سينما المؤلفين العربية...فن البحث عن الهوية

هالة عبد الله وغسان سلهب وإبراهيم بطوط وجيلاني السعدي أو سيمون الهبر - جميعهم يرمزون لسينما المؤلِّفين العربية المميَّزة والمستقلة. و"جمعية بيروت دي سي" التي تم تأسيسها عام 1999 تسعى من أجل نشر أفلامهم وذلك من خلال فعاليات مختلفة منها مهرجان "أيام بيروت السينمائية". منى سركيس تحدَّثت في بيروت إلى المخرجة إليان الراهب حول سينما المؤلفين العربية.

​​ المخرجة إليان الراهب، أنت تصفين سينما المؤلِّفين العربية بأنَّها المرآة الحقيقية التي تعكس هوية المجتمعات العربية. فما هو السبب؟

إليان الراهب: لا يكاد يوجد للفرد أي ذكر في خطاب الحياة اليومية. وفي الحياة السياسية ربَّما ما يزال يتم تمجيد الأمة. كما أنَّ البنى الأسرية المتسلسلة تملي علينا من فوق التقاليد والأعراف. ووسائل الإعلام تنهال علينا بأرقام - مثل "ستون قتيلاً في العراق" و"ثلاثون قتيلاً في فلسطين" وإلخ...

وثقافة الفكر العادي الخاصة بالمسلسلات القصصية المؤثِّرة تتوجَّه فقط إلى المجتمع. إلاَّ أنَّ المجتمعات العربية تتكوَّن من أفراد مختلفين. ولهذا السبب فنحن نرى مرآة هويَّتنا في سينما المؤلِّفين. والفيلم الحقيقي يأتي ممن يلقي الضوء على التجارب الإنسانية التي تبدو له فريدة من نوعها ويضع من خلالها "الحقيقة" موضع سؤال، على سبيل المثال مثلما يحدث في فيلم "سمعان بالضيعة" للمخرج سيمون الهبر أو في فيلم المخرج إبراهيم بطوط "عين شمس" الذي تم إنتاجه بميزانية محدودة.

وهناك مثال آخر هو النجاح المستمر الذي تحقِّقه الأفلام التجريبية القصيرة منذ خمسة أعوام. ويدل هذا النجاح على مدى الحاجة إلى الهدوء الشخصي. وأنا أقصد الأفلام التي تشبه الأعمال التركيبية والأدائية التي تتم فيها إعادة جملة ما مائة مرة - حسب شعار "أنا أعرض عليك شيئًا لا يعني أحدًا سواي". هذه هي الحالات غير العادية الخاصة بالبحث عن الفردية وأحيانًا يكون صانعوها نرجسيين.

ما حجم إقبال الجماهير على هذه الأفلام واهتمامهم بها؟

الراهب: لا يمكن بطبيعة الحال لسينما المؤلِّفين أن تتنافس مع السينما التجارية التي يتم تمويلها من مصر أو هوليوود. ولكن مع ذلك فالاهتمام كبير ويكفي للنجاح في إقامة مهرجان "أيام بيروت" مرَّة في كلِّ عامين. لقد كان لدينا هذا العام في بيروت الصغيرة نحو عشرة آلاف زائر. وكذلك يبدي الجمهور الدولي اهتمامًا. وفي هذه الأثناء أصبح عرض هذه الأفلام "موضة"، الأمر الذي يشكِّل في الوقت نفسه مصيدة كبيرة. فالمنظِّمون والقائمون على عرض الأفلام ينسون السبب الذي يتم لأجله إخراج هذه الأفلام والتأثير الذي ينبغي لها أن تحدثه. ونحن نصرّ في "أيام بيروت" على النقاش مع الناس، لكي نفهم رؤاهم.

ولكن اتِّجاهات الموضة العالمية لا تساعد في حلِّ المسائل المالية التي تعاني منها أيضًا سينما المؤلِّفين العربية؟

​​ الراهب: المشكلة هي نقص الموارد المالية العربية المخصَّصة لهذه الأفلام. وتتوفَّر بعض الأموال لهذه الأفلام، على سبيل المثال في المغرب وتونس وسوريا، بيد أنَّ هذا لا يكفي. ومن الممكن لهذا الوضع أن يتغيَّر، وذلك لأنَّ محطات التلفزة تتزايد ولأنَّ بعضها يبدي اهتمامًا. وهكذا لقد أحضرت قناة التلفزة والراديو المصرية ART مديرة برامج تبحث خصيصًا عن أفلام من إخراج مؤلِّفيها، كما أنَّ قناة الجزيرة أسَّست قناة للأفلام الوثائقية وهي تريد إنتاج أفلام.

ولكن إلى أن تتوافر محليًا أموال كافية يبقى المخرجون يطلبون تمويل أفلامهم من مؤسَّسات أوروبية مثل صندوق يان فرييمان Jan Vrijman وصندوق السينما العالمية World Cinema Fund ومؤسَّسة هوبرت بالّ Hubert Ball أو صندوق زود Fonds Sud... ويبقون يبحثون عن أعمال مشتركة مع شركات إنتاج وقنوات تلفزة أوروبية.

ومع ذلك هناك الكثير من النقد الموجَّه إلى المنتجين الأوروبيين!

الراهب: يتَّهم بعض المخرجين العرب المنتجين الأجانب، وهم يفكِّرون فقط بالمجموعات التي يوجِّهون أفلامهم إليها - الأمر الذي ينعكس في آخر المطاف على رؤية الفيلم. ومن يخاطب جمهورًا أجنبيًا يتحتَّم عليه أن يشرح ويوضِّح أكثر. وهذا يتعلَّق بالأفلام الوثائقية ويتَّضح بصورة خاصة في الموضوعات المعقَّدة مثل الإسلام وفلسطين أو موضوعات الجنسين.

​​ ولا يتحتَّم على المرء أن يطرح الأساسيات من جديد وحسب، بل كذلك يضطر إلى استخدام كليشيهات كولونيالية - مثلاً على غرار أنَّ "الإسلام أعاد لبنان إلى الخلف قرونًا من الزمن، هذا البد الذي كان في السابق جنة للمسيحيين التقدّميين". الأمر الذي يجعل المشاهدين العرب يشعرون بالملل أو يثير غضبهم، ففي آخر المطاف الكلّ هنا يعرفون أنَّ الكثيرين من المسيحيين متخلِّفون أكثر من كثيرين من المسلمين. وهكذا أيضًا لا يستطيع مخرج أفلام عربي عرض أسرة فلسطينية من دون أن يصطدم بسؤال مثل "ماذا عن الأسرة الإسرائيلية؟ ولماذا يجب أن يكون الإسرائيليون موجودين في كلِّ مكان؟ ويفترض كذلك بمن يريد الحديث عن العلاقات بين الجنسين أن يعرض رجالاً متسلطين ونساء مقموعات وهكذا...

وأنا شخصيًا أستنتج دائمًا أنَّ المشكلة لا تكمن في المموِّلين الأوروبيين الذين من المفترض أن يكونوا ملتزمين ببرنامج سياسي معيَّن، بل في نقص التمويل العربي والمنتجين - وهنا يجب على المخرجين العرب البدء في الكفاح.

وإذا أزيلت هذه المشكلة فمن الممكن أن تركِّز أعمالهم على الجمهور العربي من دون استخدام كليشيهات غربية أو الحاجة إلى المزيد من الشرح والتوضيح. وبالإضافة إلى ذلك من الممكن لهم عندما يتقدَّمون بطلبات للحصول على تمويل غربي أن يتعاملوا من منطلق الواثق بنفسه؛ وذلك لأنَّهم يعرفون رأي جمهورهم.

وحتى الآن لا يعرف المخرجون سوى رأي الأجانب الذين يحدِّدون من الذي يعتبر مخرجًا جيِّدًا ومن لا يعتبر كذلك، ومن يعدّ "داخل اللعبة" ومن "خارجها". ولنأخذ هذا المثال - حتى وإن لم يكن مثالاً عربيًا فهو مثال جيِّد: ففي التسعينيات كان المنتجون الفرنسيون مهووسين بالسينما الإيرانية - ولكن بعد عام 2000 صاروا لا يرغبون فيها. وماذا سيفعل هؤلاء المخرجون؟

هذه ليست الأسباب الوحيدة التي تجعل بعض المؤلِّفين يفضِّلون أن يصبحوا منتجين لأعمالهم الخاصة. فالربح يشكِّل سببًا آخر!

الراهب: تكفي المخرج العربي محليًا ميزانية بحجم مائة ألف دولار، وذلك لأنَّ الكثير من الأصدقاء يساعدونه. أمَّا بالنسبة للمخرجين الأجانب فإنَّ هذه الميزانية لا تكفي على الإطلاق، وعليه فهم يرفعونها إلى خمسمائة ألف دولار يتحتَّم صرف القسم الأكبر منها في بلدانهم؛ حيث يستعين المخرجون بتقنيين ومستشارين أجانب يحصلون على أربعمائة ألف دولار، وكذلك يريد المنتج بالذات الحصول على نصيبه. وهكذا وفي ظلِّ هذه الظروف يبقى للمؤلِّف العربي أقلّ مما كان سيبقى له لو صوِّر الفيلم محليًا وبميزانية صغيرة. يجب أن يكون المرء مولعًا كثيرًا بهذا العمل وراغبًا فيه، حتى يتمكَّن من أدائه.

أجرت احوار منى سركيس
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

المخرجة اللبنانية إليان الراهب واحدة من مؤسِّسي "جمعية بيروت دي سي" التي تعمل فيها منذ عام 2001 مديرة فنية للمهرجان السينمائي العربي، "أيام بيروت السينمائية". وهي تنظِّم ورشات عمل وتقوم بإخراج أفلام وثائقية مختلفة لصالح "جمعية بيروت دي سي". كما أنَّها تدرِّس تخصص الفيلم الوثائقي في جامعة سانت جوزيف IESAV في بيروت.

قنطرة

السينما العربية:
هل ستحدد سينما المؤلف مستقبل السينما العربية؟
في السينما العربية بدأ يترسخ شكل جديد هو ما يسمى ب(سينما المؤلفين العربية). وتمتاز أفلامهم بطابعها الشخصي وبالأصالة، سواء من حيث اختيار موضوعاتها أو من حيث الأسلوب. فهل ستحدد هذه الأفلام مستقبل الفيلم العربي؟. تقرير ستيفاني سورِن

سينما عربية في طور النشوء:
من المبكر الحديث عن ثقافة الفيلم الوثائقي
يكون على خطأ من يربط ثقافة السينما في العالم العربي بالمسلسلات التلفزيونية المصرية أو بأفلام النخبة الثقافية فقط، إذ ازداد في السنوات الأخيرة الاهتمام بالفيلم الوثائقي بشكلٍ ملحوظ. تقرير كرستينا فورش

السينما المصرية الشابة:
أفلام خريجي معهد السينما في القاهرة تسخر من الديكتاتور والنقاب
ضمن نشاط العروض السينمائية التي ينظمها معهد غوته بالقاهرة خصص المعهد ليلة كاملة لعرض أفلام طلاب المعهد العالي للسينما في مصر التابع لأكاديمية الفنون بحضور عدد من النقاد والعاملين في الحقل السينمائي. تقرير سيد محمود