مصطفى البرغوثي: المجتمع الفلسطيني لا يحب التطرف

تظهر تأثيرات الربيع العربي على النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. كما تظهر أيضا على العلاقات الداخلية الفلسطينية، خاصة العلاقة الصعبة بين حركتي فتح وحماس. كيرستن كنيب أجرى الحوار التالي حول هذه التأثيرات وآفاقها مع الناشط والحقوقي الفلسطيني البارز مصطفى البرغوثي.

الكاتبة ، الكاتب: Kersten Knipp

السيد البرغوثي! تتجلى تأثيرات الربيع العربي أيضا في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية، وبالأخص في قطاع غزة حيث تحكم حركة حماس. وفقد نظام الأسد الذي ظل لفترة طويلة حليفا لحماس مصداقيته تماما، سواء على المستوى السياسي أو الأخلاقي؛ لذا فقد انسحبت حماس من دمشق. فإلى أي مدى تؤثر الأحداث في سوريا على الحركة؟

هناك ناحية إيجابية لاحظتها أنا شخصيا في تعاملي مع حماس وهي: أن نجاح الربيع العربي، وبالأخص في دول مثل مصر وتونس أظهر مدى القوة التي ينضوي عليها الكفاح السلمي. أنا شخصيا أنادي بهذا الكفاح منذ ما يزيد على عشر سنوات. وخلال الاجتماع الأخير لحركة حماس في القاهرة اتضح كيف أن المنظمة غيرت موقفها، وتمضي حاليا بالفعل في اتجاه الطريق السلمي. يبدو لي أن التغيرات التي حدثت في العالم العربي كان لها تأثير كبير في هذا الصدد.

هل يعني هذا أن حماس تغيرت أيضا من الناحية الإستراتيجية والإيديولوجية؟

من واقع خبرتي أستطيع أن أقول أن رؤية الحركة قد تغيرت بالتأكيد فيما يتعلق بثلاث قضايا: أولا أنها تقبل الآن حل الدولتين، ثانيا أنها تقبل الطريق السلمي، أي جميع أشكال المقاومة المدنية. وهذا ما أعلنته الحركة مؤخرا في القاهرة بشكل واضح، وثالثا – وإن كانت الدلائل لا تزال غير ظاهرة – فإنها تقبل بنظام انتخابات ديمقراطي. ولكن هذا أيضا لم يتم تجريبه عمليا حتى الآن. وإذا افترضنا أن حماس قبلت بهذه المبادئ الثلاثة فإن هذا سيؤدي إلى حدوث تغييرات مهمة. بالنسبة لي هذه بادرة مشجعة، لأنها تظهر أن هناك شيئا يتغير حاليا.

متظاهران فلسطينيان يرتديان قناعي عباس وهنية ويدعوان لوحدة الصف الفلسطيني.
متظاهران فلسطينيان يرتديان قناعي عباس وهنية ويدعوان لوحدة الصف الفلسطيني.

​​

هل يرى الجميع في حماس إذن الأمر على هذا النحو؟

لا، بالتأكيد لا. هناك آراء متباينة ولكن هذه الاختلافات ليست سوى رد فعل على التغييرات، في رأيي أن الغالبية ستدعم المسار الجديد.

ما هي المهام الأكثر إلحاحا من وجهة نظرك خلال الأشهر المقبلة؟

هناك ثلاثة أمور نركز عليها الآن، أولا المقاومة السلمية لصالح حرية الفلسطينيين وتحررهم من الاحتلال، ثانيا تحول ديمقراطي حقيقي، ولذلك فقد قررنا رفض تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي، لأنه يعيق المجتمع الفلسطيني عن خوض تجربة الديمقراطية، وثالثا ننادي بالعدالة الاجتماعية، لأننا لا نريد ديمقراطية على المستوى السياسي، بل على المستوى الاجتماعي أيضا. نحن نعتقد أن هذه العوامل الثلاثة يمكن أن تشكل الأساس لبناء مجتمع فلسطيني حر في إطار دولة خاصة به.

تحدثت عن "ديمقراطية اجتماعية"، ماذا تقصد بذلك؟

لديمقراطية في رأيي لا تعني فقط الحرية السياسية والانتخابات وتوازن القوى، فمفهوم الديمقراطية يفترض أيضا تحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة احتياجات المعدمين والمهمشين. الأمر يتعلق بمساعدة المرأة للوصول إلى الاستقلالية، ويتعلق أيضا بتنمية مهارات الشباب، كما يجب أن نناقش قضية التوزيع العادل للدخل وتكافؤ الفرص للجميع. وينطوي مفهوم الديمقراطية كذلك على توفير نظم رعاية صحية ونظم تعليم تشمل المواطنين من جميع الفئات.

خلال الأشهر الأخيرة أظهرت احتجاجات الشباب الفلسطيني أن هؤلاء لديهم تعاطف كبير مع الأفكار العلمانية، كيف تنظر إلى هذا التطور؟

المجتمع ككل لا يحب التطرف، والمواطنون يرحبون بسياسات متوازنة، لكنهم في نفس الوقت يشعرون بقلق بالغ إزاء العجز الديمقراطي الذي يرجع في الأساس إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي، ولذلك فهم يرحبون بسياسة تقوم على أساس مدني وعلماني، ومما يزعجهم أكثر تركز السلطة لدى الجهات التنفيذية سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة – إذ لا يوجد هناك سوى مجال ضئيل للإجراءات الديمقراطية. هذا الواقع يدفع الكثيرين للمطالبة ببدائل ديمقراطية حقيقية.

المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لا تحقق أي تقدم في الوقت الراهن، فلماذا؟

للأسف يلاحظ هناك توجه مقلق داخل إسرائيل نحو اليمين المتطرف في الوقت الحالي. ويمكن وصف نظام الاحتلال الأطول على مستوى العالم بأنه نظام فصل عنصري.

كلمة "فصل عنصري" كلمة قوية. ما الذي دفعك إلى قول ذلك؟

إن ما يحدث هو "فصل عنصري" لأن هناك مجموعتين من البشر تعيشان على نفس الأرض، ولكن يطبق على كل منهما نظام من القوانين يختلف عن الآخر، ولا يمكن أن يتغير ذلك إلا إذا غيرنا معايير النزاع. وهذا سيحدث عن طريق المقاومة السلمية والتضامن الدولي القوي، ولكن أيضا عن طريق التعاون مع أولئك الإسرائيليين الذين يفهمون أن نضالنا لن يحرر الفلسطينيين فحسب، بل سيحرر الإسرائيليين أيضا من هذا النظام الاستعماري الذي يعد آخر الأنظمة من نوعها.

هل سيؤثر الربيع العربي على الموقف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين؟

نعم. رغم أن الإسرائيليين يغمضون أعينهم أمام هذه التطورات، لكن لا يمكن أن يستمر ذلك طويلا، لأن التغيرات في العالم العربي جذرية لدرجة أن إسرائيل سترتكب خطأ فادحا إذا تناست أن القضية الفلسطينية - الإسرائيلية هي الأساس الناظم لجميع العلاقات الأخرى في المنطقة.

 

مصطفى البرغوثي سياسي وطبيب وحقوقي مدني فلسطيني يعيش في رام الله. أسس البرغوثي في عام 2002 "المبادرة الوطنية الفلسطينية" بالتعاون مع المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد وآخرين. وترى المبادرة ذات التوجه الاجتماعي الديمقراطي في نفسها طريقا ثالثا بين حماس وفتح

 


كرستن كنيب

ترجمة: صلاح شرارة

مراجعة: ابراهيم محمد

حقوق النشر: دويتشه فيله 2012