نهاد سيريس: إذا أردت البقاء حيا في سوريا فالزم الصمت

في رصيد الكاتب السوري نهاد سيريس سبع روايات وعدد من المسرحيات والمسلسلات الدرامية المتلفزة. وبعد ازدياد الضغط عليه من قبل النظام السوري، ترك سيريس مسقط رأسه حلب في مطلع عام 2012. مارسيا لينكس كويلي التقته وأجرت معه الحوار التالي لموقع قنطرة.

هل ستبقى في مصر في المستقبل القريب؟

نهاد سيريس: فلنقل أن مصر ستكون محطة توقف مؤقتة وليست دائمة، لكنها لن تكون كذلك لفترة قصيرة. فمن مصر أستطيع السفر، وهذا مستحيل في سوريا الآن. مصر هي المكان الأمثل بالنسبة لي، لأنني، أولاً، أحب مصر، والقاهرة بالتحديد، وثانياً لأن مصر تعطي السوريين إمكانية الإقامة والتنقل بحرية.(ملاحظة قسم التحرير: أجريَ هذا الحوار قبل إطاحة الجيش المصري بالرئيس مرسي وما لحقه من تضييق على المواطنين السوريين في مصر.)

ما الذي ستعكف عليه أثناء بقائك في مصر؟ هل ستكتب رواية جديدة أم مسلسلاً تلفزيونياً؟

سيريس: لا. لن أكتب للتلفزيون مجدداً. الكتابة للتلفزيون بالنسبة لي متصلة بالاستقرار في سوريا، وهذا مستحيل حالياً. إذا كتبت رواية، فيمكنني طبعها في أي مكان. لكن بالنسبة للتلفزيون، فإنه يعتمد على شركة الإنتاج. وهذا كله توقف في سوريا.

أما زال في سوريا تجمُّع للكُتّاب؟

سيريس: إن عدداً ضئيلاً للغاية من الكتاب والمثقفين ما زالوا يلتقون. عندما كنت هناك، كنا نلتقي في مكان ما، وبعد عدة أيام أو أسابيع أو شهور كان يساورنا شعور بأن مكان اللقاء لم يعد آمناً، ولذلك كنا نفكر في أماكن أخرى للالتقاء.

كما واجهتنا صعوبات أخرى. فعلى سبيل المثال، كنا عشرة كُتّاب واضطررنا لتغيير المقهى الذي كنا نلتقي فيه. لكن بالنسبة لبعضنا، فإن الطريق من الشقة إلى مكان اللقاء ما عاد آمناً، والأمور بدأت تزداد خطورة.

في أحد منازل حلب. أ ف ب غيتي إميجيس
هيمنة العنف: لا ينشغل الكُتاب السوريون حالياً بالروايات، بحسب ما يقول نهاد سيريس، مضيفاً أن "لدينا مشاكل في سوريا – إطلاق النار والقصف والدمار. كل رواية يكتبها المرء الآن ستكون مثل الخيال أو العطر".

​​

هذا كله بدأ قبل مغادرتي سنة 2012، إلا أنه الآن يحدث باستمرار. أسمع منهم أنهم يضطرون لتغيير المكان كل أسبوع، أو على الأقل كل شهر. لقد بات من الصعوبة تنظيم لقاءات الآن.

وهناك مشاكل أخرى. ماذا يمكنني أن أقول؟ الحديث عن الأدب أو الفن بات من ضروب الخيال. هم يتحدثون عما سمعوه من أخبار عن الحرب وما شاهدوه بأنفسهم.

كما أن من الخطر الحديث بصراحة وحرية وبشكل مباشر. لا يمكن للمرء أن يذكر أسماءً أو أن يشير إلى ما حصل في سوريا، إذا أراد المرء البقاء على قيد الحياة، فيجب عليه أن يبقى صامتاً أو أن يقول ما يرضي الحكومة.

ربما كان هذا سبب رغبتي في المغادرة، لأنني لم أستطع أن أقول ما أراد ضميري أن أقوله، وهذا ما دفعني إلى المغادرة.

لماذا تستمر في كتابة الروايات؟

سيريس: أولاً أواجه مشاكل في الاستمرار بكتابة الروايات. هذا سيء للغاية. لكنني في الحقيقة أكتب الروايات وأعكف حالياً على رواية جديدة، إلا أنني لا أعتقد أنني أكتب بنفس أسلوبي السابق.

ففي السابق كنت أستحم ثم أحتسي القهوة ومن ثم أجلس للكتابة. كنت أقوم بذلك كل يوم لساعتين أو ثلاث ساعات. وعندما كنت أكتب تلك الكارثة التي نسميها الدراما التلفزيونية، كنت أكتب عشر ساعات يومياً.

غلاف إحدى روايات نهاد سيريس الصادرة باللغة الفرنسية
أدب غير مريح: صدرت رواية "الصمت والصخب" لنهاد سيريس سنة 2008 وتم منعها في سوريا، إلا أنها نُشرت بالألمانية والإنكليزية والفرنسية.

​​
والآن؟

سيريس: ما أقوم به الآن بشكل أكثر هو التخطيط. كما أكتب مقالات أيضاً وأجري مقابلات صحفية. أنا لا أعتقد أن كتابنا يؤلفون روايات الآن، بسبب المشاكل التي نعاني منها في سوريا – إطلاق النار والقصف والتدمير.

كل رواية يكتبها المرء هي بمثابة فانتازيا أو عطر. لكن عند الكتابة عن المشاكل، ستواجهك مشكلة كبيرة، لأنك حين تكتب يجب أن تروي للقراء حكاية لم يسمعوا بها من قبل. لكن بالنسبة لهذه المشاكل، فهم يعرفون عنها الآن أكثر مما تعرف أنت نفسك. الناس يعرفون الكثير، وسوف يدركون أن رواياتنا خاطئة.

ألا تكتب القصص القصيرة؟

سيريس: لقد حاولت، وقد كتبت عدة قصص ومسرحيات قصيرة، ونشرت واحدة في مجلة الهلال بالقاهرة. لكنني بعدها قمت بتجربة، ألا وهي نشر تلك القصص على موقع "فيسبوك".

لكنني لم أرَ أي رد فعل من أصدقائي في "فيسبوك" يشابه الرد على تعليقاتي العادية هناك.
لقد كانت تلك تجربة، وكان من المفيد بالنسبة لي إدراك أنهم لا يريدون حالياً قراءة روايات تتحدث عن حياتهم. إنهم يريدون من يخبرهم بأن عدداً من الجنود قتلوا أو أسروا أو أصيبوا أو أن دبابة تم تدميرها. لذلك توقفت عن الكتابة.

ربما ستقول: أنت لا تكتب عن الحرب أو الإذلال أو التعذيب. ولكن إذا تحدثنا عن كتابة قصة حب فالوقت غير مناسب. هذه ليست مشاعري وحسب، بل ومشاعر القراء أيضاً.

على سبيل المثال، كتبت أحلام مستغانمي رواية "الأسود يليق بك"، التي حققت مبيعات عالية. لقد وجدت على الإنترنت أن الكثير من الشباب يناقشون تلك الرواية، لكن ليس في سوريا.

غلاف إحدى روايات نهاد سيريس الصادرة باللغة الإنكليزية
مثال للفنان الذي نجا في ظل الدكتاتورية: رؤية سيريس للطغيان مميزة إلى درجة تصنيفها مع نظرة أورويل وهاكسلي وماركيز، بحسب ما كتبت صحيفة الإندبندنت البريطانية.

​​هل ستكتب مذكراتك الشخصية؟

سيريس: أحب أن أكتب بعض المذكرات الشخصية في رواياتي ولكن بعد تغيير بعض الأشياء. إنها طريقة جيدة جداً لتقوية الرواية وتقريبها من الواقع. فهذا أدب، ويعني أن تكتب عن شيء تعرفه جيداً أو لا يعرفه غيرك. هذا ما يميز الأدب الجيد.

هل تجسد، إذاً، شخصية فتحي شين في رواية "الصمت والصخب"؟

سيريس: لقد منحت تلك الشخصية الكثير من حياتي أو ما أحلم بأن يكون في حياتي، وتحديداً تلك المرأة التي وقفت إلى جانبه. ربما تكون تلك نقطة جذابة للغاية، لكن هناك قاسماً مشتركاً بيننا، فكلانا يكره الأنظمة الشمولية.

ما هو رأي عائلتك فيما تكتب؟

سيريس: أعتقد أن لديهم رأياً جيداً حول كتاباتي، خاصة رواية "رياح الشمال"، التي كانت أولى رواياتي وفيها الكثير عن أجدادنا وعن فترة الحرب العالمية الأولى.

لقد روى لي والدي قصصاً حول تجنيد جدي إلى الحرب واختفائه، وأنهم ظنوه ميتاً. لكنه عاد إليهم بعد ثلاث أو أربع سنوات. لماذا نجا؟ لأنه كان يلعب الشطرنج، والضباط اكتشفوا أنه يملك موهبة في لعب الشطرنج، وظنوا أن هذه اللعبة لا يتقنها سوى الضباط وأبناء الطبقة الأرستقراطية. لذلك جنبه الضباط الجبهة كي يلعب الشطرنج.

لكن ألا تقلق عائلتك عليك لأنك تكتب عن النظام؟

سيريس: نعم، إنهم يقلقون عليّ. بعض إخواني يفكرون بشكل مختلف عني، لكن ذلك ليس سبباً كي يطلبوا مني أن أتوقف. وحتى لو طلبوا مني التوقف، فلن أوافق.

 


حاورته: مارسيا لينكس كويلي
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013