''ازدواجية المعايير خلقت حالة عدم ثقة بين الغرب والعرب''

ركز المنتدى العالمي للإعلام الذي تنظمه دويتشه فيله، على مواقف الدول الأوروبية من انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي واستراتيجيتها المستقبلية في التعامل معها بعد الثورات العربية. يوسف بوفيجلين حاور الناشطة التونسية المعروفة في مجال حقوق الإنسان سهام بن سدرين حول تعامل الدول الغربية مع ملفات الديمقراطية وحقوق الانسان في ضوء ربيع الحرية العربي.



كيف تقيمين إستراتيجية الغرب المتعلقة بمجال حماية حقوق الإنسان وتعامله مع انتهاكات تلك الحقوق في العالم العربي؟

سهام بن سدرين: منظومة حقوق الإنسان تبلورت في أوروبا، وأصبحت هذه القيم كونية عندما أُعطي لها صبغة الشرعية الدولية في الأمم المتحدة، لكن ما نلاحظه الآن أن الغرب أصبح يتعامل مع منظومة حقوق الإنسان بازدواجية المعايير، وهو ما كان له مفعول عكسي عند العرب، إذ أن أوروبا، وهنا اخص بالذكر السياسات الرسمية الأوروبية، كانت تتعامل مع المستبدين ما قوى شوكة الدكتاتوريات، وهو ما يعتبر خيانة لتلك القيم من طرف أشخاص كان من المفروض أن يكونوا مروجين لقيم حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي خلق انعدام الثقة بين أوروبا الرسمية والمجتمعات العربية، لأن هذه المجتمعات باتت تشعر أن الغرب يتعامل بمكيالين مع هذه القيم.

وصفتي تعامل الغرب مع ملف حقوق الإنسان بالازدواجية، ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى مستقبل التعاون بين الشمال والجنوب في مجال حقوق الإنسان؟

نحن لسنا بحاجة إلى دروس، ولكن نحن بحاجة إلى اعتماد مرجعيات حقوق الإنسان التي وضعها الغرب، نحن بحاجة إليها لمحاربة حكامنا المستبدين، فهي التي تضع القاسم المشترك بيننا جميعا؛ أي بين أطياف المنظومة الدولية ككل، فهذه المرجعيات تصب في مصلحتنا، ويجب علينا عدم التراجع عنها حينما نتخلص من الحكام المستبدين بسبب أن بعض الأشخاص في الغرب أساء استعمالها.

ولكن عدد من المراقبين يقولون إن الدول الغربية قد غيرت ولو القليل من موقفها تجاه تعاملها مع ملف حقوق الإنسان في العالم العربي خاصة بعد نجاح ثورتي مصر وتونس، كيف ترين ذلك؟
أكيد، أنا اشعر أن الغرب في مرحلة مراجعة لكل الأفكار المسبقة التي تقول إننا مصدر للعنف والخطر، وأعتقد أن تأثير الثورات العربية وبالأساس الثورتين التونسية والمصرية على الغرب وأوروبا بالتحديد سيكون له أثر في العديد من الميادين حتى فيما يتعلق بسياساتهم الداخلية، فبعد هجمات 11 سبتمبر تراجعت قيم حقوق الإنسان لديهم، إذ أنهم مارسوا سياسات مخالفة لتلك المبادئ وأعتقد أن الربيع العربي سيعود بأشياء إيجابية على أوروبا، منها مراجعة نفسها، لأن هناك قوى واعية في هذه القارة تدعوا إلى التعامل المتكافئ بين الشمال والجنوب

من أوروبا نعود إلى تونس، أين وصل ملف حقوق الإنسان في بلدك بعد أشهر من سقوط نظام بن علي؟

نحن سعداء بما تم تحقيقه لحد الآن، فقد شكلنا ائتلاف جمعيات المجتمع المدني، وقد شرعنا في إصلاحات هيكلية تتعلق بالتنمية وتشمل ثلاثة ملفات، أولها إصلاح القضاء، وقد وضعنا تصور كامل لهذه المسالة، وثانيا إصلاح الإعلام، وثالثا أصلاح (جهاز) الأمن، باعتبار أن الأمن أساس (لسيطرة) الديكتاتوريات. وقد خطونا في هذه النقطة خطوات جريئة جدا، حتى أننا أخذنا بعين الاعتبار أن إصلاح الأمن لا يتعلق فقط برجال الأمن ووزارة الداخلية بل هو موضع يمس المجتمع المدني كذلك، وقد حققنا عدة نتائج من بينها إلغاء مصلحة أمن الدولة، كما قدمنا قائمة تضم رجال الأمن الفاسدين، وقد اتخذت الإجراءات اللازمة بحقهم. كما استطعنا تقليص مدة الإيقاف التحفظي من ستة أيام إلى مدة 24 ساعة. باختصار هناك حوار قائم بين هيئات المجتمع المدني وجهاز الأمن الذي كان في السابق جهازا لحماية الدكتاتورية.

ما هو الدور الذي يمكن لأوروبا أن تلعبه حاليا في دعم مجال حقوق الإنسان في الديمقراطية الناشئة في تونس؟

هناك مشاورات مستمرة مع المجتمع المدني من أجل الاستفادة من جميع التجارب في العالم دون أن نتخلى عن خصوصياتنا، لكن في نفس الوقت هناك مشاورات على الجانب الرسمي مع الأوربيين في إطار عقد الشراكة الذي يربط تونس بالاتحاد الأوروبي، ونحن بصدد تفعيل هذه الاتفاقيات الموقعة في اتجاه دفع أوروبا لاحترام التزاماتها، ولدينا يقين أن دور المجتمع المدني سيكون حاسما لدفع الأوربيين لانتهاج سلوكيات جديدة تجاهنا.

ألا تخشون من استغلال بعض الأطراف داخل تونس لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تناضلون من أجلها لفرض تصوراتهم لمفهوم الدولة والحرية في التضييق على بعض المكتسبات، وهنا اقصد حرية المرأة؟

لا نخشى من هذا الأمر، لأن لدينا يقين بأن مكاسب المرأة هي مكاسب يدافع المجتمع عنها، وهنا اقصد الرجال والنساء كحد سواء، وحتى الأطراف التي تتهم بأنها تريد التراجع عن هذه المكاسب، وأعني هنا الطرف الإسلامي أو النهضة، لهم استعداد للانسجام في العملية السياسية ولعب دور مع الاستماع لمختلف الآراء المجودة في البلد.


أجرى الحوار: يوسف بوفيجلين
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011