''إنهاء الانقسام الفلسطيني فرصة لتحقيق السلام''

يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني المعروف خليل شاهين أن إنهاء الانقسام الفلسطيني هو فرصة لوفاء الفلسطينيين باستحقاقاتهم تجاه أي عملية تفاوضية مستقبلية، موضحا أن الحكومة المقبلة هي حكومة تكنوقراطية خدماتية وليس المطلوب منها التفاوض مع إسرائيل. كما يدعو الفلسطينيين إلى التوجه إلى الاتحاد الأوروبي الذي أبدى تفهما للمصالحة الفلسطينية. مهند حامد التقى المحلل خليل شاهين في رام الله وأجرى معه الحوار الآتي.

 

ما التحديات التي تواجها المصالحة الفلسطينية؟

خليل شاهين: التحدي الأول يتمثل في مدى توفر الإرادة لدى الفصائل الفلسطينية وخصوصا حركتي فتح وحماس من أجل إنجاح بنود الاتفاق في إطار عملية التنفيذ. هذا الأمر من شأنه أن يقلل من الضغوط الخارجية الناتجة عن هذا الاتفاق. فهناك الموقف الإسرائيلي على سبيل المثال ذي الطابع الاستفزازي للفلسطينيين، حيث سارع لرفض الاتفاق وأي حكومة قبل أن تشكل ودون معرفة برنامجها السياسي والتلويح بممارسة عقوبات على الفلسطينيين بما فيها منع تحويل أموال الضرائب التي تخص الجانب الفلسطيني. وهناك تحديات أخرى من الجانب الأمريكي الذي أخذ يرقص على إيقاع الموقف الإسرائيلي دون الالتفات إلى أهمية بناء نظام سياسي فلسطيني موحد، وأكثر من ذلك إمكانية توحيد الفلسطينيين بشكل قادر على الوفاء باستحقاقاتهم نحو أي عملية تفاوضية مستقبلية. أما الموقف الأوروبي فقد امتاز بالريث بانتظار معرفة طبيعة الحكومة والبرنامج السياسي الذي سستتبناه. أنا ادعو إلى التوجه إلى الاتحاد الأوروبي من أجل إقناعه بالموقف الفلسطيني في إطار الوحدة بمعناها السياسي والمادي.

هل ترون أن تشكيل حكومة وحدة وطنية ومشاركة حماس فيها هي فرصة لتحقيق السلام؟

الصورة د ب ا
الحكومة الفلسطينية المقبلة...معركة الاعتراف الدولي

​​

شاهين:  الفلسطينيون في استعادتهم وحدتهم وإعادة بناء النظام السياسي يظهرون أمام العالم  أجمع حرصهم على  إقامة دولة فلسطينية  تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل. غير أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي من أجل أن تبدي إسرائيل استعدادا للتوصل إلى تسوية سياسية  قائمة على أساس حل الدولتين. ويبدو هذا الطلب غير متوفر حتى الآن في السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية  التي تحاول أن توظف المصالحة الفلسطينية بالادعاء بأن الفلسطينيين غير جاهزين للعملية التفاوضية، والفلسطينيون جاهزون ويقروه جميعا  وهذا الأمر سيكون في برنامج الحكومة المقبلة استعدادا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 67 بجانب إسرائيل. وعلى المجتمع الدولي أن يلتقط هذا الاستعداد الفلسطيني وأن يركز ضغوطه على المحتل الذي يرفض الإقرار بالمبدأ الأساسي لأية عملية سياسية وهو مبدأ الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ما السيناريوهات التي تتوقعونها بتعامل المجتمع الدولي مع الحكومة الفلسطينية وما المطلوب من الحكومة الفلسطينية القادمة؟

شاهين: تشكيل الحكومة يدور ليس على أساس أنها من حماس أو فتح، بل من شخصيات مهنية ومستقلة أي حكومة تكنوقراطية. هذا الأمر سوف يتم بالتوافق وسيعزز من قدرة الحكومة على مخاطبة المجتمع الدولي بشكل عقلاني وواقعي. أعتقد أن الحكومة المقبلة مطالبة بالالتزام بالقانون الدولي وبقرارات الأمم المتحدة لاسيما أن الحكومة الحالية غير معنية بالتفاوض لأن هذا الأمر منوط بمنظمة التحرير التي وقعت اتفاق أوسلو الذي اعترف بإسرائيل. لذلك على المطالب التي توجه للحكومة بالتفاوض يجب أن تتوجه الى منظمة التحرير وليس للحكومة المقبلة. ومع ذلك فإن الجانب الإسرائيلي قد ذهب إلى موقف التأثير على الجانب الدولي بمنع التعامل مع الحكومة المقبلة وخصوصا مطالبة المجتمع الدولي بفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين من خلال مقاطعة الحكومة سياسيا واقتصاديا، وهذا الأمر سيتواصل لأن إسرائيل تحاول الخروج من عزلتها الدولية وفرض عزلة على الجانب الفلسطيني. المهم الآن استمرار الفلسطينيين في هذا المسار وفتح حوار مع الاتحاد الأوروبي الذي يبدي تفهما أكبر لأهمية المصالحة الداخلية وكذلك دعم بناء المؤسسات الفلسطينية لتكون جاهزة عند إعلان الدولة الفلسطينية بالمعنى الاقتصادي والسياسي.

ما التوجه الفلسطيني القادم في ظل تشكيل حكومة وحدة وطنية ورفض اسرائيل التعامل معها؟

 شاهين: بغض النظر عن الموقف الأمريكي والإسرائيلي مازال هناك استحقاق مهم لدى الفلسطيني هو التوجه إلى الأمم

الصورة مهند حامد
المحلل شاهين يعتبر الموقف الأوروبي متقدما في نظرته للمصالحة الفلسطينية

​​المتحدة،  ففي حال نقل ملف الدولة وحدودها إلى الأمم المتحدة وبالرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية ترفضها أمريكا وإسرائيل  إلى المحافل الدولية سوف يضع المجتمع الدولي أمام استحقاق ضرورة الاعتراف بالفلسطينيين كدولة وليس كسلطة حكم ذاتي. وهذا الاستحقاق الأهم حتى أيلول المقبل، إذ سيمكن الفلسطينين من التوجه إلى مجلس الأمن وإذا واجهوا "فيتو" أمريكي سيرفعون الأمر إلى الجمعية العامة للأمم  المتحدة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" الذي يخول الجمعية العامة صلاحيات توازي مجلس الأمن الدولي. أعتقد أن الاختبار الحقيقي للمجتمع الدولي سيكون مطروحا والفلسطينيون قادرون على الحصول على الأغلبية في الجمعية العامة التي سوف تعترف بالدولة الفلسطينية، بغض النظر عن شكل الحكومة الفلسطينية  وهذا يعتبر شأنا فلسطينيا داخليا.

 هل التغيرات العربية والإقليمية دفعت بطريقة إيجابية لتوقيع المصالحة الفلسطينية؟

شاهين: هناك عدد من المتغيرات الإقليمية والدولية جعلت من المصالحة أمرا ممكنا، فعلى المستوى العربي هناك منعطف تاريخي في حياة الشعوب والأنظمة العربية، إذ خلقت هذه المتغيرات عوامل إيجابية ضاغطة من أجل إنجاز المصالحة الفلسطينية، وشكلت أنموذجا استلهمه الشباب الفلسطيني وبحراك شعبي شبابي فلسطيني ومظاهرات في الضفة وقطاع غزة للضغط على الطرفين من أجل المضي قدما بإنجاز المصالحة. وفي إطار هذه المتغيرات العربية هناك تغير في مسار السياسة الخارجية المصرية ولاسيما على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي موضوع المصالحة الفلسطينية أكدت القيادة المصرية الجديدة أن موضوع المصالحة يحتل ألوية في السياسة المصرية، لذلك بادرت مصر وبشكل سريع إلى عقد سلسلة من اللقاءات مع الفصائل الفلسطينية والشخصيات الفلسطينية المستقلة من أجل الدفع بتحقيق المصالحة. كما أن التغيرات المصرية لم تشمل فقط هذا الموقف، بل تعدى ذلك إلى مسار التفاوض الثنائي الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تفضل هذه السياسة مقاربة تقوم على عقد مؤتمر دولي ذي صلاحيات يقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وليس إعادة التفاوض حول هذه القواعد.

هذا الأمر دفع القيادة الفلسطينية إلى إدراك أن المسار التفاوضي لن يحظى بالفترة المقبلة بدعم من مصر كما كان بعهد مبارك، وهذا دفع الفلسطينيين بشكل أكبر من الاقتراب من الموقف المصري بشأن المفاوضات، فضلا عن الموقف المصري بكسر الحصار عن قطاع غزة من خلال الإعلان بشكل واضح عن فتح معبر رفح، بمعنى أن حماس سوف تجد متنفسا من خلال الموقف المصري. كما أن التطورات الكبيرة التي تحدث في سوريا دفعت باتجاه إقناع حركة حماس بضرورة البدء في المصالحة. وبتقديري أن رؤية حماس وفتح للمتغيرات العربية تبقى متباينة ولكن تشترك في حالة قلق من هذه المتغيرات التي لم تعرف نهايتها بعد، مما دفع الطرفين إلى الاستقواء بالأوراق المتاحة، كل على حسب أوراقه وحساباته، حيث تشكل ورقة الوحدة الوطنية أهم هذه الأوراق.

ما المطلوب من الاتحاد الأوروبي لإنجاح الحكومة الفلسطينية القادمة؟

شاهين: الاتحاد الأوروبي أبدى تفهما لخيارات الفلسطينيين فيما يتعلق بضرورة استعادة الوحدة الفلسطينية، ويدرك أن الفلسطينيين غير قادرين على مخاطبة المجتمع الدولي وبالمضي قدوما بالوصول إلى دولة دون وجود نظام سياسي واحد يتحدث باسم الفلسطينيين سواء على مستوى منظمة التحرير أم السلطة الوطنية. المطلوب من الاتحاد الأوروبي مغادرة مربع انتظار السياسة الأمريكية والخطوة القادمة لإدارة أوباما لكي يتبنى سياسة أوروبية مستقلة. هذه السياسات تتطلب التعامل مع الحكومة الفلسطينية واحترام خيارات الفلسطينيين واحترام نتائج الانتخابات التي حصلت بشكل ديمقراطي. وعلى الاتحاد الأوروبي مواصلة ما يقوم به من أجل بناء المؤسسات الفلسطينية. لذلك يراهن الفلسطينيون على أن يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا متفهما للخطوات الفلسطينية المقبلة في مسار المصالحة وأبعد من ذلك أن تقوم أوروبا بمحاورة حركة حماس، كما يحدث مع حركة الإخوان المسلمين في مصر بالرغم أن حركة الإخوان ترفض الاعتراف بإسرائيل واتفاقية كامب ديفيد ولا تطالب في إطار الحوار معها بضرورة الوفاء بمثل هذه الاستحقاقات السياسية.

 

أجرى الحوار: مهند حامد- رام الله
حقوق النشر: قنطرة 2011