"نحن لا نترجم الكتب الصفراء"

طبقًا لمعلومات "مشروع كلمة" يتم في كلِّ عام ترجمة كتاب واحد فقط لكلِّ مليون قارئ عربي. ولهذا السبب يسعى مشروع كلمة إلى ترجمة مائة كتاب على الأقل في كلِّ عام وبدعم مالي من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. مصطفى السليمان الذي يعمل مدرسا للترجمة الفورية في جامعة ماينتس في مدينة غرمرسهايم الألمانية وكذلك منسِّقا لهذا المشروع ومشرفا على الترجمة عن اللغة الألمانية فيه يتحدث إلى سيلكه لوده في هذا الحوار عن هذه التجربة المتميزة وصعوبات الترجمة.

مصطفى السليمان  الصورة: خاص
يعتبر مصطفى السليمان رئيس مترجمي اللغة الألمانية في مشروع كلمة، ويعمل كذلك في تدريس الترجمة الفورية في جامعة ماينتس في مدينة غرمرسهايم الألمانية.

​​ يوجد نحو 250 مليون قارئ محتمل للكتب العربية، ولكن على الرغم من ذلك لا يتم إلاَّ ترجمة القليل من الكتب، كما أنَّ مشروع كلمة يطرح الطبعات الأولى بألفي نسخة في سوق الكتاب العربي. فهل العرب لا يحبّون القراءة؟

مصطفى السليمان: العرب يقرؤون بطبيعة الحال ولذلك نحن نترجم. وعلى الرغم من أنَّ وسائل الإعلام الإلكترونية والتلفزة تملكان سلطة كبيرة جدًا، إلاَّ أنَّ مثل هذه الظروف المعادية للقراءة موجودة في كلِّ مكان. والمشكلة الكبرى تكمن في سوق الكتاب العربي. وقبل كلِّ شيء في التوزيع؛ إذ لا يستطيع المرء شراء الكتب في الإنترنت، وذلك لأنَّه لا توجد في العادة عناوين بريدية صحيحة بأسماء شوارع. وقد تنبَّهت إلى هذه المشكلة أيضًا في أثناء شراء حقوق الترجمة. وفي ألمانيا تعتبر صناديق البريد غير مقبولة عند إبرام عقود شراء الحقوق، ولكن المرء لا يستطيع أيضًا أن يذكر في عقد ما "في الشارع الصغير مقابل المسجد، عند محل الخضار". وعلاوة على ذلك يوجد في كلِّ العالم العربي نقص في المكتبات الجيدة التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد.

بالتزامن مع منح الكاتبة هيرتا مولر جائزة نوبل صدرت الترجمة العربية لروايتها "أرجوحة النفس"؛ وهنا كنت محظوظًا في اختيارك هذه الرواية...

السليمان: في أثناء وضع قائمة الكتب ساعدني بعض الأصدقاء الذين حصلت منهم على بعض النصائح؛ وعلى رأسهم ميشائيل مار، ولكن ساعدني أيضًا أعضاء آخرون في الأكاديمية الألمانية للغة والأدب. وكذلك ساعدني كلّ من رئيس الأكاديمية، كلاوس رايشرت وغوستاف سايبت بالإضافة إلى مؤلفة كتب الأطفال، أوته كراوس.

يلاحظ في المائة كتاب التي من المفترض أن تتم ترجمتها في البدء عن اللغة الألمانية أن المؤلفات الكلاسيكية غائبة بشكل تام... فما السبب؟

السليمان: كان المرء يميل في الماضي فقط إلى ترجمة الأعمال الكلاسيكية وقد غفل عن الجيل الشاب. وكذلك كانت حقوق الترجمة مجانية أو رخيصة جدًا، وحول الأعمال الكلاسيكية يدور الكثير من الكلام. ولكن المرء كان يتصرَّف كأنَّما لم يكن هناك أعمال أدبية ألمانية حديثة. وهنا ينبغي سدّ هذه الفجوة.

كتب عربية، الصورة هشام صديقي
حتى الآن لا تتم تقريبًا ترجمة كتب أدبية عن لغات أجنبية إلى اللغة العربية. ولذلك يسعى مشروع كلمة إلى إعادة إحياء حركة الترجمة الغنية في العالم العربي.

​​ هل تعتبر أعمال غوته وليسنغ وشيلر موجودة منذ فترة طويلة في اللغة العربية؟

السليمان توجد ترجمات عن اللغة الألمانية وعن لغات أخرى مثل الإنكليزية والفرنسية. وفي وقت ما سوف نحتاج بكلِّ تأكيد إلى ترجمة جديدة عن اللغة الأصلية، ولكن الآن يجب علينا ترك الأعمال الكلاسيكية وشأنها. ومن أجل ذلك هناك حاجة للوقت والبحث. ولا بدّ من تبرير الترجمة الجديدة والتعليق عليها، تمامًا مثلما تعامل على سبيل المثال كلاوس رايشرت مع نشيد الأنشاد.

في القائمة التي وضعتها للكتب المراد ترجمتها نجد دانيال كيلمانّ بجانب كريستا فولف أو أوتفريد برويسلر. فما هي المعايير التي اخترت طبقًا لها هذه العناوين؟

السليمان: تحتل لدينا نوعية الأعمال وجودتها مكان الصدارة. فنحن لا نترجم تلك الكتب الصفراء. كما أنَّنا لا نريد علاوة على ذلك ترجمة الروايات والشعر فقط، بل ترجمة الأدب بجميع أنواعه. ونريد بالإضافة إلى ذلك أن نبيِّن للقارئ العربي كيف يكتب النقَّاد حول الأدب الألماني، ولهذا السبب اخترنا كتبًا موضوعية مثل كتاب "فهود في المعبد" للكاتب ميشائيل مار أو كتاب "كلاب هوائية" للكاتب بوركهارد مولر. وكذلك تشكِّل الفلسفة والدين مجالان مهمان.

يلاحظ أنَّ أكثر من نصف العناوين التي تمت ترجمتها تعتبر من كتب الأطفال والشباب. فهل هذه محاولة للتهرّب من الرقابة؟

السليمان: لا، ففي هذا المجال ما يزال لدينا نقص كبير جدًا يجب علينا تعويضه. كما أنَّ أدب الأطفال والشباب يعتبر مفجعًا في العالم العربي. إذ توجد الكثير جدًا من الكتب ذات التوجهات الإيديولوجية والدينية، ولكن لا يوجد إلاَّ القليل جدًا من الكتب المناسبة للأطفال. ويجب على المرء خلق حبّ للقراءة في سن الطفولة. ونحن نريد تقديم كتب للأطفال، كُتبت من أجلهم، فربَّما سوف يصبحون في وقت لاحق مغرمين بالقراءة.

شيلر، الصورة ويكيبيديا
يقول السليمان: "كان المرء يميل في الماضي فقط إلى ترجمة الأعمال الكلاسيكية وقد غفل عن الجيل الشاب. وكان يتصرَّف كأنما لم يكن هناك أعمال أدبية ألمانية حديثة. وينبغي سدّ هذه الفجوة".

​​ هل سُمح حتى الآن بيع الكتب الصادرة عن مشروع كلمة في جميع الأقطار العربية؟

السليمان: على حدّ علمي لم تكن هناك أي مشكلات مع الرقابة. كما كانت هناك كتب تتعرض لسياسة دولة الإمارات وتتعارض معها وبالرغم من ذلك تنشر وتعرض في معرض الكتاب في أبوظبي دون أن تتعرض للرقابة أو المنع.

هل كنت في بعض الأحيان تمارس رقابة ذاتية عند اختيارك الكتب التي ينبغي ترجمتها؟

السليمان: لا، على الإطلاق. فنحن ننشر الكثير من الموضوعات التي لا يمكن توقّعها بالضرورة في العالم العربي. وفي رواية "أرجوحة النفس" يكتشف المرء في الصفحات الأولى أنَّ بطل هذه الرواية هو إنسان مثلي الجنس؛ ويكتشف كذلك انتقاد الدين. وفي كتاب شذرات "Die Fliegenpein" للكاتب الألماني إلياس كانيتي، توجد فقرة يرد فيها "أنَّ الله ما يزال في طور الولادة وأنَّه لم يخلق العالم بل هو وريثه". ولا يقبل كلّ مسلم بذلك. ولهذا السبب كان المراجع الثاني يريد حذف هذه الفقرة. وقد تناقشنا حول ذلك - وفي النهاية لم يتم حذفها.

وأحيانًا يكون الكُتَّاب هم الأكثر قلقًا. وذات مرة اقترحت الكاتبة أمينة أوزدمار حذف فقرة في رواية "الحياة خان قوافل"، يجلس فيها شخص في المرحاض ويشتم الله. غير أنَّ الناشر العربي لم يجد سببًا للقيام بذلك، وقد قال إنَّ ذلك مكتوب هكذا في النص الأصلي؛ وهكذا لم يتم حذف تلك الفقرة.

الترجمة العربية لكتاب بيتر هيرتلينغ "Hirbel" - يقول السليمان: "نحن نريد تقديم كتب للأطفال، كُتبت من أجلهم، فربَّما سوف يصبحون في وقت لاحق مغرمين بالقراءة".

​​ كلّ لغة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة، والكلمات تحمل دلالات مختلفة، وأحيانًا تكمن خلفها مفاهيم ثقافية كاملة. فمتى يتحتَّم عليك في اللغة العربية البحث طويلاً عن ترجمة مناسبة؟

السليمان: في كتاب من كتب الأطفال للكاتبة أوته كراوس كان هناك خنزير يؤدِّي دور البطولة. وفي الآداب الشرقية لا تلعب الخنازير أي دور، ولا حتى لدى المسيحيين واليهود. وكذلك لا يوجد أي حضور للخنازير في الحياة اليومية في الثقافات الشرقية. وبالتعاون مع أوته كراوس قمنا بتحويل بطل الكتاب إلى حمار، بيد أنَّنا حافظنا على خصائصه. وتم إدخال تغييرات طفيفة على الصور - وكان هذا بمثابة مسايرة للقارئ العربي. ولو لم نفعل ذلك كُنا سنغلق جميع السبل منذ البداية أمام هذا الكتاب، إذ إنَّ الآباء والأمهات لن يشتروا مثل هذه الكتب التي يكون بطلها خنزير.

كيف تتعاملون مع الأسماء؟ أَلا يضيع بعض الشيء خاصة في كتب الأطفال عندما يكون على سبيل المثال اسم "اللص هوتسنبلوتس" في اللغة العربية هو نفسه كما في الألمانية هوتسنبلوتس؟

السليمان: في الواقع هذا يشغلني كثيرًا. وفي بعض الحالات حاولنا نقل الخصائص المميِّزة. وفي كتاب الكاتب بيتر هيرتلينغ يمكن تصوِّر شيء ما في اللغة الألمانية عن هذا الولد الشقي من خلال اسمه، "هيربل Hirbel" الذي لجأنا في ترجمته إلى الصيغة العامية المصرية وأطلقنا عليه اسم "الولد شقاوة". والجميع يعرفون هذا الاسم من الأفلام أو الصحف، وهو يدل على فتى فقير ومكبوت وبائس. وفي كتاب "اللص هوتسنبلوتس" يوجد أيضًا بوَّاب يكثر من شرب نبيذ التفاح. وهذا غير شائع بالنسبة للقارئ العربي، غير أنَّني وجدت في كتاب قديم اسم "دابوس" Dabus، وعند سماع هذا الاسم يدرك الجميع على الفور أنَّ هذا الشخص عدواني تنبعث منه رائحة كريهة.

هل يمكن أن تكون الحواجز اللغوية عالية إلى درجة تجعل الترجمة مستحيلة؟

السليمان: لكلِّ نص خصوصياته التي يجب على المرء أن يعتاد عليها. ونصّ قصيدة "ديانا" الغزلية للشاعر يوآخيم سارتوريوس كان واحدًا من مثل هذه النصوص. وفي هذا النص يرد: "رأيت ظهر العالم في الماء". والظهر ككلّ يعتبر غير مثير في الأدب العربي. أمَّا الكتف أو القدم فهما أكثر إثارة بكثير من الظهر. ومجرَّد النظر أو حتى غض البصر قليلاً يبدو في الشعر العربي أكثر إغراءً من اللمس. وهذه بعض التفاصيل، لكن إذا ترجمنا قصيدة "ديانا" ترجمة حرفية، فعندئذ لا يبقى فيها أي شيء من الإثارة.

وهذا ينطبق أيضًا من ناحية أخرى على الشعر العربي الذي كثيرًا ما يبدو بالنسبة للقارئ الألماني مبتذلاً...

السليمان: يجب على المترجم أن يبذل الكثير من العمل حتى تصل القصيدة إلى ثقافة اللغة التي يترجم إليها، وخاصة في ترجمة قصائد الشعراء العظماء. وعلى أبعد حدّ أصبحت اللغة الألمانية منذ بريشت أكثر جفافًا وأكثر فقرًا في الاستعارات. أمَّا اللغة العربية فهي غنية بالصور والاستعارات مثل اللغة الروسية أو اللغات الرومانسية. ولذلك أيضًا تعتبر الترجمة عملاً إبداعيًا. وكذلك يجب أن تفوح رائحة وردة الشعر العربي أيضًا في الترجمة الألمانية.

أجرت الحوار: سيلكه لوده
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

حوار مع ياسر حارب:
"التبادل الثقافي إكسير الحضارة الإنسانية"
يري ياسر حارب، نائب المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، أن التواصل الثقافي يلعب دورا محوريا في التقريب بين الشعوب والثقافات بصورة عامة، وتوثيق العلاقات بين العالمين العربي والغربي بصورة خاصة. لؤي المدهون حاور ياسر حارب في فرانكفورت حول آفاق وأهداف مشاريع مؤسسة آل مكتوم الثقافية الطموحة.

مع كريم ناجي الرئيس التنفيذي لمشروع "كلمة":
أبوظبي تحيي حركة الترجمة في العالم العربي
تم الاعلان خلال المعرض الدولي للكتاب بفرانكفورت عن مشروع طموح للترجمة يحمل إسم "كلمة"، تهدف من خلاله هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث احياء حركة الترجمة في العالم العربي. التقى محمد مسعاد بكريم ناجي الرئيس التنفيذي للمشروع فكان الحوار التالي.

نظرة على ترجمات مؤسسة ديوان البرلينية:
"الترجمة نافذة للحوار الثقافي"
تعمل مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبإصرار كبير على إحياء مشروع الترجمة كبوابة حضارية بين الأنا و الآخر، وهو رهان تترجمه مؤسسة ديوان البرلينية بمجهود حثيث على أرض الواقع تحت إشراف الشاعرة العراقية أمل الجبوري. محمد مسعاد يستعرض بعض الكتب المترجمة حديثا إلى لغة الضاد والتي شكلت محورا رئيسيا الدورة الأخيرة لمعرض فرانكفورت للكتاب.