاً انحياز المصالح الحكومية التي جعلت اليأس يدب في قلوب أنصاري. بعض اللجان الداعمة لترشيحي تم اختراقها، والبعض الآخر تم ترهيبها أو تهديدها. وهكذا قامت عدة مكاتب للدعاية الانتخابية بإغلاق أبوابها بسرعة نسبية، كما تخلى عني بعض قادة حملتي الانتخابية.

وبعد أن قامت عدة محطات تليفزيونية خاصة قريبة من النظام بتلطيخ سمعتي، تجاهلتني وسائل الإعلام كليةً. بالإضافة إلى ذلك فإن قرائي رفضوا أن أذهب إلى عرين الأسد، لأنهم كانوا يعتقدون كل الاعتقاد أني خاسر، بل وأني ربما سأُغتال. كانت الأجواء السائدة غير صحية. وبالرغم من تصميمي على السير في الطريق حتى النهاية، فإني لم أحصل إلا على تشجيع محدود. في القبائل وفي جبال الأوراس حصلت على أصوات كثيرة جداً، ولكن النتائج كانت كارثية في منطقة وهران، مسقط رأسي.

هذا شيء لا يدعو للدهشة، إذا أخذنا في الحسبان أنها أيضاً معقل الرئيس بوتفليقة ... ولكن ما هي الأشياء التي كانت ستتصدر البرنامج السياسي للرئيس محمد بولسهول، المشهور باسم ياسمينة خضرا؟

ياسمينة خضرا: أن تصبح حياة الجزائريين حياة طبيعية. إن المؤسسات الحكومية تلاحق الجزائريين، أما صُنّاع القرار في الدولة فيهملون شأنهم. برنامجي كان ستوجه بالأساس إلى جعل الجزائريين مواطنين راشدين في الدولة؛ فالجزائري لا يشعر بأنه يعيش في بلده، وليس هناك مؤسسة حكومية واحدة تحترمه، ولا أحد من القادة يستمع إلى صوته. إن حياته ليست سوى خوف دائم وقلق واشمئزاز دائمين. لم يعد لشبابنا أحلام أو آفاق. الشجعان يقفزون في قوارب صيد متهالكة حتى يصلوا إلى أوروبا.

لكن كثيرين يفقدون حياتهم خلال ذلك. المدارس الجزائرية أشهرت إفلاسها. لقد أصبحت الدروس تشكل نوعاً من الاقتصاد الموازي. الجامعة لم تعد تكوّن النخبة أو القوى القيادية. لا يحتفظ النظام بالسلطة إلا عن طريق إفساد العقل والضمير. ليس لدى النظام مشروع مجتمعي، كما أنه لا يتمتع بأية قدرات. إنه يكتفي بنهب خزائن الدولة بالإعلان عن مشاريع سكنية عملاقة لا تستفيد مها سوى مافيا العقارات ووحوش قطاع المال والبنوك.

بعض المدونات تتحدث منذ فترة طويلة عن جمهورية الموز الجزائرية البوتفليقية...

ياسمينة خضرا: برنامجي كان سيهدف إلى مواجهة هذا الجنون، وتعليم الشعب العمل مرة أخرى، وأن نصل إلى وضع تجعلنا فيه الثروة النفطية مهندسين ومشيدين لا من المستفيدين من الرواتب التقاعدية، أن نوفر فرص عمل جديدة، وأن ندير الثروات بدلاً من أن نكون من متلقي الصدقات. ولكن لسوء الحظ فإن كافة الخيوط تتلاقي عند النظام الجزائري الذي يمتنع عن منح فلس واحد لمن يخالفه. إن قوة النظام وطول حكمه لا يرتكزان إلا على ضعف التضامن القومي وغياب الطموح. من يجد عَظْمة في الجزائر فإنه يجلس في ركن ويبدأ في قضمها – وكل شيء آخر فهو سيان بالنسبة إليه.

ولكن هناك حركة بركات، وهناك أصوات تمردية بين الشباب الجزائري، مثلاً مغني الراب أنس تينا الذي ينصح بوتفليقة في فيديو كليب بعنوان "رسالة إلى الرئيس" بالبقاء في بيته، أو فرقة الريغا من وهران بأغنيتها "ما زال" – "ما زال هناك رجال في هذا البلد"؟

ياسمينة خضرا: نعم، لم نخسر المعركة تماماً. هناك أصوات معترضة، وهناك مظاهرات ومسيرات احتجاجية، وهناك صحوة في الأمة وصلت إلى المجموعات المهمشة من السكان التي تعاني من التمييز. آمل أن يشارك شعبنا بكثافة في الانتخابات ويطرد هذا النظام. وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، وألا يسمح للحكام باستفزازه، لأن استخدام العنف سيقتلنا هذه المرة بكل تأكيد.

 

حاورته: ريغينا كايل ساغاوه

ترجمة: سمير جريس

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

نُشرت السيرة الذاتية لياسمينة خضرا بعنوان "الكاتب" عام 2001 في باريس، وصدرت ترجمتها الألمانية هذا العام عن دار أوسبورغ، هامبورغ، وترجمتها عن الفرنسية ريغينا كايل ساغاوه. ("كاتب القُلَيْعَة" هي ترجمة عنوان النسخة الألمانية لهذه السيرة الذاتية-الرواية).

Yasmina Khadra, Der Schreiber von Koléa, Osburg, Hamburg 2014