مبادرة ''مدنية'' في مواجهة المد الديني في مصر

ظواهر عديدة تؤكد أن مصر تشهد حالة من المد الديني والسلفي، كان آخرها احتجاج عشرات الآلاف في قنا على تعيين قبطي محافظاً – في ظل هذه الأجواء تنطلق مبادرة "مدنية" للكاتبة مي التلمساني لترسيخ قيّم المجتمع المدني، فهل تنجح؟ سمير جريس في حوار مع الناشطة التلمساني.

الكاتبة ، الكاتب: Samir Grees



عقب اندلاع الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير / كانون الثاني كتب عدد من المثقفين المصريين من مختلفي الانتماءات السياسية والدينية بياناً يطالبون فيه بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ويطالبون العودة إلى مواد دستور عام 1923 الذي يكفل المساواة لجميع المصريين أمام القانون، بغض النظر عن أصلهم أو لغتهم أو دينهم. القاصة والروائية مي التلمساني كانت من بين الموقعين على البيان، كما سارعت إلى تأسيس مبادرة بعنوان "مدنية" تهدف إلى ترسيخ قيم المجتمع المدني في مصر. مع الكاتبة المصرية أجرت دويتشه فيله الحوار التالي:


عندما تنظرين إلى ما حدث في مصر منذ تنحي مبارك عن الحكم – من حرق لكنيسة في إطفيح بالقرب من القاهرة ومن مواجهات طائفية، وتصوير الاستفتاء على التعديلات الدستورية على أنه استفتاء على المادة رقم 2 من الدستور، وما أعقب ذلك من وجود قوي للتيار السلفي، والإسلامي بشكل عام – في ظل هذه الأجواء هل من الممكن إقامة دولة مدنية في مصر؟


الصورة دويتشه فيله
صفحة مبادرة "الدولة المدنية" على الإنترنت: dawlamadaneya.com/ar

​​مي التلمساني: أنا من أكثر المقتنعين بضرورة إقامة دولة مدنية في مصر. تنحي مبارك في يوم 11 فبراير تلاه مباشرة – في يوم 13 فبراير – بيان كنت أنا أول الموقعين عليه وعدد قليل من الأصدقاء، وتم نشره في صحف مصرية وعربية كثيرة، وفيه طالبنا بتعديل المادة الثانية من الدستور. السبب في هذه السرعة في التحرك هو وعينا بأن الثورة المصرية هي الفرصة المناسبة لنهضة حقيقية في مصر، وأن هذه النهضة لن تتم إلا بوجود دولة مدنية.  البعض يعتقد أن هناك في مصر دولة مدنية، وهناك مؤشرات كثيرة على ذلك وهذا حقيقي. ولكن المشكلة الحقيقية هي تصاعد المد السلفي والمد الإسلامي في السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية، مما جعل من المادة الثانية مصدر خطر حقيقي يهدد مستقبل مصر في المرحلة القادمة. أنت أشرت في سؤالك إلى ما حدث في الكنائس، وأيضاً قبل الثورة المصرية، ما حدث في كنيسة القديسين في الإسكندرية، وكتبت في هذا الصدد مقالاً بعنوان "الأوغاد"، وكنت أقصد من قام بهذه الفعلة الشنعاء، ومن ساعدهم على ذلك، أيضاً من الأغلبية الصامتة. فالتحرك نحو الدولة المدنية في مصر هو في رأيي أهم هدف يجب أن نتكاتف جميعاً للوصول إليه في اللحظة الراهنة.


هذا ما يراه ربما عدد من المثقفين أو من ذوي التوجهات اليسارية، ولكننا إذا نظرنا تحديداً إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وتصويره على أنه استفتاء على الهوية الإسلامية لمصر، وعديد من الإخوان المسلمين قالوا إن هذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وهناك من قال إن دولة مدنية = دولة علمانية = دولة ملحدة. إذاً أغلبية المصريين لا يريدون دولة مدنية – كيف تقنعينهم بأهمية قيام الدولة المدنية؟


التلمساني: هناك تحركات كثيرة تتم منذ تنحي الرئيس السابق مبارك وحتى الآن صوب التوعية بإنجازات وضرورة الدولة المدنية. طبعاً الصوت الأعلى هو صوت الإخوان المسلمين، وهم أكثر الأحزاب تنظيماً، والآن لهم حزبان. الحزب الأول هو حزب الوسط المعتدل، والذي يقول – بالمناسبة – "نحن ننادي بدولة مدنية ذات مرجعية دينية". وهناك الحزب الذي يمثل التيار الأقوى للإخوان المسلمين وهو"الحرية والعدالة" وهو في طريقه للإنشاء حالياً. نحن في انتظار ما ستأتي به الرياح.
ما أحاول القيام به ليس حلماً، وليس مجرد محاولة مثالية لتغيير الأوضاع. ولكن بما أن المثقفين – وأنا من بينهم – كنا ننادي بحق الإخوان المسلمين في التواجد على الساحة السياسية، فعلى الإخوان الآن أن ينصتوا إلى الصوت الآخر، صوت العلمانيين وصوت اليسار، لأنه صوت سيكون له دور مؤثر في المرحلة القادمة.

الصورة دويتشه فيله
تتوقع التلمساني فوز الإخوان المسلمين بنحو 40% من مقاعد مجلس الشعب القادم

​​أنا ككاتبة لا أريد الانضمام إلى أي حزب، بل تشكيل "جماعة ضغط"، أي تكوين "لوبي" لمساندة فكرة الدولة المدنية. ما نعد له حالياً هو مجموعة من الحملات التي ستنزل إلى الشارع للتوعية بالفرق الشاسع بين المناداة بالدولة المدنية – وهي عكس الدولة الدينية وعكس الدولة العسكرية - وبين التخلي عن الإسلام أو عن الدين بصفة عامة. الدولة المدنية تحمي جميع الأديان وتكفل ممارستها. لدينا مشاريع خارج القاهرة في مدن مثل المحلة والمنصورة والإسكندرية، وهدفنا التوعية بماهية الدولة المدنية وما هي إنجازاتها، وتوضيح أنها ليست ضد الدين كما يدعي بعض الإخوان في خطاباتهم. نريد أن نوضح أن المواطن المصري – بغض النظر عن انتماءاته – له حقوق، ويجب أن تُحترم هذه الحقوق.


من يقوم بحملات التوعية هذه؟ أليس من الأسهل الانضمام لحزب ما للاستفادة من شبكته التنظيمية؟


التلمساني: طبعاً. أنا أريد الاستقلال بنفسي ككاتبة. وهناك عدة أشكال من التحرك السياسي، منها الأحزاب ومنها جماعات الضغط. أنا أميل أكثر إلى جماعات الضغط، ولكن عدداً من المنضمين إلينا يبحثون عن حزب للانضمام إليه. الهدف هو التوعية بإنجازات الدولة المدنية والنزول إلى الشارع. هناك حملة نعد لها سيكون اسمها "خبز ومدنية"، سنقوم خلالها بتوزيع مليون رغيف عيش (خبز) على سكان الأحياء الفقيرة، وخلال توزيع الخبز سنتحدث مع سكان تلك المناطق الفقيرة عن الدولة المدنية، بدون شعارات وبدون طنطنة، وبدون ضجيج.


 من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في سبتمبر / أيلول المقبل. هل تتوقعين أن يكون مجلس الشعب المصري الجديد ذا أغلبية من الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية؟


التلمساني: أعتقد أنه – وحسب الإحصائيات التي قام بها الإخوان أنفسهم - سيكون هناك ما بين 35% و40% من الإخوان في البرلمان. أنا لست متفائلة على الإطلاق بالانتخابات القادمة، لأنها قريبة جداً، وليس من المتوقع أن تنجح الأحزاب الجديدة عديمة الخبرة في منافسة الإخوان المسلمين. ولكننا نقول إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. أياً كان الوضع، حتى لو وصل الإخوان إلى 40% من مقاعد مجلس الشعب، أو أكثر من ذلك إذا أعطاهم السلفيون أصواتهم، حتى إذا حدث ذلك، فهذا معناه أن الشعب المصري في طريقه لممارسة حقوقه الديمقراطية في اللحظة الراهنة، وهذه خطوة كبيرة جداً بالنظر إلى ما كنا عليه في الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية.


 هل تتوقع مي التلمساني أن يكون رئيس مصر القادم من التيار الإسلامي؟


التلمساني: لا، أتوقع أن يكون مرضياً عنه من الجيش. التقسيمة واضحة، المجلس التشريعي ستكون الأغلبية فيه للإخوان، أما رئيس الجمهورية فسيكون من المرضي عنهم من الجيش.



أجرى الحوار: سمير جريس
مراجعة:هبة الله إسماعيل

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011